بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى احمد والحاكم عن ربيعة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الظوا بيا ذا الجلال والاكرام وروى الترمذي عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الضوا بيا ذا الجلال والاكرام هذا حديث عظيم عن نبينا صلى الله عليه وسلم بالحث على هذه الوسيلة العظيمة في باب الدعاء وبين يدي الدعاء وفضل الدعاء بها فيجدر بالمسلم ان يلازمها ويواظب عليها وان يلظ بيا ذا الجلال والاكرام اي يلزم الدعاء بها ويستكثر فان قوله الظوا بيا ذا الجلال والاكرام معناه كما قال ابن الاثير رحمه الله اي الزموه واثبتوا عليه واكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم يقال الظ بالشيء يلظ الضاظا اذا لزمه وثابر عليه وليس المراد بقول نبينا عليه الصلاة والسلام الظوا بيا ذا الجلال والاكرام ان يقول المرء يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الجلال والاكرام يكررها دون ان يدعو ولا يوجد في الدعوات المأثورة عن نبينا عليه الصلاة والسلام تكرار النداء بدون سؤال وطلب فقوله عليه الصلاة والسلام الظوا بيا ذا الجلال والاكرام اي اجعلوا هذا التوسل الى الله عز وجل بانه ذو الجلال اكرام بين يدي ادعيتكم ومطالبكم عندما يسأل المسلم ربه يلذ بهذه الوسيلة يا ذا الجلال والاكرام. فيلزمها ويكثر من الاتيان بها بين يدي دعائه وقد ورد هذا التوسل به باحاديث عديدة عن نبينا عليه الصلاة والسلام فعن ثوبان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والاكرام قال الوليد فقلت للاوزاعي كيف الاستغفار؟ قال تقول استغفر الله استغفر الله. رواه مسلم وفي رواية اذا سلم لم يقعد الا مقدار ما يقول اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والاكرام وفي رواية ابن نمير يا ذا الجلال والاكرام وعن عبد الله ابن ابي الهذيل قال كانوا يحبون اذا قظى الرجل الصلاة ان يقول اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام رواه ابو يعلى وعن انس رضي الله عنه انه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا اللهم اني اسألك بان لك الحمد لا اله الا انت المنان بديع السماوات والارض يا ذا الجلال والاكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الاعظم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى رواه ابو داوود وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو يقول اللهم اني اسألك تمام النعمة فقال اي شيء تمام النعمة قال دعوة دعوت بها ارجو بها الخير قال فان من تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار وسمع رجلا وهو يقول يا ذا الجلال والاكرام فقال استجيب لك فسل وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وهو يقول اللهم اني اسألك الصبر فقال سألت الله البلاء فسله العافية رواه الترمذي وقول النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الرجل الذي سمعه يقول يا ذا الجلال والاكرام استجيب لك فسل هذا يؤكد ما سبق بيانه ان المسلم اذا قال يا ذا الجلال والاكرام لا يكتفي بتردادها او تكرارها دون ان يدعو بل يسأل الله عقب هذه النداءات وعقب هذا التوسل العظيم لله جل وعلا وذو الجلال والاكرام هذا من اسماء الله الحسنى قد ورد هذا الاسم في موطنين من القرآن الكريم كلاهما في سورة الرحمن قوله تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقوله تعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام وهو من الاسماء المظافة وهي معدودة عند جماعة من اهل العلم في اسماء الله الحسنى قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وكذلك اسماؤه المضافة مثل ارحم الراحمين وخير الغافرين ورب العالمين ومالكه يوم الدين واحسن الخالقين وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ومقلب القلوب وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة وثبت الدعاء بها باجماع المسلمين وهو من الاسماء الدالة على جملة اوصاف عديدة لا على معنى مفرد كما نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله بالقواعد المتعلقة باسماء الله الحسنى التي ساقها في كتابه بدائع الفوائد والاظافة في قوله ذو الجلال والاكرام هي من باب اظافة صفاته القائمة به اليه سبحانه وتعالى كقوله ذو الرحمة وقوله ذو القوة فالجلال والاكرام والرحمة والقوة كلها صفات لله مختصة به دالة على عظمته وكماله سبحانه بخلاف قوله تعالى ذو العرش المجيد فانه من باب اضافة المخلوق الى خالقه على وجه التشريف وفي قوله ذو الجلال والاكرام جمع بين نوعين من الوصف كثيرا ما يقرن بينهما في القرآن الكريم كقوله تعالى رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد وقوله فان ربي غني كريم وقوله فان الله كان عفوا قديرا وقوله تعالى والله قدير والله غفور رحيم وقوله وهو الغفور الودود وهو كثير في القرآن قال ابن القيم رحمه الله في اثناء كلام له عن اسمي الحميد المجيد وانهما اليهما يرجع الكمال كله قال واما المجز فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال والحمد يدل على صفات الاكرام والله سبحانه ذو الجلال والاكرام وهذا معنى قوله وهذا معنى قول العبد لا اله الا الله والله اكبر فلا اله الا الله دال على الوهيته وتفرده فيها فالوهيته تستلزم محبته التامة والله اكبر دال على مجده وعظمته وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيرا فالجلال يتضمن التعظيم والاكرام يتضمن الحمد والمحبة قال الخطابي رحمه الله ببيان المعاني التي يحتملها هذا الاسم والمعنى ان الله جل وعز مستحق ان يجل ويكرم فلا يجحد ولا يكفر به قد يحتمل ان يكون المعنى انه يكرم اهل ولايته ويرفع درجاتهم بالتوفيق لطاعته في الدنيا ويجلهم بان يتقبل اعمالهم ويرفع في الجنان درجاتهم وقد يحتمل ان يكون احد الامرين وهو الجلال مضافا الى الله سبحانه بمعنى الصفة له والاخر مضافا الى العبد معنى الفعل منه لقوله سبحانه هو اهل التقوى واهل المغفرة فانصرف احد الامرين والمغفرة الى الله سبحانه والاخر الى العباد وهو التقوى نقل هذه الاحتمالات الثلاثة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ثم قال القول الاول اقربها الى المراد ثم قال واذا كان مستحقا للاجلال والاكرام لزم ان يكون متصفا في نفسه بما يوجب ذلك كما اذا قال الاله هو المستحق لان يؤله اي يعبد كان هو في نفسه مستحقا لما يوجب ذلك واذا قيل هو اهل التقوى كان هو في نفسه متصفا بما يوجب ان يكون هو المتقى ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم اذا رفع رأسه من الركوع بعد ما يقول ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد. وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد اي هو مستحق لان يثنى عليه وان تمجد نفسه والعباد لا يحصون ثناء عليه وهو كما اثنى على نفسه كذلك هو اهل ان يجلى وان يكرم وهو سبحانه يجل نفسه ويكرم نفسه والعباد لا يحصون اجلاله واكرامه والاجلال من جنس التعظيم والاكرام من جنس الحب والحمد وهذا كقوله له الملك وله الحمد فله الاجلال والملك وله الاكرام والحمد ثم قال قوله ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقوله تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام وهو في مصحف اهل الشام تبارك اسم ربك ذو الجلال والاكرام وهي قراءة ابن عامر فالاسم نفسه يدوى بالجلال والاكرام وفي سائر المصاحف وفي قراءة الجمهور ذي الجلال. فيكون المسمى نفسه وفي الاولى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام. فالمدوء وجهه سبحانه وذلك يستلزم انه هو ذو الجلال والاكرام فانه اذا كان وجهه ذا الجلال والاكرام كان هذا تنبيها كما ان اسمه اذا كان ذا الجلال والاكرام كان تنبيها على المسمى. وهذا يبين ان المراد انه يستحق ان يجلى ويكرم وينبغي ان يعلم ان الفقه في اسماء الله الحسنى والمعرفة بمعانيها ودلالاتها له اثره في حياة العبد وعبوديته لله وله اثره في اجابة دعائه وتحقيق رجائه واعطائه سؤله قال قوام السنة الاصفهاني رحمه الله قال بعض العلماء اول فرض فرضه الله على خلقه معرفته فاذا عرفه الناس عبدوه قال الله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله فينبغي للمسلمين ان يعرفوا اسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته ولو اراد رجلا ان يعامل رجلا طلب ان يعرف اسمه وكنيته واسم ابيه وجده وسأل عن صغير امره وكبيره الله الذي خلقنا ورزقنا ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه اولى ان نعرف اسماءه ونعرف تفسيرها وقال ابن القيم رحمه الله فان الله جل ثناؤه وتقدست اسماؤه اذا اراد ان يكرم عبدا بمعرفته ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقبول صفاته العلا وتلقيها من مسكات الوعي عيب فاذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول وتلقاه بالرضا والتسليم. واذعن له بالانقياد فاستنار به قلبه واتسع له صدره وامتلأ به سرورا ومحبة فعلم انه تعريف من تعريفات الله تعالى تعرف به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فانزل تلك الصفة من قلبه منزلة الغذاء اعظم ما كان اليه فاقه اعظم ما كان اليه فاقة ومنزلة الشفاء اشد ما كان اليه حاجة وسكن اليها قلبه فجال من المعرفة في ميادينها واسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها بتيقنه بان شرف العلم تبع لشرف معلومه ولا معلومة اعظم واجل ممن هذه صفته وهو ذو الاسماء الحسنى والصفات العلى وان شرفه ايضا بحسب الحاجة اليه وليست حاجة الارواح قط الى شيء اعظم منها الى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به وطلب الوسيلة اليه والزلفة عنده. ولا سبيل الى هذا الا بمعرفة اوصافه واسمائه فكلما كان العبد بها اعلم كان بالله اعرف وله اطلب واليه اقرب وكلما كان لها انكر كان بالله اجهل واليه اكره ومنه ابعد والله تعالى ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته