بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى الطبراني في المعجم الكبير عن شداد ابن اوس رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا شداد بن اوس اذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد واسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك واسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك واسألك قلبا سليما ولسانا صادقا واسألك من خير ما تعلم واعوذ بك من شر ما تعلم واستغفرك لما تعلم انك انت علام الغيوب هذه دعوات عظيمة جامعة لخيري الدنيا والاخرة كله اوله واخره وباطنه وهي كنز عظيم. قال النبي صلى الله عليه وسلم يا شداد اذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات اي فانهن كنز ثمين لا يقارن بكنوز الدنيا فانفسوا كنوز الدنيا الذهب والفضة وهذه الدعوات اثمن وانفع واجل لانها سبب عظيم للبركة في الحياة الدنيا وفي الاخرة فهذه وصية بالعناية بهذا الدعاء العظيم الجامع مع العناية بالتأمل في دلالاته ومعانيه وتحقيق مقاصده ومراميه قال الشوكاني رحمه الله سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه الثبات في الامر وهي صيغة عامة يندرج تحتها كل امر من الامور واذا وقع الثبات للانسان في كل اموره اجراها على السداد والصواب فلا يخشى من عاقبتها ولا تعود عليه بظرر وسأله عزيمة الرشد وهي الجد في الامر بحيث ينجز كل ما هو رشد من اموره. والرشد بظم الرائي المهملة واسكان الشين المعجمة هو الصلاح والفلاح والصواب ثم سأله شكر نعمته وحسن عبادته لان شكر النعمة يوجب مزيدها واستمرارها على العبد فلا تنزع منه وحسن العبادة يوجب الفوز بسعادة الدنيا والاخرة وسأله اللسان الصادق لان الصدق هو ملاك الخير كله وسأله سلامة القلب لان من كان كذلك يسلم عن الحقد والغل والغدر والخيانة ونحو ذلك وسأله ان يعيذه من شر ما يعلمه سبحانه وسأله من خير ما يعلمه لاحاطة علمه سبحانه بكل دقيقة وجليلة بما يعلمه البشر وبما لا يعلمونه فلا يبقى خير ولا شر الا وهو داخل في ذلك واستغفره مما يعلمه سبحانه لانه يعلم بكل ذنب مما يعلمه العبد وما لا يعلمه وما اوقع تتميم هذا الدعاء بهذه الجملة موقع التأكيد لما قبلها وهي قوله انك انت الغيوب. انتهى كلامه رحمه الله قوله اللهم اني اسألك الثبات في الامر اي ان اثبت على دينك وان استقيم على طاعتك والا انحرف عن صراطك المستقيم ذات اليمين وذات الشمال ومثله قوله صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وقد جاء في حديث ام سلمة رضي الله عنها قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر ان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قالت قلت يا رسول الله وان القلوب لتتقلب؟ قال نعم. ما خلق الله من بني ادم من بشر الا وقلبه بين اصبعين من اصابع الله ان شاء اقامه وان شاء ازاعه والمراد بالامر اي دين الله جل وعلا الذي شرعه لعباده وامرهم به قوله والعزيمة على الرشد الرشد ضد الغي وهو طاعة الله ولزوم عبادته والبعد عن معاصيه والراشد هو المطيع لله المحافظ على طاعته وهذه الطاعة تحتاج الى عزيمة ليحافظ المرء على العبادة والطاعة فكثيرا ما يسمع العبد المواعظ النافعة الا ان عزيمته تكون فاترة عن العمل فما احوجه الى ان يسأل الله العزيمة على الرشد حتى اذا بلغه الامر من الخير عمل به وفعله ليكون من اهله قال ابن القيم رحمه الله كمال العبد بالعزيمة والثبات فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص فاذا انضم الثبات الى العزيمة اثمر كل مقام شريف وحال كامل ولهذا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الامام احمد بن حبان في صحيحه قال اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد ومعلوم ان شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم الا على ساقي الصبر فلو علم العبد الكنز الذي تحت هذه الاحرف الثلاثة اعني اسم الصبر لما تخلف عنه وقال رحمه الله ان الدين مداره على اصلين العزم والثبات وهما الاصلان المذكوران في الحديث الذي رواه احمد والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد واصل الشكر صحة العزيمة واصل الصبر قوة الثبات فمتى ايد العبد بعزيمة وثبات فقد ايد بالمعونة والتوفيق وقال رحمه الله وهاتان الكلمتان هما جماع الفلاح وما اوتي العبد الا من تضييعهما او تضييع احدهما. فاذا حصل الثبات اولا والعزيمة ثانيا افلح كل الفلاح والله ولي التوفيق قوله واسألك شكر نعمتك شكر النعمة من اعظم المنن واكبر العطايا ان يوزع الله عبده شكر النعمة وشكرها قائم على اركان. فالقلب يشكر الله بالاعتراف بالنعمة واللسان بالتحدث بها والثناء على الله وحمده بما هو اهله والجوارح باستعمال النعم في طاعة الله عز وجل قوله وحسن عبادتك حسن العبادة مطلب عظيم ومقصد جليل بل الله جل وعلا لا يقبل العبادة الا اذا كانت متصفة به ولهذا قال جل وعلا ليبلوكم ايكم احسن عملا والعمل لا يكون حسنا الا بامرين باخلاصه لله وبالمتابعة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فشمل قوله حسن عبادتك الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الفضيل ابن عياض رحمه الله في معنى احسن عملا قال اخلصه واصوبه فانه اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل. واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون صوابا والخالص اذا كان لله والصواب اذا كان على السنة وقوله واسألك قلبا سليما اي قلبا نقيا ذكيا مطهرا من الشرك والنفاق والغل والحسد ومن كل امراض القلوب واسقامها واذا زكى القلب وطاب صلحت الجوارح وحسنت وقد جاء في دعاء ابراهيم الخليل عليه السلام ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم اي سليم من الشرك والنفاق. وسليم من الرياء ونحوه. وسليم من امراض القلوب واسقامها. وهي كثيرة ومتنوعة واذا سلم القلب تبعته الجوارح في السلامة وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب قال ابن القيم رحمه الله والقلب السديم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرئاسة فسلم من كل افة تبعده من الله وسلم من كل شبهة تعارض خبره. ومن كل شهوة تعارض امره وسلم من كل ارادة تزاحم مراده. وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله. فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفي جنة في البرزخ وفي جنة يوم المعاد ولا يتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة اشياء من شرك يناقض التوحيد وبدعة تخالف السنة وشهوة تخالف الامر وغفلة تناقض الذكر وهوى يناقض التجريد والاخلاص وقوله ولسانا صادقا صدق اللسان ان يكون كل ما يخرج من اللسان مطابقا لهذا القلب السليم لانه مرتبط بي ولهذا قيل الصدق مواطئة القلب اللسان واذا كان اللسان صادقا فان الجوارح كلها تتبعه على الاستقامة كما يدل لذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اذا اصبح ابن ادم فان الاعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فينا فانما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا وقد جمع عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء بين هذين العضوين الخطيرين العظيمين القلب واللسان وكما قيل المرء باصغريه لانهما اهم الجوارح نفعا اذا صلحا واعظم الجوارح ظررا اذا فسد فالمرء ليس بوجهه او برجله او بيده او بسائر اعضائه وانما قيمة المرء ومكانته تبرز من خلال هذين العضوين الخطيرين واللسان يؤثر على الاعضاء غاية التأثير وهو تبع للقلب ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الامام احمد عن انس ابن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه. ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه فعلى المرء الناصح لنفسه ان يعنى بهذين العضوين غاية العناية وان يهتم بهما غاية الاهتمام فانهما ان صلحا صلحا البدن كله وان فسد فسد البدن كله وكثير من الناس يهتم بصورته الخارجية ومظهره المشاهد ولا يهتم بالمخبر ولهذا يكون منه انواع من الزلل والخطل ولا يبالي بذلك مما يخرم مكانته ويضعف منزلته ويوقعه مواقع الذل والهوان بينما اذا عني المرء بهذين العضوين عناية تامة وحافظ عليهما واعتنى باصلاحهما وتقويمهما في ضوء هدي الشريعة وادابها القويمة صلحت حاله كلها قوله واسألك من خير ما تعلم واعوذ بك من شر ما تعلم هو من جوامع الدعاء وكوامله حيث سأل ربه في هذه الجملة الخير كله ظاهره وباطنه. سره وعلنه ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الاخرة فان قوله واسألك من خير ما تعلم يجمع الخير كله في الدنيا والاخرة وقوله عليه الصلاة والسلام واعوذ بك من شر ما تعلم يجمع التعوذ من كل شر وبلاء وضر في الدنيا والاخرة قوله واستغفرك لما تعلم فيه اقرار للعبد بذنوبه وخطاياه وكثرتها وتعددها وان منها ذنوبا كثيرة لا يعلمها نسيها العبد ولكن احصاه الله ونسوه فما اجمل ان يقول المستغفر في استغفاره واستغفرك لما تعلم لان علم الله عز وجل محيط بالسرائر والمعلنات وبالخفيات والظاهرات وبالذنوب المتقدمة والمتأخرة محيط بكل شيء فهو جل وعلا علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء ولذا ختم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء متوسلا الى الله بقوله انك انت علام الغيوب. اياما احاط علمك بكل غائبة فلا تخفى عليه خافية الحاصل ان هذا الدعاء يعد كنزا ثمينا للغاية فاذا رأيت الناس يا عبد الله يكنزون الذهب والفضة فاكتنز هذا الدعاء فان فيه خيرا لك وبركة عليك وصلاحا لحالك في الدنيا والاخرة وحافظ عليه محافظة عظيمة واعتن بالفاظه كما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام وافهم معانيه وهداياته وحقق مقاصده وغاياته تفز فوزا عظيما واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلوا الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته