بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء وفي رواية للبخاري كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة في الاعداء هذا تعود من التعوذات المباركة العظيمة المأثورة عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه وفيه التعوذ بالله من امور اربعة الاول جهد البلاء وهو كل ما يصيب المرء من شدة ومشقة وما لا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه روى ابن ابي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جهد البلاء ان تحتاجوا الى ما في ايدي الناس وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال جهد البلاء كثرة العيال وقلة الشيء وهذا فرد من افراد جهد البلاء ولا سيما اذا كان ذلك مع عدم الصبر ووجود الجزاء الثاني دركوا الشقاء والدرك هو اللحوق والوصول الى الشيء والشقاء نقيض السعادة وهو الهلاك او ما يؤدي الى الهلاك ويكون ذلك في امور الدنيا وامور الاخرة الثالث سوء القضاء اي سوء المقضي وهو ما يسوء الانسان او يوقعه في المكروه وهو عام في النفس والمال والاهل والولد والخاتمة الرابع شماتة الاعداء وهو ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس اشد مبلغ بفرح العدو ببلية تنزل بمن يعاديه قال ابن حجر رحمه الله كل واحدة من الثلاثة مستقلة فان كل امر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء وجهة المعاد وهو درك الشقاء. لان شقاء الاخرة هو الشقاء الحقيقي وجهة المعاش وهو جهد البلاء واما شماتة الاعداء فتقع لكل من وقع له كل من الخصال الثلاثة وقال ابن بطال وغيره جهد البلاء كل ما اصاب المرء من شدة مشقة وما لا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه وقيل المراد بجهد البلاء قلة المال وكثرة العيال. كذا جاء عن ابن عمر والحق ان ذلك فرد من افراد جهد البلاء وقيل هو ما يختار الموت عليه قال ودركوا الشقاء يكون في امور الدنيا وفي امور الاخرة وكذلك سوء القضاء عام في النفس والمال والاهل والولد والخاتمة والميعاد قال والمراد بالقضاء هنا المقضي. لان حكم الله كله حسن لا سوء فيه قال وشماتة الاعداء ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس اشد مبلغ وانما تعود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تعليما لامته فان الله تعالى كان امنه من جميع ذلك وبذلك جزم عياض قلت ولا يتعين ذلك بل يحتمل ان يكون استعاذ بربه من وقوع ذلك بامته ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الامر وقال النووي رحمه الله شماتة الاعداء فرحهم ببلية تنزل بالمعادي قال وفي الحديث دلالة لاستحباب الاستعاذة من الاشياء المذكورة واجمع على ذلك العلماء في جميع الاعصار والامصار وفي الحديث ان الكلام المسجوع لا يكره اذا صدر عن غير قصد اليه ولا تكلف. قاله ابن الجوزي قال وفيه مشروعية الاستعاذة ولا يعارض ذلك كون ما سبق في القدر لا يرد لاحتمال ان يكون مما قضي فقد يقضي على المرء مثلا بالبلاء ويقضي انه ان دعا كشف فالقضاء محتمل للدافع والمدفوع وفائدة الاستعاذة والدعاء اظهار العبد فاقته لربه وتضرعه اليه وقال الشوكاني رحمه الله جهد البلاء بفتح الجيم وروي بظمها وقيل هو بالفتح كل ما اصاب الانسان من شدة المشقة وبالظم ما لا طاقة له بحمله ولا قدرة له على دفعه والبلاء ممدود استعاذ صلى الله عليه وسلم من جهد البلاء لان ذلك مع ما فيه من المشقة على صاحبه قد يحصل به التفريط في بعض امور الدين وقد يضيق صدره بحمله فلا يصبر فيكون ذلك سببا في الاثم قوله ودرك الشقاء الدرك روي بفتح المهملة واسكانها فبالفتح الاسم وبالاسكان المصدر وهو شدة المشقة في امور الدنيا وضيقها عليه. وحصول الضرر البالغ في بدنه او اهله او وماله وقد يكون باعتبار الامور الاخروية وذلك بما يحصل عليه من التبعة والعقوبة بسبب ما اكتسبه من الوزر واقترفه من الاثم استعاذ صلى الله عليه وسلم من ذلك لانه النهاية في البلاء والغاية في المحنة وقد لا يصبر من امتحنه الله به في جمع بين التعب عاجلا والعقوبة اجلا قوله وسوء القضاء هو ما يسوء الانسان ويحزنه من الاقضية المقدرة عليه وذلك اعم من ان يكون في دينه او في دنياه او في نفسه او في اهله او في ماله وفي الاستعاذة منه صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يدل على انه لا يخالف الرضا بالقضاء فان الاستعاذة من سوء القضاء هي من قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره ولهذا شرعها لعباده ومن هذا ما ورد في قنوت الوتر بلفظ وقني شر ما قضيت والحاصل انها قد وردت السنة الصحيحة ببيان ان القضاء باعتبار العباد ينقسم الى قسمين. خير وشر فانه قد شرع لهم الدعاء بالوقاية من شره والاستعاذة منه. ولا ينافي هذا ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في بيان معنى الايمان لمن سأله عنه بقوله ان نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره كما هو ثابت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم وغيرهما من طرق فانه يمكن ان يكون الانسان مؤمنا بما قضاه الله سبحانه وتعالى من خير وشر مستعيذا بالله من شر القضاء عاملا بمجموع الادلة فحديث الايمان بالقضاء كما دل على انه من جملة ما يصدق عليه مفهوم مطلق الايمان دل على ان القضاء منقسم الى ما هو خير والى ما هو شر كما قال والقدر خيره وشره ثم بين صلى الله عليه وسلم بما وقع منه من الاستعاذة من شر القضاء ان ذلك جائز للعباد بل سنة قويمة وصراط مستقيم قوله وشماتة الاعداء. الشماتة هي فرح الاعداء بما يقع على الشخص من المكروه ويحل به من المحنة قال في الصحاح الشماتة الفرح ببلية العدو. يقال شمت به يشمت شماتة وبات فلان بليلة الشوامت اي بليلة تشمت الشوامت انتهى وفي القاموس شمت كفرح شماتا وشماتة فرح ببلية العدو وفي النهاية شماتة الاعداء فرح العدو ببلية تنزل بمن يعاديه. انتهى استعاذ صلى الله عليه وسلم من شماتة الاعداء لعظم موقعها وشدة تأثيرها في الانفس البشرية ونفور طباع العباد عنها وقد يتسبب عن ذلك تعاظم العداوة المفضية الى استحلال ما حرمه الله سبحانه وتعالى والذنوب من اقوى الاسباب الجالبة لجهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء قال ابن القيم رحمه الله ولولا القواطع والافات لكانت الطريق معمورة بالسالكين ولو شاء الله لازالها وذهب بها. ولكن الله يفعل ما يريد والوقت كما قيل سيف فان قطعته والا قطعك فاذا كان السير ضعيفا والهمة ضعيفة والعلم بالطريق ضعيفا والقواطع الخارجة والداخلة كثيرة شديدة فانه جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء. الا ان يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب فيأخذ بيده ويخلصه من ايدي القواطع والله ولي التوفيق وكثيرا ما يسأل من كبلتهم الذنوب وارقتهم الخطايا والمعاصي واعاقتهم عن سلوك سبيل طاعة الله جل وعلا عن الاسباب المعينة لهم على الخلاص من الذنوب والفكاك منها للسلامة من عواقبها الدنيوية والاخروية وكذلك من تنازعهم نفوسهم لفعل الذنوب والمعاصي بسبب كثرة المغريات وتنوع دواعي الشهوات ولعلي اذكر ببعض الامور المعينة لعبد الله المؤمن على الخلاص من الذنوب والفكاك منها فمن اعظم المعينات على الخلاص من الذنوب الحياء من الله جل في علاه فان العبد اذا علم بنظر الله اليه واطلاعه عليه وانه من الله بمسمع ومرأى. وان الله عز وجل لا تخفى عليه خافية استحيا من الله ان يراه حيث نهى والا يراه حيث امره ومن المعينات محبة الله جل وعلا الذي يجب ان تعمر بها القلوب فان هذه المحبة من اعظم الروادع واشدها دفعا للذنوب فان المحب لمن احب مطيع ومن المعينات الخوف من الله جل وعلا ويحرك هذا الخوف في القلب ان يكون على معرفة بالله وعظمته جل في علاه وشدة انتقامه ووعده ووعيده ودار جزائه وما اعد فيها من انواع العقوبات ومن الامور المعينة للعبد على الخلاص من الذنوب معرفة نعم الله عز وجل. فان نعم الله جل وعلا تتالى على العبد وتتوالى عليه في كل في وقت وحين فلا يليق بعبد نعم الله عليه تتالى ان يقابل هذه النعم بذنوب تسخط المنعم وتزيل النعم وتجلب له جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء ومن الامور المعينات على الخلاص من الذنوب. النظر في عواقبها الوخيمة ومآلاتها الاليمة واضرارها المتنوعة في الدنيا والاخرة ومن المعين على الخلاص من الذنوب شرف النفس وزكاؤها ورفعتها وعلوها فلا يليق بصاحب نفس شريفة ان يدنسها ويحقرها ويلوثها باوظار الذنوب والمعاصي بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن الامور المعينة على الخلاص من الذنوب قصر الامل. وان يستحضر العبد ان مدة المقام في هذه الحياة الدنيا لا تطول فان الاخرة مقبلة والدنيا مدبرة فلا انفع للعبد من قصر الامل. ولا اضر عليه من التسويف وطول الامل ومن الامور المعينة للعبد على الخلاص من الذنوب تجنب الفضول فضول المطعم والمشرب والمأكل وغير ذلك فان كثرة الفضول تمرض القلب وتعيق عن الوصول ومن الامور المعينات على الخلاص من الذنوب والفكاك منها تجديد الايمان. فان الايمان بحاجة الى ان يجدد وفي الحديث المأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب نسأل الله ان يجدد الايمان في قلوبكم واذا تجدد الايمان في القلب ابعد عن النفس تعلقها بالذنوب واقبالها على المعاصي ودعاها الى ما يقرب من الله ويدني من رحمته جل في علاه ولابد مع هذه الاسباب وبذل الوسع في الاتيان بها من ان يستعين بالله وان يطلب المدد والعون منه جل في علاه وان يصدق في الدعاء وان يحسن في الالتجاء وان يكثر من الالحاح على الله جل في علاه ان يقيه ويهديه ويصلحه ويزكيه فالتوفيق بيد الله وحده لا شريك له ولا رب سواه واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته