بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري في كتابه الصحيح عن مصعب بن سعد عن ابيه رضي الله عنه قال تعودوا بكلمات كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهن اللهم اني اعوذ بك من الجبن واعوذ بك من البخل واعود بك من ان ارد الى ارذل العمر واعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر وقد اشتمل هذا الحديث على التعود بالله عز وجل من خمسة امور احدها قوله اللهم اني اعوذ بك من الجبن وهو تعود من الجبن وهو ضد الشجاعة اي المهابة للاشياء والتأخر عن فعلها وهو ناتج عن ضعف القلب ووهن النفس وهو من الخلال المذمومة التي لا تصلح ان تكون صفة للمؤمن الثاني قوله واعوذ بك من البخل وهو تعوذ من البخل وهو منع الواجب او منع السائل عما يفضل عنده او الا يعطي شيئا وهو من الصفات المذمومة قال الله تعالى ولا يحسبن الذين يبخلون بما اتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة. ولله ميراث السماوات والارض. والله بما تعملون خبير والبخل والجبن يتعلقان بامر واحد وهو بذل الانسان من نفسه فاذا شح بالبذل ان كان هذا الشح يرجع الى المال لا يخرج منه ولا تنشط نفسه للانفاق في سبيل الله من المال الذي اتاه الله فهو البخل والذي لا يعين اخاه ببدنه نصرة له ومعونة فهذا الجبن فكل منهما راجع الى هذا المعنى ان كان يتعلق بالبدن فهو الجبن وان كان يتعلق بالمال فهو البخل وهما امران يتعوذ بالله سبحانه وتعالى منهما يتعوذ بالله من البخل ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ويتعوذ بالله سبحانه وتعالى من الجبن الذي وضع في الانسان وبرود عزيمته في البذل من نفسه في معاونة اخيه ونصرته قال ابن القيم رحمه الله واصل الجبن من سوء الظن ووسوسة النفس بالسوء وهو ينشأ من الرئة فاذا ساء الظن ووسوست النفس بالسوء انتفخت الرئة فزاحمت القلب فاذا ساء الظن ووسوست النفس بالسوء انتفخت الرئة فزاحمت القلب في مكانه وضيقت عليه حتى ازعجته عن مستقره فاصابه الزلزال والاضطراب لازعاج الرئة له وتضييقها عليه ولهذا جاء في حديث عمرو بن العاص الذي رواه احمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شر ما في المرء جبن خالع وشح هالع تسمى الجبن خالعا لانه يخلع القلب عن مكانه لانتفاخ السحر وهو الرئة كما قال ابو جهل لعتبة ابن ربيعة يوم بدر انتفخ سحرك فاذا زال القلب عن مكانه ضاع تدبير العقل فظهر الفساد على الجوارح فوضعت الامور على غير مواضيع والثالث قوله واعوذ بك من ان ارد الى ارذل العمر وهو تعود من الرد الى ارذل العمر اي الرجوع الى ارذل العمر وهو البلوغ الى حد في كبر السن يعود معه المرء كالطفل في ضعف عقله وقلة فهمه ووهن قواه فالرد الى ارض العمر حالة منافية لما خلق الانسان له من العلم والمعرفة واداء العبادات الظاهرة والباطنة على وجهها الاكمل ولهذا كانت الاستعاذة منه مطلوبة قال الله تعالى والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا ان الله عليم قدير والرابع قوله واعوذ بك من فتنة الدنيا بان تتزين للسالك وتغره وتنسيه الاخرة ويأخذ منها زيادة على قدر الحاجة وفتنتها شهواتها التي من شأنها ان تلهي عن الله وعن عبادته وان تطمس القلب عن التطلع الى شهود لالائه ومننه قال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة الانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا. والله عنده حسن المآب قال ابن بطال رحمه الله ودل حديث عمران ابن حصين ان فتنة الدنيا لمن يأتي بعد القرن الثالث اشد لقوله صلى الله عليه وسلم ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون الى قوله ويظهر فيهم السمن فجعل صلى الله عليه وسلم ظهور السمن فيهم وشهادتهم بالباطل وخيانتهم الامانة وتنافسهم في الدنيا واخذهم لها من غير وجهها كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابي سعيد ومن اخذه بغير حقه فهو كالذي يأكل ولا يشبع قال ابن القيم رحمه الله فالفتنة قسمت الناس الى صادق وكاذب ومؤمن ومنافق وطيب وخبيث فمن صبر عليها كانت رحمة في حقه ونجا بصبره من فتنة اعظم منها ومن لم يصبر عليها وقع في فتنة اشد منها فالفتنة لابد منها في الدنيا والاخرة كما قال الله تعالى يومهم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون فالنار فتنة من لم يصبر على فتنة الدنيا قال الله تعالى في شجرة الزقوم انا جعلناها فتنة للظالمين قال قتادة لما ذكر الله تعالى هذه الشجرة افتتن بها الظلمة فقالوا يكون في النار شجرة والنار تأكل الشجر فانزل الله عز وجل انها شجرة تخرج في اصل الجحيم فاخبرهم ان غذائها من النار اي غديت بالنار قال ابن قتيبة قد تكون شجرة الزقوم نباتا من النار. ومن جوهرها لا تأكله النار والمقصود ان هذه الشجرة فتنة لهم في الدنيا بتكذيبهم بها وفتنة لهم في الاخرة باكلهم منها والكافر مفتون بالمؤمن في الدنيا كما ان المؤمن مفتون به. ولهذا سأل المؤمنون ربهم الا يجعلهم فتنة للذين كفروا. كما قال الحنفاء ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا والمقصود ان الله سبحانه وتعالى فتن اصحاب الشهوات بالصور الجميلة وفتن اولئك بهم. فكل من نوعين فتنة للاخر فمن صبر منهم على تلك الفتنة نجا مما هو اعظم منها ومن اصابته تلك الفتنة سقط فيما هو شر منها فان تدارك ذلك بالتوبة النصوح والا فبسبيل من هلاك. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة اضر من على الرجال او كما قال فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الامارة بالسوء وشيطانه المغوي المزين وقرنائه وما يراه ويشاهده مما يعجز صبره عنه ويتفق مع ذلك ضعف الايمان واليقين وضعف القلب ومرارة الصبر وذوق حلاوة العاجل وميل النفس الى زهرة الحياة الدنيا وكون العوض مؤجلا في دار اخرى غير هذه الدار التي خلق فيها وفيها نشأ فهو مكلف بان يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الايمان به فوالله لولا الله يسعد عبده بتوفيقه والله بالعبد ارحم لما ثبت الايمان يوما بقلبه على هذه العلات والامر اعظم ولا طاوعته النفس في ترك شهوة مخافة نار جمرها يتضرم ولا خاف يوما من مقام الهه عليه بحكم القسط اذ ليس يظلم وهذا كله يؤكد اهمية هذه الدعوات وشدة ضرورة العبد الى هذه التعوذات راجيا من ربه ان يسلمه وينجيه ويحفظه مع الاخذ باسباب النجاة واطر النفس عليها ثم ان الفتن التي ثم ان ثم ان الفتن التي تصيب القلوب نوعان فتن الشهوات وفتن الشبهات عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فاي قلب اشربها نكت فيه نكتة سوداء واي قلب انكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على ابيظ مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والارض والاخر اسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا. الا ما شريبة من هواه رواه مسلم فقسم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث القلوب عند عرض الفتن عليها الى قسمين قلب اذا عرضت عليه فتنة اسلبها القلب كما يشرب السفنج الماء فنكت فيه نكتة سوداء فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود ويتنكر ومعنى قوله كالكوز مجخيا اي منكوسا فاذا اسود وانتكس عرظ له من هاتين الافتين مرضان خطيران احدهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر ولا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة. والحق باطلا والباطل حقا والثاني تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وانقياده للهوى واتباعه له. هذا قسم والقسم الثاني قلب ابيض قد اشرق فيه نور الايمان وازهر فيه مصباحه فاذا عرظت عليه الفتنة انكرها وردها فازداد نوره واشراقه وقوته ان الواجب على كل مسلم ان يهتم بسلامة قلبه عندما تشرئب الفتن. وتكثر البدع ويعظم الجهل بدين الله والله تعالى يقول واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير والخامس قوله وعذاب القبر اي واعوذ بك من عذاب القبر وهما يكون في البرزخ من العذاب على الروح والبدن لمن استحق ذلك كما قال الله تعالى عن فرعون واله وحاق بال فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا. ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب وفي هذا التعود دليل على اثبات عذاب القبر وانه حق خلافا لمن انكره من اهل الضلال روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها ان يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها اعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال نعم عذاب القبر حق قالت عائشة رضي الله عنها فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة الا تعوذ من عذاب القبر ثم ان هذا التنويع والبسط في ذكر ما يتعوذ منه كما في هذا الحديث وغيره من الاحاديث يفيد كما يقول ابن بطال رحمه الله انه ينبغي سؤال الله والرغبة اليه في كل ما ينزل بالمرء من حاجة وان يعين كل ما يدعو فيه ففي ذلك اطالة الرغبة الى الله تعالى والتضرع اليه وذلك طاعة الله تعالى وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من كل ذلك ويعينه باسمه وان كان الله قد عصمه من كل شر ليلزم نفسه خوف الله تعالى واعظامه وليسن ذلك لامتي ويعلمهم كيف الاستعاذة من كل شيء وقد روى ثابت البناني عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأل احدكم ربه حاجاته كلها حتى يسأله شسع نعله اذا انقطع ليستشعر العبد الافتقار الى ربه في كل امره وان دق ولا يستحي من سؤاله ذلك واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته