بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى مسلم في صحيحه عن زيد ابن ارقم رضي الله عنه قال لا اقول لكم الا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان يقول اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها بدأ زيد ابن ارقم رضي الله عنه هذا التعوذ باسلوب فيه تشويق وتأكيد على الاهتمام والعناية بما سيرويه لهم فقال لا اقول لكم الا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ونستفيد من هذا عظم عناية الصحابة رضي الله عنهم بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوات وشدة محافظتهم عليها بالفاظها. كما كان صلى الله عليه وسلم يقولها ادراكا منهم رضي الله عنهم ان نبينا عليه الصلاة والسلام اوتي جوامع الكلم في دعواته العظيمة وان دعواته اشتملت على المطالب العالية والمقاصد العظيمة اول هذا الحديث وهو قوله اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اشتمل على التعوذ بالله من ستة امور تقدم الكلام عنها في الاحاديث السابقة قوله اللهم ات نفسي تقواها الى اخر الحديث تضمن الدعاء بتقوى النفس وتزكيتها والاستعاذة من امور اربعة من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها وهي امور عظيمة ومطالب جليلة يحسن الوقوف عندها وتأمل معانيها ومقاصدها قال العلامة الشوكاني رحمه الله وقد اشتمل هذا الحديث على الدعاء منه صلى الله عليه وسلم بان يعطي الله سبحانه نفسه تقواها وان يزكيها ان يجعلها زاكية كاملة في الايمان ثم استعاذ من علم لا ينفع لانه يكون وبالا على صاحبه وحجة عليه واستعاذ ايضا من القلب الذي لا يخشع لانه يكون حينئذ قاسيا لا تؤثر فيه موعظة ولا نصيحة ولا يرغب في ترغيب ولا يرهب من ترهيب واستعاذ من النفس التي لا تشبع لانها تكون متكالبة على الحطام متجرئة على المال الحرام غير قانعة بما يكفيها من الرزق فلا تزال في تعب الدنيا وعقوبة الاخرة واستعاذ من الدعوة التي لا يستجاب لها لان الرب سبحانه هو المعطي المانع الباسط القابض الضار النافع فاذا توجه العبد اليه في دعائه ولم يستجب دعوته فقد خاب الداعي وخسر لانه طرد من الباب الذي لا يستجلب الخير الا منه. ولا يستدفع الضر الا به قوله اللهم اتي نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها فيه ايماء الى قول الله تعالى ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ات نفسي تقواها اي من علي بان تكون نفسي نفسا تقية لله سبحانه وتعالى محققة لتقواه عز وجل واصل التقوى ومنبعها النفس. كما قال صلى الله عليه وسلم التقوى ها هنا ويشير الى صدره مرات وزكها انت خير من زكاها زكها اي طهرها وابعدها عن الدنس والسوء ورديل الاعمال ووفقني ان تكون نفسي زكية مطيعة لله خاضعة له جل في علاه قال الله تعالى قد افلح من زكاها اي زكى نفسه بالايمان والطاعة والخلق الفاضل والاستقامة على عبادة الله وقد خاب من دساها اي غمس نفسه في الخسائس والرذائل والامور التي حرمها الله على عباده فالطاعة تزكي النفس وتطهرها فترتفع والمعاصي تدسي النفس وتقمعها فتنخفض وتصير كالذي يدس في التراب انت خير من زكاها هذا تفويض لله عز وجل وانك لا تملك من تزكية نفسك شيئا ولا حول ولا قوة لك الا بالله ولا يمكن ان تتزكى نفسك الا اذا زكاها الله. بل الله يزكي من يشاء ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا ولكن الله يزكي من يشاء فهذا تفويظ لله ولجوء تام له جل في علاه انت وليها ومولاها. هذان اسمان لله عظيم ان تتوسل الى الله بهما في هذا المقام. الولي والمولى وفيهما انه سبحانه يتولى عبده المؤمن توفيقا وتسديدا وحفظا ومعونة ونصرا قال تعالى ان ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين وقال تعالى ذلك بان الله مولى الذين امنوا وان الكافرين لا مولى لهم فهو سبحانه الذي يتصرف في النفس بما اراد من اعطائها التقوى والتزكية لها من العيوب والاثام فالعبد في كل لحظة من لحظات حياته مفتقر الى ربه ان يهديه ويزكي قلبه وقد كان عامة ادعية النبي صلى الله عليه وسلم متظمنة لطلب التوفيق وتزكية الله له واستعماله في محاب قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله والله سبحانه قد امرهم ان يطلبوا منه جميع ما يحتاجون اليه من هدى ورشاد وصلاح في المعاش والمعاد ومغفرة ورحمة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ويقول اللهم ات نفسي تقواها وزكها ها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها قوله اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع هذا تعود من كل علم لا ينفع سواء كان لم يؤذن في تعلمه شرعا او لم يصحبه عمل او لم يهدد الاخلاق الباطنة. فيسري منها الى صلاح الافعال الظاهرة وكما قيل يا من تقاعد عن مكارم خلقه ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة من لم يهذب علمه اخلاقه لم ينتفع بعلومه في الاخرة وقدم العلم على العمل لان العمل بدون علم ضلال قوله ومن قلب لا يخشى اي تمر عليه المواعظ والزواجر والقوارع وهو مستمر في لهوه وغيه وصدوده واعرابه لا يتأثر بالزواجر والعبر والعظات مضيع للطاعة والعبادة نفسه منهمكة في الذنوب والمعاصي ومن نفس لا تشبع اي لا هم لها الا الدنيا. مكبة عليها منخرطة في جمعها وتحصيلها. منصرفة بها حتى ان بعض الناس من شدة اكبابه على الدنيا ينادى في المساجد حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فيبقى لاهيا بدنياه لا يذهب الى بيوت الله سبحانه ومهما كثر ماله فنفسه لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها اي دعوة مردودة على صاحبها. والدعاء مستجاب لا يرد كما قال تعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون لكن اذا افتقد ضوابطه وقيوده التي بها يكون مستجابا يرد ولا يستجاب وهي مبينة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقوله في هذا الدعاء ومن دعوة لا يستجاب لها يتضمن طلب التوفيق للقيام بشروط الدعاء وادابه المأثورة في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه قال الطيبي رحمه الله اعلم ان في كل من القرائن الاربع ما يشعر بان وجوده مبني على غايته وان الغرض منه تلك الغاية وذلك ان تحصيل العلوم انما هو للانتفاع بها. فاذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافا. بل يكون وبالا. ولذلك عاد وان القلب انما خلق لان يتخشع لبارئه وينشرح لذلك الصدر ويقذف النور فيه فاذا لم يكن كذلك كان قاسيا فيجب ان يستعاذ منه قال الله تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله وان النفس يعتد بها اذا تجافت عن دار الغرور وانابت الى دار الخلود وهي اذا كانت منهومة لا تشبع حريصة على الدنيا كانت اعدى عدو المرء فاولى الشيء الذي يستعاذ منه هي اي النفس وعدم استجابة الدعاء دليل على ان الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله ولم يخشع قلبه ولم تشبع ومن فوائد هذا الحديث العظيمة ان اهم ما ينبغي على المسلم اصلاحه والعناية به قلبه الذي بين جنبيه فان القلب هو اساس الاعمال واصل حركات البدن فان طاب القلب طاب البدن وان فسد فسد وقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم باصلاح القلب غاية الاهتمام ويعنى به تمام العناية ويوصي بذلك في كثير من احاديثه الشريفة ويظمن ذلك كثيرا من ادعيته المنيفة فكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم اجعل في قلبي نورا ويقول في دعائه اللهم اني اعوذ بك من قلب لا يخشع ويقول في دعائه اللهم نق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس فمتى صلح قلب المسلم بالاعمال الزاكية والاخلاص والصدق والمحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم استقامت جوارحه وصلح ظاهره كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله اذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب فصلاح حركات العبد الظاهرة بحسب صلاح حركة قلبه وباطنه فان كان قلبه سليما ليس فيه الا محبة الله ومحبة ما يحبه الله وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه صلحت حركات جوارحي كلها بخلاف ما اذا كان قلبه فاسدا قد استولى عليه حب الهوى واتباع الشهوات وتقديم حظوظ النفس فان كان كذلك فسدت حركات جوارحه كلها قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ثم القلب هو الاصل. فاذا كان فيه معرفة وارادة سرى ذلك الى البدن بالضرورة لا يمكن ان يتخلف البدن عما يريده القلب فاذا كان القلب صالحا بما فيه من الايمان علما وعملا قلبيا لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالايمان المطلق ولهذا فان من اعظم ما يقوي ايمان الشخص الظاهر والباطن ان يجاهد نفسه مجاهدة تامة على اصلاح قلبه وعمارته بمحبة الله ومحبة ما يحبه وبغضي ما يبغضه الله من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة ومن تم له هذا تم له ايمانه وفي الدعاء المأثور اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربني الى حبك وسيأتي كلام عنه وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال من احب لله وابغض لله واعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان ومعنى هذا ان كل حركات القلب والجوارح اذا كانت كلها لله فقد كمل ايمان العبد بذلك باطنا وظاهرا ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح فاذا كان القلب صالحا ليس فيه الا ارادة الله وارادة ما يريده لم تنبعث الجوارح الا فيما يريده. وسارعت الى ما فيه رضاه وكفت عما يكره واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته