بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت اللهم اني اعوذ بعزتك لا اله الا انت ان تظلني انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون هذه الدعوة شأنها عظيم وفوائدها لا حد لها ولا عد وقد جمعت الخير كله خير الدنيا والاخرة وهي تبين اثر ايمان العبد باسماء الله تبارك وتعالى وصفاته في تحقيق العبودية لله وتحقق النجاة من الضلال والانحراف عن صراط الله المستقيم وسبيله القويم ودينه الحنيف قوله اللهم لك اسلمت اي استسلمت وانقضت لامرك ونهيك وقدم الجار والمجرون لك لافادة القصر والاختصاص. اي اسلمت لك وحدك لا لغيرك وقوله وبك امنت اي بذاتك العلية وما يليق بها من صفات الكمال امنت. اي صدقت واقررت ويدخل في الايمان به سبحانه الايمان بكل ما امر عباده بالايمان به كالملائكة والرسل واليوم الاخر وقوله وعليك توكلت اي فوضت امري اليك دون غيرك قال الله تعالى اليس الله بكاف عبده وقال تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقوله واليك انبت من الانابة اي رجعت الى عبادتك وما يقرب اليك واعرضت عما سوى ذلك وقوله وبك خاصمت اي بك احتج وادافع وبما اعطيتني من البراهين والحجج خاصمت اعدائك اعداء الدين بالبراهين القوية. وفلجت حجتهم بالحجج المتينة. وكل ذلك من الاعتصام بالله ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم وقوله اللهم اني اعوذ بعزتك هو استعاذة بصفة من صفات الله وهي العزة والعز في الاصل القوة والشدة والغلبة والمنعة قال الله تعالى ولله العزة اي له القوة والغلبة وقوله لا اله الا انت شهادة واقرار بتوحيد الله. ومعناها لا معبود بحق الا الله وقوله ان تضلني اي اعوذ بك من ان تضلني وهو متعلق باعوذ بعزتك وفي هذا ان الهداية والضلال بيد الله عز وجل قال الله تعالى من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وقال تعالى ومن يضلل الله فما له من هاد وقال تعالى ومن يضلل الله فما له من سبيل وقال تعالى من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم وقوله انت الحي الذي لا يموت. ثناء على الله تعالى بصفة من صفات كماله وهي الحياة التامة المنزهة عن النقص والفناء وذكر النبي صلى الله عليه وسلم اسم الله الحي متوسلا الى الله به ان ينجيه من الضلال. يفيد ان ايمان العبد بهذا الاسم العظيم من اعظم اسباب حياة قلبه ونجاته من الظلام ومن اعظم الوسائل المقربة الى الله تبارك وتعالى ولكن بتحقيق الايمان بهذا الاسم وفهم دلالته والقيام بما يقتضيه من عبودية وذل وخضوع لله تبارك وتعالى قوله والجن والانس يموتون تأكيد لانفراد الله تعالى بكمال الحياة وان الاعتماد لا يكون الا على الحي الذي لا يموت. واما الاحياء الذين يموتون فلا يعتمد عليهم فكيف بالاموات والمقبورين ومن سوى الله لا يخرج عن ثلاثة احوال اما حي سيموت او حي قد مات او جماد لا حياة له وكل هؤلاء لا يستحقون شيئا من العبادة ولا التوكل قال الله تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وقال تعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم قال النووي رحمه الله معنى لك اسلمت استسلمت وانقذت لامرك ونهيك وبك امنت اي صدقت بك وبكل ما اخبرت وامرت ونهيت واليك انبت اي اطعت ورجعت الى عبادتك اي اقبلت عليها وقيل معناه رجعت اليك في تدبير اي فوضت اليك وبك خاصمت اي بما اعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك واليك حاكمت اي كل من جاهد الحق حاكمته اليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم اليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها فلا ارضى الا بحكمك ولا اعتمد غيره ثم ان في هذه الدعوة جماع ما تكون به نجاة العبد من الضلال فلو قال قائل الدنيا فيها مضلات كثيرة وفتن متنوعة وصوارف عن الطاعة عديدة. فما الذي اسلم به من الضلال يقال له هذه الدعوة المباركة وافية بتحقيق هذا المطلب لكن بفقهها وحسن دعاء الله تبارك وتعالى بها فالسلامة من الضلال كما تدل عليه هذه الدعوة بامرين الامر الاول الالتجاء الصادق الى الله. ان يعيذ عبده من الضلال مع اليقين ان الامر بيده وطوعا تدبيره قال اعوذ بعزتك لا اله الا انت ان تضلني انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون الامر بيده سبحانه من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فاولئك هم الخاسرون وفي الحديث القدسي يقول جل وعلا كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم اي اطلبوا مني الهداية الامر الثاني مجاهدة النفس على تحقيق ما خلقت له وتأمل هذا في التوسلات التي بدأت بها هذه الدعوة. اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت خاصمت فهذه خمسة امور يتوسل العبد الى الله بها لكن مع التوسل بها لابد من مجاهدة النفس على تحقيق شرائع الاسلام وتعلمها والقيام بها وعلى القيام بحقائق الايمان تعلمها وعمارة القلب بها وعلى حسن الصلة بالله والاعتماد عليه وتفويض الامور كلها اليه في جميع احوال العبد واموره الدينية والدنيوية وعلى الانابة الى الله وهي الرجوع الى الله وكل بني ادم خطاء فعند ادنى خطأ يبادر الى الانابة والرجوع الى الله سبحانه وتعالى مخلصا له في اقواله وافعاله وحركاته وسكناته فيتوسل الى الله بهذا الايمان والعمل الصالح ان ينجيه من الضلال ونظير هذا ما دل عليه قوله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وقد جمعت الامرين الاول التوكل على الله وحسن الالتجاء اليه وطلب الهداية منه لان الامر بيده سبحانه فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون لولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا. وفي رواية ولا تصدقنا ولا صلينا فالامر بيد الله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم وهي منته سبحانه على من شاء من عباده الثاني مباشرة الاسباب التي تنال بها الهداية. اعطى واتقى وصدق هذه اسباب يفعلها العبد ويجاهد نفسه على تحقيقها والله تعالى يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فتحصن من هذا ان السعادة في الدنيا والاخرة لا تنال الا بتحقيق هذين الامرين والقيام بهذين المطلبين مجاهدة النفس على الاعمال مع الاستعانة بالله جل وعلا ودوام السؤال روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وان اصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان فقوله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله كلام جامع مشتمل على ما فيه سعادة العبد في الدنيا والاخرة قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله فمدار سعادته وتوفيقه على الحرص والاجتهاد في الامور النافعة مع الاستعانة بالله تعالى فمتى حرص العبد على الامور النافعة واجتهد فيها وسلك اسبابها وطرقها واستعان بربه في حصولها وتكميلها كان ذلك كماله وعنوان فلاحه ومتى فاته واحد من هذه الامور الثلاثة فاته من الخير بحسبها فمن لم يكن حريصا على الامور النافعة بل كان كسلانا لم يدرك شيئا فالكسل هو اصل الخيبة والفشل فالكسلان لا يدرك خيرا ولا ينال مكرمة ولا يحظى بدين ولا دنيا ومتى كان حريصا ولكن على غير الامور النافعة اما على امور ضارة او مفوتة للكمال كان ثمرة حرصه الخيبة وفوات الخير وحصول الشر والضرر فكم من حريص على سلوك طرق واحوال غير نافعة لم يستفد من حرصه الا التعب والعناء والشقاء ثم اذا سلك العبد الطرق النافعة وحرص عليها واجتهد فيها لم تتم له الا بصدق اللجأ الى الله والاستعانة به على ادراكها وتكميلها والا يتكل على نفسه وحوله وقوته بل يكون اعتماده التام بباطنه وظاهره على ربه فبذلك تهون عليه المصاعب وتتيسر له الاحوال وتتم له النتائج والثمرات الطيبة في امر الدين وامر الدنيا الحاصل ان العبد مفتقر الى الله ان يعيده من طريق الضلال وان يأخذ بناصيته الى طريق الهداية وان يثبته على الحق وان يمن عليه بالتوفيق والهداية والسداد وان يجعله من اهل السعادة اهل الجنة. مفتقر اليه في كل حركة وسكون مفتقر الى عفو الله سبحانه ورحمته فليس امامه الا ان يلجأ الى الله تبارك وتعالى في كل وقت وحين ان يثبته ويعينه ويسدده وان يعيده من الضلال روى الامام احمد في كتاب الزهد عن مطرف ابن عبد الله ابن الشخير قال تذكرت ما جماع الخير فاذا الخير كثير. الصوم والصلاة واذا هو في يد الله عز وجل واذا انت لا تقدر على ما في يد الله عز وجل الا ان تسأله فيعطيك فاذا جماع الخير الدعاء ومع الدعاء لابد من بذل الاسباب والصبر على فعلها ومجاهدة النفس مجاهدة تامة على لزوم طريق الخير كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون وقال سبحانه والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فهذا اصل شريف وعظيم لا بد من فهمه ولا نجاة للعبد في هذه الحياة الا بتحقيقه والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته