بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى احمد والنسائي والحاكم عن عبيد ابن رفاعة الزرقي رضي الله عنه قال لما كان يوم احد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استووا حتى اثني على ربي فساروا خلفه صفوفا فقال اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لما اظللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما اعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك اللهم اني اسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول اللهم اني اسألك النعيم يوم العيلة والامن يوم الخوف اللهم اني عائد بك من شر ما اعطيتنا وشر ما منعت اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا. وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين واحيينا مسلمين والحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهم قاتل الكفرة الذين اوتوا الكتاب اله الحق هذا من الادعية العظيمة قد بدأه النبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله والثناء عليه وتمجيده ثم اردف بذكر دعوات جامعة قوله وانكفأ المشركون اي رجعوا خائبين خاسرين قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استووا حتى اثني على ربي عز وجل استووا اي قوموا صفوفا مستوية اراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يثني على الله وان يتوجه اليه تبارك وتعالى بالدعاء فصاروا خلفه صفوفا اي كما امرهم عليه الصلاة والسلام فقال اللهم لك الحمد كله والحمد هو الثناء على الله سبحانه وتعالى باسمائه الحسنى وصفاته العليا والثناء عليه جل وعلا بنعمه على عباده التي لا تعد ولا تحصى مع حبه وتعظيمه واجلاله سبحانه وقوله كله اي اوله واخره ظاهره وباطنه سره وعلانيته لانه سبحانه ولي النعمة ومسديها ولانه تبارك وتعالى ذو الجلال والكمال في اسمائه وصفاته وعظمته وجلاله وكبريائه فالحمد كله لله تبارك وتعالى قوله اللهم لا قابض لما بسطت اي شيء كتبت له البسط والسعة والبقاء والدوام ليس لاحد ان يقبضه او يمنعه او يحول من تحقيق هذا الذي اردته ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم قوله ولا باسط لما قبضت اي وما قبضه عن عبده من ذلك فلا باسط له. لان الامر كله بيده سبحانه بسطا وقبظا قوله ولا هادي لما اظللت ولا مظل لمن هديت. اي لا سبيل الى نيل الهداية الا من الله فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين ومن يضلله سبحانه فلن تجد له وليا مرشدا وهو اعلم سبحانه وتعالى بمن يصلح للهداية فيهديه ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله قوله ولا معطي لما منعت ولا مانع لما اعطيت اي ما كتبه لعبده من عطاء ورحمة ونعمة وفضل لا يستطيع احد منعه وما منعه الله سبحانه وتعالى عن عبده من الخير والرحمة والنعمة والفضل لا يستطيع احد عطاءه ولهذا جاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال واعلم ان الامة لو اجتمعوا على ان ينفعوك لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف قوله ولا مقرب لما باعدت هذا نظير ما تقدم في الدعاء انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت فمن اخره الله عز وجل وابعده وطرده واحل به سخطه ومقته وغضبه لا يستطيع احد ان يقربه قوله ولا مباعد لما قربت اي وما قربه الله وقدمه ورفعه لا يستطيع احد كائنا من كان ان يباعده عن ذلك وهذا كله تحقيق لوحدانية سبحانه وتفرده بالربوبية خلقا وقدرا وبداية وهداية وانه سبحانه وتعالى المسخر المعطي المانع المقدم المؤخر القابض الباسط المعز المذل المكرم المهين الهادي المضل الى غير ذلك الامر كله بيده جل وعلا لا معطي ولا مانع ولا ضار ولا نافع الا الله وفي هذا شدة حاجة المؤمن الى الصلة بالله وكثرة دعائه ان يحفظ عليه دينه وان يسلمه له وان يعافيه فاذا نال ذلك وحفظه الله وعافاه وقربه لا يستطيع احد ان يباعده او ان يفتنه او ان يصرفه عن الحق لانه محفوظ بحفظ الله سبحانه ثم بعد هذه التوسلات العظيمة والثناء على الله بدأ بذكر المطلوب قال اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك اي وسع علينا في البركة والرحمة والفضل والرزق واعطنا من ذلك كله عطاء واسعا والبسط هو السعة في العطاء فالمطلوب البسط وكان في توسله اثنى على الله تبارك وتعالى بانه لا قابض لما بسط ولا باسط لما قبض وقوله بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك فيه اقرار من العبد ان الفضل بيد الله. والبركة من الله والرحمة من الله والرزق رزق الله وان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم قوله اللهم اني اسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول هذا فيه سؤال الله نعيم الجنة هو النعيم الباقي الدائم المستمر الذي لا يحول ولا يزول لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين قوله اللهم اني اسألك النعيم يوم العيلة. العيلة الفقر وشدة الحاجة ففيه سؤال الله سبحانه ان يسد حاجته وان يغنيه من فقره وان يعيذه من الحاجة الى الناس والافتقار الى ما في ايديهم بحيث لا افتقر الا اليك ولا احتاج الا اليك قوله والامن يوم الحرب اي ان تؤمنني عندما يصيبني او ينتابني خوف وقد كان عليه الصلاة والسلام اذا خاف عدوا قال اللهم انا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم وهذا ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في هذه المعركة معركة احد امنهم الله قال تعالى ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا يغشى طائفة منكم فمن عليهم بنعاس وسكينة حتى انه جاء عن ابي طلحة رضي الله عنه قال كنت فيمن تغشاه النعاس يوم احد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط واخذه ويسقط واخذه قوله اللهم اني عائد بك من شر ما اعطيتنا اي قد يعطى المرء النعمة من صحة او مال او ولد او نحو ذلك وتكون شرا عليه ولهذا سأل الله سبحانه وتعالى ان يعيذه من شر ما اعطاه بحيث يكون ما اعطاه من مال او نعمة او ولد او نحو ذلك عطاء خير ورضا وبركة لا اسوء فيه قوله وشر ما منعت اي ما منعتنا اياه من النعمة فقد يمنع الانسان من المال او الصحة او الولد ونحوها ويكون في ذلك خير له وقد يمنع منها ويكون في ذلك شر عليه كان يمنع من المال مثلا ويصبح فقيرا ويكون فقره خيرا له وقد يكون فقره شرا عليه لان بعظهم لا يتورع حال فقره من الغش والمكر والكذب والخيانة ونحوها من اجل تحصيل المال باي طريقة قوله اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا اي اجعل الايمان حبيبا الى قلوبنا تحبه قلوبنا وتجد له لذة وطعما وحلاوة وعندما يكون الايمان حبيبا للقلب يعظم تمسك العبد به وتعظم محافظته عليه وعنايته به ورعايته له ولابد مع الدعاء من فعل الاسباب ومما يعين على حب الايمان ان يقرأ المسلم في محاسن الدين وفضائله وخيراته وبركاته وعوائده الحميدة في الدنيا والاخرة قوله وزينه في قلوبنا اي اجعل قلوبنا متزينة بزينة الايمان وهذا فيه ان الايمان اكمل زينة واعظم لباس كما قال الله تعالى ولباس التقوى ذلك خير قوله وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان اي اجعل هذه الامور مكروهة عندنا نكرهها ونبغضها والكفر هو الخروج من الدين والانتقال من الملة ولذلك اسباب كثيرة ونواقض عديدة جاء بيانها في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيشمل هذا الدعاء ان يكره الله عز وجل اليك الكفر واسبابه المفضية اليه والفسوق اي الذنوب الكبار والعصيان اي ما دون ذلك من الذنوب وذكرها مرتبة حسب خطورتها. فبدأ بالكفر وهو اخطرها ثم الفسوق ثم العصيان قال الله تعالى ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم قوله واجعلنا من الراشدين اي اجعلنا من عبادك الراشدين الذين عرفوا الحق ولزموه وعملوا به قوله اللهم توفنا مسلمين اي وفقنا للوفاة على الاسلام بحيث نبقى ثابتين عليه محافظين عليه مستقيمين عليه الى ان نموت قوله واحيينا مسلمين اي احينا على الاسلام وهو الاستسلام لله بالاقبال على الاعمال الصالحة والطاعات والقربات التي يتقرب بها ليك قوله والحقنا بالصالحين. اي الحقنا بعبادك الصالحين مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ووفقنا لنعمل بعملهم حتى نلحق بهم ونكون معهم قوله غير خزايا اي غير مهانين ولا مفظوحين وفي دعاء الخليل عليه السلام ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم وفي دعاء اولي الالباب ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد قوله ولا مفتونين اي غير مفتونين في ديننا بامر يصرفنا عنه ويحول بيننا وبين المحافظة عليه قوله اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك واجعل عليهم ردزك وعذابك اي انزل عليهم عقوبتك ونقمتك وانصرنا عليهم وخص الذين يصدون عن سبيله ولم يسأل ذلك لعموم الكفار لان الكافر الذي لا يحارب المسلمين ولا يقاتلهم لا يدعى عليه بهذا الدعاء بل يدعى له بالهداية ويتلطف به لعل الله ان يهديه كما قال الله سبحانه وتعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين قوله اللهم قاتل الكفرة الذين اوتوا الكتاب خص هؤلاء بالذكر لما كان منهم من معاداة للنبي صلى الله عليه وسلم ولكونهم ضيعوا دينهم الذي انزله الله تبارك وتعالى عليهم وعرفهم به فتخلوا عن هذا الدين واحالوه الى دين محرف مبدل فاضاعوا دينهم قوله اله الحق اي المعبود بحق ولا معبود بحق سواك. كما قال الله سبحانه ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل وان الله هو العلي الكبير واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته