بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى مسلم في صحيحه عن ابي مالك الاشجعي عن ابيه رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من اسلم ان يقول اللهم اهدني وارزقني وعافني وارحمني وفي رواية عند مسلم كان الرجل اذا اسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم امره ان يدعو بهؤلاء الكلمات اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني ورواه احمد وزاد وهو يقول هؤلاء يجمعن لك خير الدنيا والاخرة هذا دعاء عظيم جامع يستحب تعليمه كل من دخل حديثا في الاسلام تضمن خمسة مطالب عظيمة هي في غاية الاهمية تجمع للعبد خير الدنيا والاخرة وعلى العبد ان يباشر كثرة دعاء الله بها بعد ان من الله سبحانه وتعالى عليه بالدخول في هذا الدين العظيم ولا يقال انه قد اهتدى ودخل في الدين. فكيف يقول اللهم اهدني وقد اهتدى بل الهداية كما انها تتناول الدخول في الدين فانها تتناول ايضا الهداية للعلم بتفاصيله قيام باوامره واعماله والثبات عليه والمداومة وعدم الانصراف والانشغال عنه بل ان سؤال الهداية هو اعظم مطلب ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدعوات واقتصر عليه في سورة الفاتحة التي جمعت الخير كله قال اهدنا الصراط المستقيم ولا يوجد دعوة من الدعوات افترضها الله سبحانه وتعالى على عباده ان يدعوه بها في اليوم والليلة سبع عشرة مرة فرضا الا هذه الدعوات في الركعات التي في الصلاة المكتوبة ومن يدخل في هذا الدين العظيم قد من الله سبحانه وتعالى عليه بالهداية لهذا الدين لكنه بحاجة ماسة الى العلم بتفاصيل هذا الدين وبحاجة ماسة الى ان يعان على العمل بما يتعلمه من اعمال هذا الدين وبحاجة ماسة الى الثبات على هذا الدين والمداومة عليه الى ان يتوفاه الله وبحاجة ماسة الى ان يسلم من الصوارف والشواغل والملهيات فقوله في هذا الدعاء اللهم اهدني يتناول ذلك كله والمراد بالهداية اي الهداية الى الصراط المستقيم ان يهدى اليه علما وان يهدى اليه عملا وان يهدى اليه ثباتا ومداومة. كل ذلك داخل تحت سؤال الله تبارك وتعالى الهداية اية قوله وارزقني هذا يتناول سؤال الله تبارك وتعالى الرزق اي من خير الدنيا والاخرة لا يختص بالدنيا بل يتناول سؤال الله تبارك وتعالى خير الدنيا والاخرة ارزقني اي في الدنيا كل خير وحسنة وبركة وفي الاخرة المقام الكريم والفوز برظوان الله وجنته ونيل عظيم ثوابه وموعوده قوله وعافني اي من كل بلاء في الدنيا والاخرة. وما اوتي عبد بعد اليقين خير ولا اعظم من العافية. ومن ان اوتي العافية في دنياه واخراه فقد افلح وفاز الفوز العظيم قوله وارحمني اي تغمدني برحمتك. واجعلني من اهل الفوز بالرحمة التي خص بها عباده المتقين واولياءه المؤمنين وكان بالمؤمنين رحيما فيسأل الله عز وجل ان يرحمه رحمة ينال بها السعادة والفلاح في دنياه واخراه وفي الرواية الاخرى للحديث عند مسلم زاد طلب المغفرة هو المطلب الخامس في هذا الدعاء قال اللهم اغفر لي اي ذنوبي او تقصيري في طاعتك ومن اتى بهذا الدعاء فقد ملأ يديه بالخير عن ابن ابي اوفى رضي الله عنه قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اني لا استطيع اخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئني قال قل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله قال يا رسول الله هذا لله عز وجل فما لي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني ثم ادبر وهو ممسك كفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اما هذا فقد ملأ يديه من الخير. رواه احمد لانه اخذ بجمعه هذا مجامع الخير فالحاصل ان هذه الدعوات دعوات عظيمة جوامع اتت على الخير كله خير الدنيا والاخرة. وكل مسلم بحاجة اليها ومن كان قد دخل في الاسلام حديثا فجدير ان يعلم هذه الدعوات بان يحافظ عليها لتجمع له خير الدارين ونظير هذا في الحرص على تلقين من اسلم حديثا دعاء يواظب عليه ليكون سببا في ثباته وترقيه في الخير ما رواه الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي يا حصين كم تعبد اليوم الها قال ابي سبعة ستة في الارض وواحدا في السماء قال فايهم تعدوا لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء قال يا حصين اما انك لو اسلمت علمتك كلمتين تنفعانك قال فلما اسلم حصين قال يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني فقال قل اللهم الهمني رشدي واعذني من شر نفسي فهذه دعوة عظيمة جمعت الخير كله فمن الهمه الله عز وجل رشده بان وفقه للاستقامة على طريق الحق والاهتداء الى الصلاح ووقاه من شر نفسه بان اجاره وحفظه ونجاه من شرها اذ هي منبع الفساد فاز بالخير كله لان انحراف من ينحرف راجع اما الى انه لم يلهم الرشد فلم يعرفه او انه عرف الحق لكن نفسه غلبته على ترك الحق وعدم قبوله فاذا اكرم الله سبحانه وتعالى عبده والهمه رشد نفسه ووقاه من شرها فاز بالخير وسلم باذن الله تبارك وتعالى من الشر والانحراف قال الشوكاني رحمه الله وهذا الحديث من جوامع الكلم النبوية لان طلب الهام الرشد يكون به السلامة من كل ضلال والاستعاذة من شر النفس يكون به السلامة من غالب معاصي الله سبحانه وتعالى فان اكثرها من جهة النفس الامارة بالسوء وقول النبي صلى الله عليه وسلم له لو اسلمت علمتك كلمتين تنفعانك اسلوب تشويق عظيم فتعليم الكلمتين موقوف على الاسلام. فشوقه الى الاسلام بتشويقه الى كلمتين عظيمتين تنفعانه في دنياه واخراه وهو من الوسائل النافعة في الدعوة الى الله عز وجل والمدعو بحاجة ماسة الى الرفق به والاجتهاد في مناصحته. والتلطف في تشويقه وتأليف قلبه والصبر في ذلك وعدم استعجال النتائج والثمرات قوله فلما اسلم حصين قال يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني يفيد اثر هذا التشويق على قلبه. وانه ما زال مشتاقا الكلمتين منذ وعده النبي صلى الله عليه وسلم بها بدليل انهما نسيها بل فورما اسلم سأل النبي عليه الصلاة والسلام عنها وطلب تعليمه اياها فالتأليف القلوب له اثره البالغ على المدعوين. في جلب قلوبهم للخير وتحبيبهم في الهداية وترغيبهم في الاسلام كما روى ابو داوود انه صلى الله عليه وسلم استسقى لبعض المشركين لما طلبوا منه ان يستسقي لهم فاستسقى لهم وكان ذلك احسانا منه اليهم يتألف به قلوبهم كما كان يتألفهم بغير ذلك روى الامام احمد عن صفوان ابن امية رضي الله عنه قال اعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين انه لابغض الناس الي فما زال يعطيني حتى صار وانه لاحب الناس الي وروى البخاري في الادب المفرد عن مجاهد قال كنت عند عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما وغلامه يسلخ شاة فقال يا اذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي فقال رجل من القوم اليهودي اصلحك الله قال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى خشينا او رأينا انه سيورثه وروى البخاري في الادب المفرد عن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قالت اتتني امي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسألت النبي صلى الله عليه وسلم اصلها؟ قال نعم قال ابن عيينة فانزل الله عز وجل فيها لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين اي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشرك من اقاربكم وغيرهم حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والاخراج من دياركم فليس عليكم جناح ان تصلوهم فان صلتهم في هذه الحالة لا محظور فيها ولا مفسدة بل ربما كانت سببا في هدايتهم ودخولهم في هذا الدين بتأليف القلوب والرفق بالمدعوين والاحسان اليهم ونحو ذلك له تأثير بالغ في نفوسهم لقبول الخير والقناعة به قال عطاء الخرساني في قوله تعالى وما تنفقون الا ابتغاء وجه الله اي اذا اعطيت لوجه الله فلا عليك كما كان عمله قال ابن كثير رحمه الله وهذا معنى حسن وحاصله ان المتصدق اذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع اجره على الله ولا عليه في نفس الامر لمن اصاب اببر او فاجر او مستحق او غيره هو مثاب على قصده ومستند هذا تمام الاية قال تعالى وما تنفقوا من خير يوفى اليكم وانتم لا تظلمون والحديث المخرج في الصحيحين من طريق ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رجل لاتصدقن الليل بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فاصبح الناس يتحدثون تصدق على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية لاتصدقن الليل بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فاصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال اللهم لك الحمد على غني لاتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فاصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق فاوتي فقيل له اما صدقتك فقد قبلت واما الزانية فلعلها ان تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما اعطاه الله. ولعل السارق ان يستعف بها عن سرقته وايضا الكافر لعل الله عز وجل ان يشرح بهذه الهدية صدره للاسلام وقبل هذا التأليف لقلوب هؤلاء يدعى لهم بالهداية ولما قيل للرسول صلى الله عليه وسلم عن دوس انهم عصوا قال اللهم اهد دوسا واتي بهم فدعا لهم صلى الله عليه وسلم بالهداية وروى مسلم في صحيحه عن يزيد ابن عبد الرحمن قال حدثني ابو هريرة رضي الله عنه قال كنت ادعو امي الى الاسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فاسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اكره فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا ابكي. قلت يا رسول الله اني كنت ادعو امي الى الاسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما اكره فادعوا الله ان يهدي ام ابي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهد ام ابي هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم. فلما جئت فصرت الى الباب فاذا هو مجافى فسمعت امي خشف قدمي فقالت مكانك يا ابا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا ابا هريرة اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا عبده ورسوله قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتيت وانا ابكي من الفرح قال قلت يا رسول الله ابشر قد استجاب الله دعوتك وهدى ام ابي هريرة. فحمد الله واثنى عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادعو الله ان يحببني انا وامي الى عباده المؤمنين ويحببهم الينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب عبيدك هذا يعني ابا هريرة وامه الى عبادك المؤمنين وحبب اليهم المؤمنين. فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني الا احبني وفي هذه القصة فوائد عظيمة وعبر نافعة يفيدها الداعي الى الله عز وجل عند التأمل لمعانيها في مضامنها واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته