بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى الترمذي في جامعه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجوز في صلاته فلما سلم دعا بصوته فقال لنا على مصافكم كما انتم ثم انفتل الينا فقال اما اني ساحدثكم ما حبسني عنكم الغداة اني قمت من الليل فتوضأت فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي فاستثقلت فاذا انا بربي تبارك وتعالى في احسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك ربي قال فيما يختصم الملأ الاعلى قلت لا ادري رب قالها ثلاثا قال فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد انامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت فقال يا محمد قلت لبيك رب قال فيما يختصم الملأ الاعلى كنت في الكفارات قال ما هن قلت مشي الاقدام الى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات واسباغ الوضوء في المكروهات قال ثم فيم؟ قلت اطعام الطعام ولين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام قال سل قلت اللهم اني اسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وان تغفر لي وترحمني واذا اردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون واسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انها حق فادرسوها ثم تعلموها هذا حديث عظيم جامع في فضائل الاعمال تضمن دعوة عظيمة كبيرة العائدة وهي قوله صلى الله عليه وسلم واسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك قال ابن القيم رحمه الله ومن افضل ما سئل الله عز وجل حبه وحب من يحبه وحب عمل يقرب الى حبه ومن اجمع ذلك ان يقول اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك وهذا الدعاء هو فسطاط خيمة الاسلام الذي قيامها به وهو حقيقة شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله والقائمون بحقيقة ذلك هم الذين هم بشهاداتهم قائمون والله سبحانه تعرف الى عباده من اسمائه وصفاته وافعاله بما يوجب محبتهم له فان القلوب مفطورة على محبة الكمال ومن قام به وقد اشتمل هذا الحديث على فوائد عظيمة وقد افرد فيه الحافظ ابن رجب رحمه الله رسالة سماها اختيار الاولى في شرح حديث اختصام الملأ الاعلى ولعلي التقط شيئا من فوائده والخص طرفا من فوائده المتعلقة بالدعوات المذكورة في هذا الحديث وهي قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اني اسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وان تغفر لي وترحمني. واذا اردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون واسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب الى حبك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انها حق فادرسوها ثم تعلموها فهذا دعاء عظيم من اجمع الادعية واكملها فقوله صلى الله عليه وسلم اسألك فعل الخيرات وترك المنكرات يتضمن طلب كل خير وترك كل شر فان الخيرات تجمع كل ما يحبه الله تعالى ويقرب منه من الاعمال والاقوال من الواجبات والمستحبات والمنكرات تشمل كل ما يكرهه الله عز وجل ويباعد منه من الاقوال والاعمال من المحرمات والمكروهات فمن حصل له هذا المطلوب حصل له خير الدنيا والاخرة قوله وحب المساكين. هذا قد يقال انه من جملة فعل الخيرات وافرده بالذكر لشرفه وقوة الاهتمام به كما افرد ايضا ذكر حب الله تعالى وحب من يحبه وحب عمل يبلغه الى حبه وذلك اصل فعل الخيرات كلها وقد يقال انه طلب من الله عز وجل ان يرزقه اعمال الطاعات بالجوارح وترك المنكرات بالجوارح وان يرزقه ما يوجب له ذلك وهو حبه وحب من يحبه وحب عمل يبلغه حبه فهذه المحبة بالقلب موجبة لفعل الخيرات بالجوارح ولترك المنكرات بالجوارح وسأل الله ان يرزقه المحبة فيه فقد تضمن هذا الدعاء سؤال حب الله عز وجل وحب احبابه وحب الاعمال التي تقرب من حبه والحب فيه وذلك مقتض لفعل الخيرات كلها ومتضمن لترك المنكرات والسلامة من الفتن وذلك يتضمن اجتناب الشر كله فجمع هذا الدعاء طلب خير الدنيا وتضمن سؤال المغفرة والرحمة وذلك يجمع خير الاخرة كله فجمع هذا الدعاء خير الدنيا والاخرة قوله وان تغفر لي وترحمني المغفرة والرحمة يجمعان خير الاخرة كله لان المغفرة ستر الذنوب مع الوقاية من شرها وقد قيل انه لا تجتمع المغفرة مع عقوبة الله عليها ولذلك سمي المغفر مغفرا لانه يستر الرأس ويقيه الاذى وهذا بخلاف العفو فانه يكون تارة قبل العقوبة وتارة بعدها واما الرحمة فهي دخول الجنة وعلو درجاتها وجميع ما في الجنة من النعيم ومن رضا الله عز وجل وقربه ومشاهدته وزيارته فانه من رحمة الله وفي الحديث الصحيح ان الله عز وجل يقول للجنة انت رحمتي ارحم بك من اشاء من عبادي فكل ما في الجنة فهو من رحمة الله عز وجل وانما تنال برحمته لا بالعمل كما قال صلى الله عليه وسلم لن يدخل احد منكم الجنة بعمله قالوا ولا انت يا رسول الله؟ قال ولا انا الا ان يتغمدني الله برحمته قوله واذا اردت بقوم فتنة فاقبضني اليك غير مفتون المقصود من هذا الدعاء سلامة العبد من فتن الدنيا مدة حياته فان قدر الله عز وجل على عباده فتنة قبض عبده اليه قبل وقوعها وهذا من اهم الادعية فان المؤمن اذا عاش سليما من الفتن ثم قبضه الله تعالى اليه قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله قوله واسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يبلغني حبك هذا الدعاء يجمع كل خير فان الافعال الاختيارية من العبد انما تنشأ عن محبة وارادة فان كانت محبة الله ثابتة في قلب العبد نشأت عنها حركات الجوارح فكانت بحسب ما يحبه الله ويرتضيه فاحب ما يحبه الله عز وجل من الاعمال والاقوال كلها ففعل حينئذ الخيرات كلها وترك المنكرات كلها واحب من يحبه الله من خلقه ومحبة الله تعالى على درجتين. احداهما واجبة وهي المحبة التي توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات وكراهة ما يكرهه من المحرمات فان المحبة التامة تقتضي الموافقة لمن يحبه في محبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه خصوصا فيما يحبه ويكرهه من المحب نفسه فلا تصح المحبة بدون فعل ما يحبه المحبوب من محبه وكراهة ما يكرهه المحبوب من محبه ومتى اخل العبد ببعض الواجبات او ارتكب بعض المحرمات فمحبته لربه غير تامة فالواجب عليه المبادرة بالتوبة والاجتهاد في تكميل المحبة المفضية لفعل الواجبات كلها واجتناب المحرمات كلها وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فان الايمان الكامل يقتضي محبة ما يحبه الله وكراهة ما يكرهه الله عز وجل والعمل بمقتضى ذلك فلا يرتكب احد شيئا من المحرمات او يخل بشيء من الواجبات الا لتقديم هوى النفس المقتضي لارتكاب ذلك على محبة الله تعالى مقتضية لخلافه الدرجة الثانية من المحبة درجة المقربين وهي ان يمتلئ القلب بمحبة الله تعالى حتى توجب له محبة النوافل والاجتهاد فيها وكراهة المكروهات والانكفاف عنها والرضا بالاقضية والاقدار المؤلمة للنفوس لصدورها عن المحبوب ولما كانت محبة الله عز وجل لها لوازم وهي محبة ما يحبه الله عز وجل من الاشخاص والاعمال وكراهة ما يكرهه من ذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى مع محبته محبة شيئين اخرين احدهما محبة من يحبه الله فان من احب الله احب احبابه فيه ووالاهم وابغض اعداءه وعاداهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه الا لله. الحديث واعظم من تجب محبتهم في الله انبياؤه ورسله واعظمهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي افترض الله على الخلق كلهم متابعته. وجعل متابعته علامة لصحة محبته كما قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والثاني محبة ما يحبه الله تعالى من الاعمال وبها يبلغ الى حبه وفي هذا اشارة الى ان درجة المحبة لله انما تنال بطاعته وبفعل ما يحبه فاذا امتثل العبد لاوامر مولاه وفعل ما يحبه احبه الله تعالى ورقاه الى درجة محبته كما في الحديث الالهي الذي خرجه البخاري وما تقرب الي عبدي بمثل ادائي ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه وقد عقد ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين فصلا في الاسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها قال رحمه الله وهي عشرة احدها قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما اريد به الثاني التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض الثالث دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر الرابع ايثار محابه على محابك عند غلبة الاهواء الخامس مطالعة القلب لاسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة مبادئها فمن عرف الله باسمائه وصفاته وافعاله احبه لا محالة السادس مشاهدة بره واحسانه والائه ونعمه الباطنة والظاهرة. فانها داعية الى محبته السابع وهو من اعجبها انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى الثامن الخلوة به وقت النزول الالهي. لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب اداب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة التاسع مجالسة المحبين الصادقين والتقاط عطاء بثمرات كلامهم العاشر مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل فمن هذه الاسباب العشرة وصل المحبون الى اعلى المنازل وبالله التوفيق وهذه المحبة كما يقول رحمه الله هي قوت القلوب وغذاء الارواح وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الاموات. والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الاسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشوا كله هموم والام وهي روح الايمان والاعمال والمقامات والاحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته