بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى الترمذي عن العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنت يا رسول الله علمني شيئا اسأله الله عز وجل قال سل الله العافية فمكثت اياما ثم جئت فقلت يا رسول الله علمني شيئا اسأله الله فقال لي يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والاخرة وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه اكثر الدعاء بالعافية وهذه دعوة جامعة وشاملة للوقاية من الشرور كلها في الدنيا والاخرة وما سئل الرب شيئا احب اليه من العافية لانها جامعة للتخلص من الشر كله واسبابه والعافية لا يعدلها شيء ومن اعطي العافية في الدنيا والاخرة فقد كمل نصيبه من الخير قال ابن الجزري رحمه الله فلينظر العاقل مقدار هذه الكلمة التي اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه من دون الكلم وليؤمن بانه صلى الله عليه وسلم اعطي جوامع الكلم واختصرت له الحكم فان من اعطي العافية فاز بما يرجوه ويحبه قلبا وقالبا ودينا ودنيا ووقي ما يخافه في الدارين علما يقينا تلقى التواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاؤه بالعافية وورد عنه صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى من نحو خمسين طريقا هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو المعصوم على الاطلاق حقيقة فكيف بنا ونحن غرض لسهام القدر وغرض بين النفسي والشيطان والهوى وقال الشوكاني رحمه الله وفي امره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباسي سؤاله بان يعلمه شيئا يسأل الله به دليل جلي بان الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من الادعية ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والاكرام وقد تقدم تحقيق معنى العافية انها دفاع الله عن العبد الداعي بها قد سأل ربه دفاعه عنه كل ما ينوبه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عمه العباس منزلة ابيه. ويرى له من الحق ما يراه الولد لوالده ففي تخصيصه بهذا الدعاء وقصره على مجرد الدعاء بالعافية تحريك لهم الراغبين على ملازمته وان يجعلوه من اعظم ما يتوسلون به الى ربهم سبحانه وتعالى ويستدفعون به في كل ما يهمهم ثم كلمه صلى الله عليه وسلم بقوله سل الله العافية في الدنيا والاخرة فكان هذا الدعاء من هذه الحيثية قد صار عدة لدفع كل ضر ولجلب كل خير وقد روى البخاري في الادب المفرد عن انس رضي الله عنه قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله اي الدعاء افضل قال سل الله العفو والعافية في الدنيا والاخرة ثم اتاه الغد فقال يا نبي الله اي الدعاء افضل قال سل الله العفو والعافية في الدنيا والاخرة فاذا اعطيت العافية في الدنيا والاخرة فقد افلحت قال الشوكاني رحمه الله ففي هذا الحديث التصريح بان الدعاء بالعافية افضل الدعاء ولا سيما بعد تكريره للسائل في ثلاثة ايام حين ان يأتيه للسؤال عن افضل الدعاء فافاد هذا ان الدعاء بالعافية افضل من غيره من الادعية. مع ما قدمناه من اشتماله على جلب كل ودفع كل ضر ثم في قوله صلى الله عليه وسلم في اخر هذا الحديث فاذا اعطيت العافية في الدنيا واعطيتها في الاخرة فقد افلحت دليل ظاهر واضح بان الدعاء بالعافية يشمل امور الدنيا والاخرة لانه قال هذه المقالة بعد ان قال له سل ربك العافية ثلاث مرات فكان ذلك كالبيان لعموم بركة هذه الدعوة بالعافية لمصالح الدنيا والاخرة ثم رتب على ذلك الفلاح الذي هو المقصد الاسمى والمطلوب الاكبر وروى الطبراني في المعجم الكبير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من دعوة احب الى الله ان يدعو بها عبد من ان يقول اللهم اني اسألك المعافاة قال او قال العافية في الدنيا والاخرة قال الشوكاني رحمه الله ورجاله رجال الصحيح فهذا الحديث قد دل على ان الدعاء بالعافية احب الى الله سبحانه وتعالى من كل دعاء كائنا ما كان. كما يفيده هذا العموم وتدل عليه هذه الكلية فجمع هذا الدعاء بهذه الكلمة بين ثلاث مزايا اولها شموله لخيري الدنيا والاخرة وثانيها انه افضل الدعاء على الاطلاق وثالثها انه احب الى الله سبحانه من كل دعاء يدعو به العبد على الاطلاق كائنا ما كان وبالجملة فالاحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا منها ما ورد في الدعاء بخصوص العافية ومنها ما ورد في الدعاء بها مع غيرها من الادعية ومن الدعوات العظيمة التي كان يحافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء بل كان لا يدعها كلما اصبح وامسى ما رواه احمد وابو داوود وابن ماجة عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبحوا وحين يمسي اللهم اني اسألك العافية في الدنيا والاخرة اللهم اني اسألك العفو والعافية في ديني ودنياي واهلي ومالي اللهم استر عوراتي وامن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي واعوذ بعظمتك ان اغتال من تحتي فكان صلى الله عليه وسلم يسأل ربه العافية في الدنيا والاخرة والعافية في الدين والدنيا والاهل والمال اما سؤال العافية في الدين فهو طلب الوقاية من كل امر يشين الدين او يخل به واما في الدنيا فهو طلب الوقاية من كل امر يضر العبد في دنياه من مصيبة او بلاء او ضراء او نحو ذلك واما في الاخرة فهو طلب الوقاية من اهوال الاخرة وشدائدها وما فيها من انواع العقوبات واما في الاهل فبوقايتهم من الفتن وحمايتهم من البلايا والمحن واما في المال فبحفظه مما يتلفه من غرق او حرق او سرقة او نحو ذلك فجمع في ذلك سؤال الله الحفظ من جميع العوارض المؤذية والاخطار المضرة وفي المسند وسنن الترمذي عن ابي بكر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال سلوا الله العفو والعافية فان احدا لم يعطى بعد اليقين خيرا من العافية قال الشوكاني رحمه الله سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه ان يرزقه العفو الذي هو العمدة في الفوز بدار المعاد ثم سأله ان يرزقه العافية التي هي العمدة في صلاح امور الدنيا والسلامة من شرورها ومحنها فكان هذا الدعاء من الكلم الجوامع والفوائد النوافع فعلى العبد ان يستكثر من الدعاء بالعافية وقد اغنى عن التطويل في ذكر فوائدها ومنافعها ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فانها اذا كانت بحيث انه لم يعطى احد بعد اليقين خيرا منها فقد فاقت كل الخصال وارتفعت درجتها على كل خير وفي حديث العباس رضي الله عنه المتقدم ما يدل على ان العافية تشمل امور الدنيا والاخرة وهو الظاهر من كلام اهل اللغة لان قولهم دفاع الله عن العبد غير مقيد بدفاعه عنه لامور الدنيا فقط بل يعم كل دفاع يتعلق بالدنيا والاخرة وقال في النهاية والمعافاة ان يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك وان يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف اذاهم عنك واذاك عنهم وفي رواية سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فانه ما اوتي عبد بعد يقين خيرا من معافاة قال ابن القيم رحمه الله وهذه الثلاثة تتضمن ازالة الشرور الماضية بالعفو والحاضرة بالعافية والمستقبلة بالمعافاة فانها تتضمن المداومة والاستمرار على العافية وقال رحمه الله وهذا السؤال يتضمن العفو عما مضى والعافية في الحال والمعافاة في المستقبل بدوام العافية واستمرارها وكان عبد الاعلى التيمي رحمه الله يقول اكثروا من سؤال الله العافية فان المبتلى وان اشتد بلاؤه ليس باحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء وما المبتلون اليوم الا من اهل العافية بالامس وما المبتلون بعد اليوم الا من اهل العافية اليوم ولو كان البلاء يجر الى خير ما كنا من رجال البلاء انه رب بلاء قد اجهد في الدنيا واخز في الاخرة فما يؤمن من اطال المقام على معصية الله ان يكون قد بقي له في بقية عمره من البلاء ما يجهده في الدنيا ويفضحه في الاخرة ثم يقول بعد ذلك الحمد لله الذي ان عد نعمه لا نحصيها وان ندأب له عملا لا نجزيها وان نعمر فيها لا نبليها وفي سنن ابي داوود والنسائي وغيرهما عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات اقولهن في الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما اعطيت وقني شر ما قضيت انك تقضي ولا يقضى عليك وانه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت وهذا دعاء عظيم مشتمل على مطالب جليلة ومقاصد عظيمة منها سؤال الله العافية. فقوله وعافني فيمن عافيت فيه سؤال الله العافية المطلقة وهي العافية من الكفر والفسوق والعصيان والغفلة والامراض والاسقام والفتن وفعل ما لا يحبه وترك ما يحبه ومما يؤكد عليه في هذه الليالي المباركة الليالي العشر الاخيرة من رمظان الحرص على طلب ليلة القدر وتحري الطاعة فيها والاجتهاد في الدعاء فان هذا من سمات الاخيار وعلامات الابرار بل انهم يلحون على الله فيها ان يكتب لهم العفو والمعافاة لانها الليلة التي يكتب فيها ما يكون من الانسان في عامه كله ففي هذه الليلة يدعون ويلحون وفي عامه كله يجدون ويجتهدون ومن الله يطلبون العون ويسألون التوفيق روى الترمذي وابن ماجة وغيرهما عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله ان علمت اي ليلة ليلة القدر ما اقول فيها قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعفو عني وهذا الدعاء المبارك عظيم المعنى عميق الدلالة كبير النفع والاثر وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة فهي الليلة التي يفرق فيها كل امر حكيم ويقدر فيها اعمال العباد لسنة كاملة حتى ليلة القدر الاخرى فمن رزق في تلك الليلة العافية وعفا عنه ربه فقد افلح وفاز وربح اعظم الربح ومن اوتي العافية في الدنيا والاخرة فقد اوتي الخير بحذافيره والعافية لا يعدلها شيء ولهذا فان من الخير للمسلم ان يكثر من هذه الدعوة المباركة في كل وقت وحين ولا سيما في ليلة القدر التي فيها يفرق كل امر حكيم وليعلم المسلم ان الله عز وجل عفو كريم يحب العفو وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ولم يزل سبحانه ولا يزال بالعفو معروفا وبالصفح والغفران موصوفا وكل احد مضطر الى عفوه محتاج الى مغفرته لا غنى لاحد عن عفوه ومغفرته كما انه لا غنى لاحد عن رحمته وكرمه فنسأل الله سبحانه ان يشملنا اجمعين بعفوه وان يدخلنا في رحمته وان يستعملنا في طاعته وان يهدينا اليه صراطا مستقيما واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته