بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى النسائي عن انس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علما تنفعني به هذه دعوة مهمة لطالب العلم ولكل مسلم لكن طالب العلم الذي سلك طريق طلب العلم وخطأ الخطوات المباركة في تحصيله بحاجة ماسة لهذه الدعوة العظيمة لان هذا هو مقصود العلم وجلوس مجالسه وقراءة كتبه وحفظه ان ينتفع به ويعمل واذا لم يعمل بهذا العلم اصبح علمه حجة عليه لا له ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الذي هو اعظم العلم واشرفه. قال والقرآن حجة لك او عليك اي حجة لك ان عملت به وحجة عليك ان لم تعمل ولهذا يجب على طالب العلم ان يجعل هذا اصلا يعتني به وينصبه بين عينيه وهو ان ينتفع بما علمه ويكثر من دعاء الله سبحانه وتعالى ان ينفعه بما علمه قوله علمني ما ينفعني اي علمني من العلم ما يكون نافعا لي لا ان يكون ما اتعلمه غير نافع لي او حجة علي فهذا فيه التجاء طالب العلم الى الله سبحانه ان ينفعه بما علمه وان يعلمه ما ينفعه قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله جماع الخير ان يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله الله عليه وسلم فانه هو الذي يستحق ان يسمى علما وما سواه اما ان يكون علما فلا يكون نافعا واما الا يكون علما وان سمي به وقد جمعت هاتان الكلمتان لطالب العلم الخير في هذا الباب لان امور العلم ومسائله منها امور قد حصلها وتعلمها وعرفها وهو بحاجة الى ان يعينه الله على العمل بها وامور اخرى من العلوم لم يتعلمها فهو بحاجة الى ان يتعلمها تعلم المنتفع المستفيد فجمعت هذه الدعوة هذا وهذا ان ينفعك بالشيء الذي تعلمته وحصنته وحفظته وظبطته هذا جانب وفي جانبها الاخر تضمنت ان يعلمك من العلم ما يكون نافعا لك فهي دعوة بان ينفعك بالموجود عندك من العلم وان يعلمك المفقود الذي لم تتعلمه بعد فقوله انفعني بما علمتني اي في الازمنة السابقة وقوله وعلمني ما ينفعني اي فيما بعد قوله وارزقني علما تنفعني به فيه تأكيد للمعنى الوارد في الجملة الثانية ومن هذا الباب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلازم المحافظة عليه كل صباح فيما ثبت في مسند الامام احمد وسنن ابن ماجة من حديث ام سلمة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اذا صلى الصبح حين يسلم اللهم اني اسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا ومن يتأمل هذا الدعاء العظيم يجد ان الاتيان به في هذا الوقت بعد صلاة الصبح في غاية المناسبة لان الصبح هو بداية اليوم ومفتتحه والمسلم ليس له مطمع في يومه الا تحصيل هذه الاهداف العظيمة والمقاصد الجليلة المذكورة في هذا الحديث وهي العلم النافع والرزق الطيب والعمل المتقبل وكأنه في افتتاحه ليومه بذكر هذه الامور الثلاثة دون غيرها يحدد اهدافه ومقاصده في يومه ولا ريب ان هذا اجمع لقلب الانسان واضبط لسيره ومسلكه بخلاف من يصبح دون ان يستشعر اهدافه وغاياته ومقاصده التي يعزم على القيام بها في يومه ولذا نجد المعتنين بالتربية والاداب يوصون بتحديد الاهداف في كل عمل يقوم به الانسان وفي كل سبيل يسلك ليكون ذلك ادعى لتحقيق اهدافه واسلم من والارتباك واضبط له في مساره وعمله وما من شك ان من يسير وفق اهداف محددة ومقاصد معينة اكمل واضبطوا واسلم ممن يسير دون تحديد اهداف ودون تعيين مقاصد والمسلم ليس له في يومه باجمعه بل ليس له في ايامه كلها الا الطمع في تحصيل هذه الاهداف الثلاثة وتكمينها ونيلها من اقرب وجه واحسن طريق وعلى هذا فما اجمل ان يفتتح اليوم بذكر هذه الامور الثلاثة التي تحدد اهداف المسلم في يومه وتعين غاياته ومقاصده وليس المسلم في اتيانه بهذا الدعاء في مفتتح يومه يقصد تحديد اهدافه فحسب بل هو يتضرع الى ربه ويلجأ الى سيده ومولاه بان يمن عليه بتحصيل هذه المقاصد العظيمة والاهداف اذ لا حول له ولا قوة ولا قدرة عنده على جلب نفع او دفع ظر الا باذن ربه سبحانه فهو اليه يلجأ وبه يستعين. وعليه يعتمد ويتوكل فقول المسلم في كل صباح اللهم اني اسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا هو استعانة منه في صباحه واول يومه بربه سبحانه بان ييسر له العسير ويذلل له الصعاب ويعينه على تحقيق غاياته المباركة الحميدة وتأمل كيف بدأ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء بسؤال الله العلم النافع قبل سؤاله الرزق الطيب والعمل المتقبل وفي هذا اشارة الى ان العلم النافع مقدم وبه يبدأ. كما قال الله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات فبدأ بالعلم قبل القول والعمل وفي البدء بالعلم النافع حكمة ظاهرة لا تخفى على المتأمل الا وهي ان العلم النافع به يستطيع المرء ان يميز بين العمل الصالح وغير الصالح ويستطيع ان يميز بين الرزق الطيب وغير الطيب ومن لم يكن على علم نافع فان الامور قد تختلط عليه. فيقوم بالعمل يحسبه صالحا نافعا وهو ليس كذلك. والله تعالى يقول قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وقد يكتسبوا رزقا ومالا ويظنه طيبا مفيدا. وهو في حقيقته خبيث ضار وليس للانسان سبيل الى التمييز بين النافع والضار والطيب والخبيث الا بالعلم النافع ولهذا تكاثرت النصوص في الكتاب والسنة وتظافرت الادلة في الحث على طلب العلم والترغيب في تحصيله وبيان فضله لمن سلك سبيلا قال الله تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث علما نافعا فيه دلالة على ان العلم نوعان علم نافع وعلم ليس بنافع واعظم العلم النافع ما ينال به المسلم القرب من ربه والمعرفة بدينه والبصيرة بسبيل الحق الذي ينبغي ان يسير عليه وتأمل في هذا قول الله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم فحري بالمسلم في يومه ان يعتني بالقرآن الكريم وبمذاكرته ومدارسته وان يعتني بسنة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة له والسارحة لدلالاته ومقاصده قال الحافظ ابن رجب رحمه الله العلم قسمان احدهما ما كان ثمرته في قلب الانسان وهو العلم بالله واسمائه وصفاته وافعاله المقتضي لخشيته ومهابته واجلاله والخضوع له ولمحبته ورجائه ودعائه والتوكل عليه ونحو ذلك فهذا هو العلم النافع كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ان اقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن اذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع وقال الحسن العلم علمان علم على اللسان فذاك حجة الله على ابن ادم وعلم في القلب فذاك العلم النافع والقسم الثاني العلم الذي على اللسان وهو حجة الله كما في الحديث القرآن حجة لك او عليك فاول ما يرفع من العلم العلم النافع وهو العلم الباطن الذي يخالط القلوب ويصلحها ويبقى علم اللسان حجة فيتهاون الناس به ولا يعملون بمقتضاه لا حملته ولا غيره ثم يذهب هذا العلم بذهاب حملته فلا يبقى الا القرآن في المصاحف وليس ثم من يعلم معانيه ولا حدوده ولا احكامه ثم يسرى به في اخر الزمان فلا يبقى في المصاحف ولا في القلوب منه شيء بالكلية وبعد ذلك تقوم الساعة كما قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة الا على شرار الناس وقال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة وفي الارض احد يقول الله الله وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن اخذ العلم فوعاه وعمل به بالنظرة فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه الى من هو افقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم اخلاص العمل لله والنصح لائمة المسلمين ولزوم جماعتهم فان دعوتهم تحيط من ورائهم رواه الترمذي وابن ماجة واحمد وابن حبان وغيرهم ولو لم يكن في فضل العلم وبيان شرفه الا هذا الحديث لكفى به شرفا فان هذه الدعوة النبوية الكريمة المباركة متظمنة لجمال الظاهر والباطن فان النظرة هي البهجة والحسن الذي يكساه الوجه من اثار الايمان وابتهاج الباطن به. وفرح القلب وسروره والتذاذه به فتظهر هذه البهجة والسرور والفرحة نظارة على الوجه ولهذا يجمع له سبحانه بين البهجة والسرور والنظرة. كما في قوله فوقاهم الله شر ذلك اليوم قاهم نظرة وسرورا فالنظرة في وجوههم والسرور في قلوبهم ثم ما يتلقون من نعيم وثواب على ذلك يظهر نظارة على وجوههم كما قال تعالى تعرف في وجوههم النعيم ولا ريب ان هذه الدعوة المباركة لمن حمل السنة وبلغها للامة بالنظرة تحمل البشارة لمن وقف نفسه ووفر جهده لخدمة السنة وابلاغها وفي هذا حفز للهمم واذكاء للعزائم وحمل للنفوس على الجد والمثابرة والصبر والمصابرة وبذل الوسع في تحقيق ذلك وقد دل الحديث على ان للعلم الذي استحق اهله هذه البشارة اربعة مراتب اولها وثانيها سماعه وعقله. فاذا سمعه ووعاه بقلبه اي عقله واستقر في قلبه كما يستقر الشيء الذي يوعى في وعائه ولا يخرج منه وكذلك عقله هو بمنزلة عقل البعير والدابة ونحوها حتى لا تشرد وتذهب والمرتبة الثانية تعاهده وحفظه حتى لا ينساه فيذهب والمرتبة الرابعة تبليغه وبثه في الامة ليحصل به ثمرته ومقصوده وهو بثه في الامة واذا لم يبذل فهو بمنزلة الكنز المدفون في الارض الذي لا ينفق منه وهو معرض للذهاب فان العلم ما لم ينفق منه ويعلم فانه يوشك ان يذهب فاذا انفق منه نمى وزكى على الانفاق وانما دعا صلى الله عليه وسلم لسامع السنة ومبلغها بالنضارة جزاء وفاقا لما قام به من بثها وجعلها بذلك غظة طرية وسعى في نظارة العلم واحياء السنة فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله وقد جاء عن سفيان بن عيينة رحمه الله انه قال ما من احد يطلب الحديث الا وفي وجهه نظرة واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته