بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى ابو داوود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربي اعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي وانصرني على من بغى علي اللهم اجعلني لك شاكرا لك ذاكرا لك راهبا لك مطواعا لك مخبتا اليك اواها منيبا ربي تقبل توبتي واغسل حوبتي واجب دعوتي وثبت حجتي واهدي قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة هذا الدعاء العظيم يعد من الادعية الجامعة وقد اشتمل على اثنين وعشرين سؤالا ومطلبا هي من اهم مطالب العبد واسباب صلاحه وسعادته في دنياه واخراه فينبغي الاهتمام به وملازمة التضرع به الى الله عز وجل وقد ذكر الحافظ البزار في ترجمة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ان هذا الدعاء كان غالب دعائه رحمه الله فاول ذلك قوله ربي اعني وهو طلب العون من الله اي وفقني لذكرك وشكرك وحسن عبادتك وفي مقابلة الاعداء امدني بمعونتك وتوفيقك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه اوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه ابو داوود وروى احمد عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اتحبون ان تجتهدوا في الدعاء قولوا اللهم اعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك فقوله اعني اي على كل خير الطاعة والذكر والشكر وحسن العبادة واعني على نفسي الامارة بالسوء حتى لا تهلكني واعني على السلامة من المعاصي والبعد عنها فلا تكلني الى نفسي نفسي والثاني قوله ولا تعن علي اي لا تغلب علي من يمنعني من طاعتك. من النفس الامارة بالسوء ومن شياطين الانس والجن وشواغل الدنيا وملهياتها والثالث قوله وانصرني وهو طلب النصر اي اغلبني على الكفار اعدائي واعداء دينك وقيل انصرني على نفسي الامارة بالسوء. فانها اعدى اعدائي والرابع قوله ولا تنصر علي بمعنى لا تسلط علي احدا من خلقك والخامس قوله وامكر لي اي الحق مكرك باعدائي وارزقني الحيلة السليمة والفكر القوي للسلامة من شرهم ودفع كيدهم بحيث لا يشعر العدو بما هديتني اليه من سبل دفع كيدهم وعدوانهم والسادس قوله ولا تمكر علي اي ولا تهدي عدوي الى طريق دفعه اياياي عن نفسه والسابع قوله واهدني اي دلني على ابواب الخيرات ومن علي بالعلم النافع وبصرني بعيوب نفسي والثامن قوله ويسر الهدى لي اي وسهل لي اتباع الهداية وسلوك طريقها وهيئ لي اسباب الخير حتى لا استثقل الطاعة ولا اغفل عن العبادة والتاسع قوله وانصرني على من بغى علي اي وانصرني على من ظلمني وتعدى علي وهذا تخصيص بعد قوله اولا وانصرني ولا تنصر علي قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فقوله وانصرني على من بغى علي دعاء عادل لا دعاء معتد يقول انصرني على عدوي مطلقا والعاشر قوله اللهم اجعلني لك شاكرا اي الهمني شكرك على نعمك والائك علي واجعلني كثير الشكر لك على نعمائك العظيمة ومننك الجسيمة وعطاياك التي لا تعد ولا تحصى والحادي عشر قوله لك ذاكرا اي في الاوقات كلها قائما وقاعدا وعلى جنب ذاكرا اي كثير الذكر والمواظبة عليه كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وقال تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما والثاني عشر قوله لك راهبا اي خائفا منك في السراء والضراء والثالث عشر قوله لك مطواعا اي ملازما لطاعتك منقادا لشرعك ممتثلا لامرك والرابع عشر قوله لك مخبتا من الاخبات وهو الخشوع والتواضع والخضوع والمعنى اجعلني لك خاشعا متواضعا خاضعا يقال اخبت الى الله اطمأن اليه وخشع له وخضع وعلامته ان يذل القلب بين يدي ربه اجلالا وذلا له وانكسارا قال الله عز وجل وبشر المخبتين الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما اصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون كون المخبت هو الذي انكسر قلبه وخضع وذل لله فاقبل على طاعة الله والانابة اليه سبحانه قال الله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الى ربهم اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون اي ذلوا وانكسروا لله وخضعوا بين يديه جل في علاه والخامسة عشر قوله اليك اواها منيبا. الاواه هو كثير الدعاء والتضرع والبكاء والمنيب هو التائب الراجع الى الله في اموره واكتفى في قوله اواها منيبا بصلة واحدة لكوني الانابة لازمة للتأوه ورديفا له. فكأنهما شيء واحد ومن ذلك قوله تعالى ان ابراهيم لحليم اواهم منيب وتقديم الجار والمجرور في هذا وفيما قبله للاهتمام والاختصاص وتحقيق الاخلاص والسادس عشر قوله ربي تقبل توبتي اي بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع ادابها بان توفقني اولا الى التوبة وان اكون من اهلها وان تكون توبتي نصوحا بحيث اكون فيها نادما على فعلي للذنوب وعلى تفريطي في جنب الله سبحانه عازما على عدم العودة للذنوب مقلعا عن الذنوب محاذرا الوقوع فيها فقوله تقبل توبتي اي وفقني للتوبة النصوح المقبولة عندك وتقبلها مني بقبول حسن والسابع عشر قوله واغسل حوبة اي وامحو ذنبي واثمي والثامن عشر قوله واجب دعوتي اي دعائي ووفقني للدعاء المستجاب وهذا يتضمن سلامة الدعاء في نفسه ويتضمن التوفيق لتحري اوقات الاجابة ويتضمن السلامة من العدوان في الدعاء والتاسع عشر قوله وثبت حجتي اي على اعدائك وثبت قولي وتصديقي في الدنيا وعند سؤالي الملكين والعشرون قوله واهدي قلبي اي الى معرفة ربي ومعرفة الحق والهدى الذي امر به وبعث به رسله من انابة الى الله وخوف منه ومحبة له وتعظيم له وحياء منه وغير ذلك من اعمال القلوب العظيمة التي يكون فيها صلاح القلوب والدعاء لهداية القلب من اعظم الدعاء واهمه لان القلب اساس الصلاح او الفساد كما قال عليه الصلاة والسلام الاوان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله. واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي يا القلب والحادي والعشرون قوله وسدد لساني اي صوب وقوم لساني حتى لا ينطق الا بالصدق والقول السديد كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا وقال عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت والثاني والعشرون قوله وصل سخيمة صدري اي واخرج سخيمة صدري وهي غشه وغله وحقده وحسده ونحوها مما ينشأ في الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الاخلاق قال الشوكاني رحمه الله قوله وامكر لي ولا تمكر علي اي اعني على اعدائي بايقاع المكر منك عليهم لا علي كما في قوله تعالى ومكروا ومكر الله والله هو خير الماكرين قوله ربي اجعلني لك ذاكرا اي كثير الذكر لك كما تفيده صيغة المبالغة وهكذا قوله لك شكارا اي كثير الشكر وهكذا رهابا اي كثيرا رهبا وكذلك مطواعا اي كثير الطاعة لامرك والانقياد الى قبول اوامرك ونواهيك وفي تقديم الجار والمجرور في جميع هذه الامور دلالة على الاختصاص قوله مخبتا من الاخبات وهو الخشوع والتواضع والخضوع والمعنى اجعلني لك خاشعا خاضعا متواضعا والاواه هو كثير الدعاء والتضرع والبكاء والمنيب هو الرجاع الى الله في اموره قوله حوبتي بفتح الحاء المهملة وظمها وهو الاثم قوله وثبت حجتي اي قوي ايماني بك وثبتني على الصواب عند السؤال قوله وسدد لساني السداد الاعتدال في الامر وايقاعه على الصواب قوله واسل سخيمة صدري السخيمة بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة هي الحقد وهذا الدعاء قائم على طلب الاعانة من الله ان يجعله ذاكرا شاكرا مخبتا اواها منيبا وهو من انفع الدعاء واعظمه ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله ولهذا كان من افضل ما يسأل الرب تبارك وتعالى الاعانة على مرضاته. وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال يا معاذ اني لاحبك فلا تنسى ان تقول دبر كل صلاة اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فانفع الدعاء طلب العون على مرضاته وافضل المواهب اسعافه بهذا المطلوب وجميع الادعية المأثورة مدارها على هذا وعلى دفع ما يضاده وعلى تكميله وتيسير اسبابه فتأملها وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تأملت انفع الدعاء فاذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة في اياك نعبد واياك نستعين وذلك ان فقر المخلوق واحتياجه لربه امر ذاتي له لا وجود له بدونه لكن المخلوقين يتفاوتون في ادراك ذلك الافتقار او العزوب عنه والعبد فقير الى الله من جهتين من جهة العبادة ومن جهة الاستعانة. كما قال الله سبحانه اياك نعبد واياك نستعين العبد يفتقر الى الله من جهة انه معبوده الذي يحبه حب اجلال وتعظيم وقلبه لا يصلح ولا يفلح ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن الا بعبادة ربه والانابة اليه ولو حصل له كل ما يلتد به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن اذ فيه فقر ذاتي الى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه وبهذا يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة والعبد يفتقر الى الله من جهة استعانته به للاستسلام لامره والانقياد لحكمه والخضوع لشرعه اذ لا يقدر على تحصيل شيء من ذلك والقيام به الا اذا اعانه الله واذا خلى الله بينه وبين نفسه هلك كل الهلاك ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا انت وبالله التوفيق وهو وحده المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته