بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اني اعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك هذا الحديث من الدعوات العظيمة الجامعة التي كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من جملة تعوذاته صلوات الله وسلامه عليه وباب الاستعاذة باب عظيم وواسع من ابواب الدعاء وقد افرده بعض العلماء بالتصنيف لسعته ومنهم من خصه بكتب خاصة في المصنفات الجامعة وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام انواع كثيرة من التعوذات يحسن بالمسلم ان يقف عليها وان يتعلمها لتكون من جملة تعوذاته والتجائاته واعتصامه بالله سبحانه وتعالى قال الشوكاني رحمه الله استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوال نعمته لان ذلك لا يكون الا عند عدم شكرها. والمضي على ما تستحقه وتقتضيه. كالبخل بما تقتضيه نعم على صاحبها من تأدية ما يجب عليه من الشكر والمواساة واخراج ما يجب اخراجه واستعاذ ايضا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحول عافيته سبحانه لانه اذا كان قد اختصه الله سبحانه بعافيته فقد ظفر بخير الدارين فان تحولت عنه فقد اصيب بشر الدارين فان العافية يكون بها صلاح امور الدنيا والاخرة واستعاذ صلى الله عليه وسلم من فجاءة نقمة الله سبحانه لانه اذا انتقم من العبد فقد حل به من البلاء ما لا يقدر على دفعه ولا يستدفع بسائر المخلوقين. وان اجتمعوا جميعا والفجاءة من فاجأه مفاجأة اذا جاءه بغتة. من غير ان يعلم بذلك واستعاذ صلى الله عليه وسلم من جميع سخطه لانه سبحانه اذا سخط على العبد فقد هلك وخاب وخسر ولو كان السخط في ادنى شيء وبايسر سبب ولهذا قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وجميعي سخطك وجاء بهذه العبارة شاملة لكل سخط انتهى كلامه رحمه الله قوله اللهم اني اعوذ بك من زوال نعمتك اي ذهابها وسلبها والنعمة هنا مفرد مضاف فتعم كما في قوله تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقوله وما بكم من نعمة فمن الله قوله وتحول عافيتك اي تحولها عن العبد وانتقالها. والعافية خير ما اعطيه العبد وفي الدعوة العظيمة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس رضي الله عنه قال يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية فالعافية نعمة عظيمة ومنة كبيرة وهي انما تتحول عن العبد بسبب ذنوبه وخطاياه قوله وفجاءة نقمتك النقمة الانتقام والفجاءة هو ان يأتي الانتقام فجأة ويبغت الانسان دون مقدمات بسبب اجرامه واثامه وتعدد خطاياه وعصيانه قوله وجميع سخطك اي ان افعل او ارتكب ما يسخطك ويكون سببا لحلول عقوبتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ومرد هذه الدعوة العظيمة الجامعة الى ذكر نعم الله المتتالية وعطاياه المتوالية. والاءه التي لا تعد ولا تحصى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وان تقيد بالشكر للمنعم. فان الشكر مؤذن بالمزيد واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد والشكر حافظ للنعم الموجودة وجالب للنعم المفقودة فان النعمة اذا شكرت قرت واذا كفرت فرت فوجب على كل مسلم ان يشكر الله على نعمائه وفضله وعطائه ويسأله سبحانه ان يوزعه شكر نعمه وان يعيذه من تبديل النعم كفرا فان ذلك موجب لحلول العقوبة وزوال النعمة وفجاءة النقمة وتحول العافية وجميع السخط ولقد حذر الله جل وعلا في مواطن من كتابه من تبديل النعمة كفرا وعدم استعمالها في طاعة المنعم جل في علاه. وملاقاتها بالاسر والبطر وجحود الانعام والاكرام قال الله تعالى ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فان الله شديد العقاب وقال سبحانه الم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وقال الله سبحانه ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم واذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ان الله لا يغير ما بقوم اي من نعمة وفضل واحسان حتى يغيروا ما بانفسهم اي بالفسوق وكفران النعم والعصيان وقد احسن القائل اذا كنت في نعمة فارعها فان المعاصي تزيل النعم وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم واياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الوراء لتبصر اثار من قد ظلم فتلك مساكنهم بعدهم شهود عليهم ولا تتهم وما كان شيء عليهم اضر من الظلم وهو الذي قد قسم فكم تركوا من جنان ومن قصور واخرى عليها اطم صلوا بالجحيم وفاة النعيم وكان الذي نالهم كالحلم ولقد ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز اخبار قوم اهلكهم الله سبحانه بسبب كفران النعم ليعتبر من اراد الاعتبار وليدكر من اراد الادكار فان السعيد من وعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره يقول الله عز وجل وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليلا وكنا نحن الوارثين وقال الله سبحانه وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون اي بسبب صنيعهم السيء واعمالهم القبيحة وفعائلهم الشنيعة وقال الله سبحانه لقد كان لسبأ في مسكنهم اية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فاعرضوا فارسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط واثل من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي الا الكفور والامثلة على هذا في القرآن كثيرة فالواجب تحقيق تقوى الله والحذر الشديد من كفران نعمة الله جل في علاه وليعلم من كفر نعمة الله جل وعلا انه ان لم يبادر الى التوبة والانابة الى الله فلا مناص له من احد امرين اما عقوبة معجلة تزول بها النعمة وتتحول فيها العافية وتحل النقمة او ان يمد له في الانعام على وجه الاستدراج ايحسبون ان ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ولهذا فان من انفع ما يكون في وعظ الناس وتذكيرهم وايقاظ قلوبهم من غفلتها ان يذكروا بنعمة الله عليهم وفي القرآن الكريم ايات كثيرة تتضمن التذكير بهذا المقام العظيم والتنبيه على هذا المطلب الجسيم ليكون العبد ذاكرا غير غافل شاكرا غير كافر قال الله عز وجل في سياق موعظة هود عليه السلام لقومه انه قال لهم تذكر الاء الله لعلكم تفلحون وفي قصة صالح عليه السلام وموعظته لقومه قال لهم فاذكروا الاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين وقال الله عز وجل واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوك كان واتاكم ما لم يؤت احدا من العالمين وقال الله تعالى واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم اذ انجاكم من ال فرعون يصومونكم سوء العذاب ويذبحون ابناء ابنائكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وقال الله عز وجل يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين وقال جل وعلا يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واوفوا بعهدي اوفوا بعهدكم واياي فرعون وفي خطاب القرآن لامة محمد عليه الصلاة والسلام في اية كثيرة منه جاء هذا التذكير بذكر نعمة الله جل وعلا على العباد قال الله عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وقال جل وعلا واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به اذ كنتم سمعنا واطعنا واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور وقال جل وعلا يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم ان يبسطوا اليكم ايديهم فكف ايديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروه وها وكان الله بما تعملون بصيرا والايات في هذا المعنى في كتاب الله جل وعلا كثيرة وفي ذكر العبد لنعمة الله عليه فوائد عظيمة ومنافع متعددة من اعظمها ان العبد اذا كان ذاكرا نعمة الله عليه وفضله ومنه جل في علاه اخلص دينه لله فلم يلجأ الا الى الله ولم يستعن الا بالله ولم يتوكل الا على الله ولم يصرف شيئا من ذله وخضوعه الا لله لانه وحده جل في علاه المتفضل لانه وحده جل في علاه المتفضل المنعم لا شريك له. قال الله تعالى يا ايها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو فان تؤفكون ومنها ان في ذلك معونة له على اسلام وجهه لله وانقياده لله خاضعا مطيعا متذللا مخبتا منيبا ولهذا في سورة النحل التي تعرف بسورة النعم لكثرة ما عدد فيها جل في علاه من نعمه على العباد قال الله عز وجل في تمام عده لنعمه كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون اي تنقادون لله خاضعين ذليلين وفي ذكر نعم الله على العبد معونة للعبد على شكر المنعم والمتفضل سبحانه فان العبد اذا استشعر ان هذه النعم من الله واستذكر ذلك اعانه ذلك على شكر المنعم والمتفضل سبحانه قال الله تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته لعلكم تشكرون ومن فوائد ذكر النعم طرد الغرور والعجب فان العبد اذا ذكر ان ما عنده من صحة او مال او جاه او غير ذلك محض فضل الله عليه ومنه جل في علاه باعد عنه الغرور والعجب ولهذا قال الله عز وجل ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله ان الواجب على العبد ان يكون دائما وابدا ذاكرا نعمة الله عليه مستعملا لها فيما يرضيه جل في علاه وان يحذر اشد الحذر من ان يبدل نعمة الله كفرا فان عذاب الله شديد وعقوبته اليمة قال الله تعالى ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءت فان الله شديد العقاب وقال تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم واذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال فاخبر تعالى انه لا يغير نعمه التي انعم بها على احد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه في غير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره واسباب رضاه باسباب سخطه فاذا غير غير عليه جزاء وفاقا وكان تغييره موجبا لزوال النعم وفجاءة النقم وتحول العافية وجميع السخط واما ان غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته