بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى احمد والحاكم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم اتحبون ايها الناس ان تجتهدوا في الدعاء قالوا نعم يا رسول الله قال قولوا اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك قوله صلى الله عليه وسلم اتحبون ايها الناس ان تجتهدوا في الدعاء هذا اسلوب تشويق وترغيب تكثر نظائره في احاديث نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وهذا نافع في تعليم الخير والدلالة عليه ولهذا قالوا نعم يا رسول الله قالوا ذلك عن شوق قام في قلوبهم الى معرفة هذه الدعوة الموصوفة بهذا الوصف والمعنى اتحبون ان تدعوا بدعاء يكون فيه اجتهاد عظيم في الدعاء وقد يظن انه سيذكر دعاء كثيرا والفاظا مطولة فذكر عليه الصلاة والسلام هذه الثلاث كلمات وعدى صلى الله عليه وسلم هذا اجتهادا في الدعاء وهذا يؤكد لنا ان نبينا عليه الصلاة والسلام اوتي جوامع الكلم وكان يعجبه من الادعية الجوامع الكوامل. ويرشد اليها صلوات الله وسلامه عليه فحري بكل مسلم ان يحافظ على هذه الدعوة الموصوفة في هذا الحديث بانها اجتهاد في الدعاء قال ابن القيم رحمه الله ولهذا كان من افضل ما يسأل الرب تبارك وتعالى الاعانة على مرضاته وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال يا معاذ والله اني لاحبك فلا تنسى ان تقول دبر كل صلاة اللهم اعني على ذكرك وشكرك لعبادتك فانفع الدعاء طلب العون على مرضاته وافضل المواهب اسعافه بهذا المطلوب وجميع الادعية المأثورة مدارها على هذا وعلى دفع ما يضاده وعلى تكميله وتيسير اسبابه فتأملها الحاصل ان هذه الدعوة دعوة عظيمة ينبغي ان يعتني بها العبد في ايامه ولياليه واذا كان من المعتنين بها فليبشر فانه من المجتهدين في الدعاء فيواظب عليها دبر كل صلاة واوقات تحري الاجابة اخر الليل وساعة الجمعة وبين الاذان والاقامة وغير ذلك من الاوقات وتكون من دعواته التي يستكثر منها لانها من اعظم ما يكون في باب الاجتهاد في الدعاء وهي وصية المحب لمن احبه فقد اوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه باسلوب فيه لطف وتشويق وترغيب وكان السلف الصالح يتواصون بها فعن ابي عبد الرحمن الحبلي عن الصنابح عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بيده وقال يا معاذ والله اني لاحبك والله اني لاحبك فقال اوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واوصى بذلك معاذ الصنابحي واوصى بها الصنابحي ابا عبدالرحمن وقد افاد هذا الحديث ان لهذه الدعوة مزيد خصوصية ادبار الصلوات وافاد الحديث الاول انها ايضا من الادعية المطلقة التي يستحب الاتيان بها كل وقت وكثير من الناس عنايتهم بها مقصورة على ادبار الصلوات قوله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يستحضر العبد في هذا المقام عجزه وضعفه وانه لا حول له ولا قوة الا بالله وان من لم يكن له من الله عون على عمله لم تنهض نفسه للعمل ولم تقم بشيء من ذلك لانها ظعيفة عاجزة ولهذا ما احوج العبد ان يكون ملحا على الله بهذه الدعوة كل وقت. وبخاصة ادبار الصلوات فاذا اديت الفريضة وشهدتها مع المسلمين في بيوت الله بتيسير من الله استحضر في هذا الموطن هذا التيسير والانعام وتذكر ان هناك فرائض اخرى مقبلة فبادر الى دعاء الله عقب الفريضة ودبرها ان يعينك على اداء ما يأتي كما اعانك على اداء هذا الذي قد اديته فكان في غاية المناسبة ان تواظب دبر كل صلاة على اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وكانك تقول يا الله كما اعنتني على هذه الصلاة ووفقتني للقيام بها فاعني على القادم من الصلوات والاتي من العبادات ولا تكلني الى نفسي طرفة عين فتلح على الله سبحانه بهذه الدعوة دبر كل صلاة وايضا تجعلها من دعائك المطلق في الاوقات المختلفة قوله اللهم اعنا على ذكرك اي اعنا على المواظبة على الذكر وعلى كثرة الاشتغال به والمداومة عليه ما كان منه ذكرا مطلقا او ذكرا مقيدا باوقات وان نكون من الذاكرين لك بالكثرة كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وقال عز وجل والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما وليس المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان فقط بل الذكر القلبي واللساني وذكره يتضمن ذكر اسمائه وصفاته وذكر امره ونهيه وذكر كلامه وذلك يستلزم معرفته والايمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليهم بانواع المدح وذلك لا يتم الا بتوحيده فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه والاءه واحسانه الى خلقه قوله وشكرك اي واعني على المداومة على شكرك على نعمائك وجميل الائك وواسع فضلك وعطائك فتطلب من الله المعونة على الشكر لان كثيرا من الناس عند حدوث النعم تأتيهم ملهيات كثيرة وشواغل عديدة تلهيهم عن شكر المنعم سبحانه فما احوج العبد الى ان يسأل الله دائما ان يعينه على الشكر ليكون من عباد الله الشاكرين ويدخل في الشكر ان تستعمل نعم الله في طاعته والا تستعمل فيما يسخطه ويغضبه سبحانه وتعالى وقد امر الله في كتابه عباده بالشكر ونهاهم عن ضده واثنى على اهله ووصف به خواص خلقه وجعله غاية خلقه وامره ووعد اهله باحسن جزاءه وجعله سببا للمزيد من فضله وعطائه وحارسا وحافظا لنعمته واخبر ان اهله هم المنتفعون باياته ونوع سبحانه دلالاته والحث عليه قال الله تعالى واشكروا نعمة الله ان كنتم اياه تعبدون وقال تعالى واشكروا لي ولا تكفرون وقال تعالى فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون وعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره قال تعالى واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد واخبر سبحانه انه انما يعبده من شكره فمن لم يشكره لم يكن من اهل عبادته فقال سبحانه واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون واخبر ان رضاه في شكره فقال وان تشكروا يرضه لكم وشكر الله سبحانه واجب على كل مسلم وهو السبيل لبقاء النعم ودوامها ونموها كما ان عدم شكر النعمة سبب لزوالها واضمحلالها وقد قيل كل شكر وان قل ثمن لكل نوال وان جل فاذا لم يشكر المرء وقد عرظ النعمة للزوال وقيل ايظا الشكر قيد للنعم الموجودة وصيد للنعم المفقودة وكانوا يسمون الشكر الحافظ لانه يحفظ النعم الموجودة والجالب لانه يجلب النعم المفقودة قوله وحسن عبادتك ولم يقل وعبادتك لان العبادة لا تكون مقبولة الا اذا اتصفت بالحسن قال تعالى وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا وقال تعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا فلا بد ان يكون العمل متصفا بالحسن ليكون مقبولا عند الله سبحانه وتعالى وقد قال العلماء رحمهم الله لا يكون العمل حسنا الا اذا اجتمع فيه وصفان ان يكون لله خالصا وان يكون لسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم موافقا لانه ان لم يكن خالصا رد على صاحبه ولم يقبل منه كما في الحديث القدسي انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك معي فيه غيري تركته وشركه وان لم يكن موافقا لهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام رد على صاحبه ولم يقبل منه كما قال عليه الصلاة والسلام من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد اي مردود على صاحبه غير مقبول منه فسؤال الداعي المعونة على حسن العبادة يتضمن سؤال الله الاخلاص فيها والتوفيق لاصابة السنة قال الفضيل ابن عياض رحمه الله في قوله تعالى ليبلوكم ايكم احسن عملا اخلصه واصوبه قيل يا ابا علي وما اخلصه واصوبه قال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة وقد جمع بين هذين الاصلين في ايات منها الاية التي ختمت بها سورة الكهف وهي قول الله سبحانه فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا واحوال اعمال الناس مع هذين الاصلين اربعة الحالة الاولى عمل خالص لله موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا وحده هو الذي يوصف بالصلاح وهو المقبول الحالة الثانية عمل خالص لله لكنه ليس على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يكثر عند المتعبدة بالاهواء والبدع فعندهم اخلاص للمعبود لكنهم لا يتبعون الرسول عليه الصلاة والسلام وانما يعبدون الله بامور يستحسنونها وقد قال الله تعالى قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا والحالة الثالثة ان يكون العمل موافقا للسنة لكنه لا يكون خالصا لله وانما يكون فيه الرياء او السمعة او ارادة الدنيا بالعمل وقد جاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما على اصحابه وهم يتذاكرون قال ما تذاكرون قالوا نتذاكر فتنة المسيح الدجال قال الا اخبركم بما هو اخوف عليكم عندي من المسيح الدجال قال قلنا بلى قال الشرك الخفي ان يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل وهو يصلي ويزين صلاته لكن ليس لله وانما لما يرى من نظر رجل اليه فقد يكون العمل على السنة في هيئته وصفته ولكنه لا يكون خالصا لله وهو بهذا افتقد شرطا اساسيا للقبول الحالة الرابعة ان يكون العمل ليس خالصا لله ولا ايضا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بان تكون العبادة محدثة والمتقرب بها اليه غير الله تبارك وتعالى اللهم اجعل اعمالنا كلها لك خالصة ولسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم موافقة ولا تجعل لاحد فيها شيئا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته