بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه قالت فقلت يا رسول الله اراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه فقال خبرني ربي اني سارى علامة في امتي فاذا رأيتها اكثرت من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه فقد رأيتها اذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا هذا امر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بان يسبح بحمد ربه ويستغفره وقد جاء هذا الامر بعد بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بنصر الله تعالى وفتح مكة ودخول الناس في دين الله افواجا ولهذا فهم طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بالتسبيح والتحميد والاستغفار شكرا لله على هذه النعم نعم التي بشر بها وفهم بعض الصحابة كعمر وابن عباس رضي الله عنهم ان مجيء نصر الله والفتح ودخول الناس في دين الله افواجا علامة على اقتراب اجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقضاء عمره وان الله تعالى امره بالتسبيح والتحميد والاستغفار ليختم عمله بذلك ويتهيأ للقاء ربه والقدوم عليه على اكمل احواله واتمها وهذا واظح في حديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها ولهذا جاء في بعض رواياته قالت كان صلى الله عليه وسلم يكثر قبل موته من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه وقال خبرني ربي عز وجل اني سارى علامة في امتي فاذا رأيتها اكثرت من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه فقد رأيتها اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس الى اخر السورة روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع اشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا ابناء مثله فقال انه ممن قد علمتم. قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال وما رأيته دعاني يومئذ الا ليريهم مني فقال ما تقولون اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون حتى ختم السورة فقال بعضهم امرنا ان نحمد الله ونستغفره اذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندري او لم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا ابن عباس هكذا تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو اجل رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلمه الله له اذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة اجلك فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال عمر ما اعلم منها الا ما تعلم قال ابن القيم رحمه الله وهذا من ادق الفهم والطفه ولا يدركه كل احد فانه سبحانه لم يعلق الاستغفار بعمله بل علقه بما يحدثه هو سبحانه من نعمة فتحه على رسوله صلى الله عليه وسلم ودخول الناس في دينه وهذا ليس بسبب للاستغفار فعلم ان سبب الاستغفار غيره وهو حضور الاجل الذي من تمام نعمة الله على عبده توفيقه للتوبة النصوح والاستغفار بين يديه ليلقى ربه طاهرا مطهرا من كل ذنب فيقدم عليهم مسرورا راضيا مرضيا عنه ويدل عليه ايضا قوله فسبح بحمد ربك واستغفره وهو صلى الله عليه وسلم كان يسبح بحمده دائما فعلم ان المأمور به من ذلك التسبيح بعد الفتح ودخول الناس في هذا الدين امر اكبر من ذلك المتقدم وذلك مقدمة بين يدي انتقاله الى الرفيق الاعلى وانه قد بقيت عليه من عبودية التسبيح والاستغفار التي ترقيه الى ذلك المقام بقية فامره بتوفيتها ويدل عليه ايضا انه سبحانه شرع التوبة والاستغفار في خواتيم الاعمال فشرعها في خاتمة الحج وقيام الليل وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا وشرع للمتوضئ بعد كمال وضوئه ان يقول اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فعلم ان التوبة مشروعة عقيب الاعمال الصالحة فامر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار عقيب توفيته ما عليه من تبليغ الرسالة والجهاد في سبيل لا حين دخل الناس في دينه افواجا فكان التبليغ عبادة قد اكملها واداها فشرع له الاستغفار عقيبها ثم الباء في قوله وبحمدك قيل متعلقة بسبحان اي وبحمدك سبحتك ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك علي سبحتك لا بحولي وقوتي ففيه شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض الى الله تعالى وان كل الافظال له قوله استغفر الله واتوب اليه فيه طلب مغفرة الذنوب والاستغفار له شأن عظيم ومكانة عالية فهو كما بين شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله يخرج العبد من الفعل المكروه الى الفعل المحبوب ومن العمل الناقص الى العمل التام ويرفع العبد من المقام الادنى الى الاعلى منه والاكمل فان العابد لله والعارف بالله في كل يوم بل في كل ساعة بل في كل لحظة يزداد علما بالله في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه وشرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية واعطائها حقها فهو يحتاج الى الاستغفار اناء الليل واطراف النهار بل هو مضطر اليه دائما في الاقوال والاحوال. في الغوائب والمشاهد لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضرات وطلب الزيادة في القوة في الاعمال القلبية والبدنية اليقينية الايمانية وقال رحمه الله والعبد مأمور ان يتوب الى الله تعالى دائما. قال الله تعالى وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون هون وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ايها الناس توبوا الى ربكم فوالذي نفسي بيده اني لاستغفر الله واتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين مرة وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم انه قال انه ليغان على قلبي واني لاستغفر الله في اليوم مئة مرة وفي السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس واحد يقول ربي اغفر لي وتب علي انك انت التواب الرحيم. مئة مرة. او قال اكثر من مئة مرة وقد امر الله سبحانه عباده ان يختموا الاعمال الصالحة بالاستغفار فكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا سلم من الصلاة يستغفر ثلاثا ويقول اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه وقد قال الله تعالى والمستغفرين بالاسحار. فامرهم ان يقوموا بالليل ويستغفروا بالاسحار وكذلك ختم سورة المزمل وهي سورة قيام الليل بقوله واستغفروا الله ان الله غفور رحيم وكذلك قال في الحج فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين. ثم افيضوا من حيث افاض الناس واستغفروا الله الله غفور رحيم بل انزل سبحانه وتعالى في اخر الامر لما غزى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهي اخر غزواته انزل لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد تذيق قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه. ثم تاب عليهم ليتوبوا. ان الله هو التواب الرحيم وهي اخر ما نزل من القرآن وقد قيل ان اخر سورة نزلت قوله تعالى اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله بافواج فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا فامره تعالى ان يختم عمله بالتسبيح والاستغفار وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه كان يقول اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت لا اله الا انت وفي الصحيحين ان ابا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني دعاء ادعو به في صلاتي. قال قل اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا انت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك انت الغفور الرحيم وفي السنن عن ابي بكر رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني دعاء ادعو به اذا اصبحت واذا امسيت فقال قل اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه اشهد ان لا اله الا انت اعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وان اقترف على نفسي سوءا او اجره الى مسلم قله اذا اصبحت واذا امسيت واذا اخذت مضجعك فليس لاحد ان يظن استغناءه عن التوبة الى الله والاستغفار من الذنوب بل كل احد محتاج الى ذلك دائما وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو امام المرسلين وقدوة الموحدين وقائد الغر المحجلين كثير الاستغفار والتوبة الى الله مع انه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما قال الله تعالى انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى قام حتى تتفطر رجله فقلت له يا رسول الله اتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا عائشة افلا اكون عبدا شكورا قال ابن كثير رحمه الله هذا من خصائصه صلوات الله وسلامه عليه التي لا يشاركها التي لا يشاركه فيها غيره وليس في حديث صحيح في ثواب الاعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهذا فيه تشريف عظيم للرسول صلى الله عليه وسلم وهو صلوات الله وسلامه عليه في جميع اموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه لا من الاولين ولا من الاخرين وهو اكمل البشر على الاطلاق وسيدهم في الدنيا والاخرة روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واصغت اليه قبل ان يموت وهو مسند اليها ظهره يقول اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الاعلى وفي هذا اشارة الى ملازمته صلى الله عليه وسلم للاستغفار في كل اوقاته وجميع احيانه الى اخر لحظات حياته الكريمة صلوات الله وسلامه عليه وكما انه صلى الله عليه وسلم كان يختم اعماله الصالحة كالصلاة والحج وقيام الليل وسائر مجالسه بالاستغفار فقد ختم حياته كلها به رزقنا الله اجمعين حسن الاقتداء به والاتباع لنهجه ولزوم هديه ونسأله سبحانه ان يرزقنا الخاتمة الحسنة وان يوفقنا لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته