بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ان وفد عبد القيس لما اتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال من القوم؟ او من الوفد قالوا ربيعة قال مرحبا بالقوم او بالوفد غير خزايا ولا نداما فقالوا يا رسول الله انا لا نستطيع ان نأتيك الا في شهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر فمرنا بامر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن الاشربة فامرهم باربع ونهاهم عن اربع امرهم بالايمان بالله وحده قال اتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم قال شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام رمضان وان تعطوا من المغنم الخمس ونهاهم عن اربع عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت وربما قال المقير. وقال احفظوهن واخبروا بهن من وراءكم رواه البخاري ومسلم الايمان حقيقة شرعية لا سبيل الى العلم بها الا من خلال كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام كما هو الشأن في جميع الحقائق الشرعية لا يجوز للمرء ان يفسر الايمان بمجرد دلالة اللغة مثل ايضا الصلاة لا يجوز ان يفسرها بمجرد دلالة اللغة على معنى الصلاة او معنى الدعاء او معنى الزكاة فان الحقائق الشرعية تفسر بالدلائل من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قد قال الله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا فقوله ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان اي تفاصيل الايمان وحقائقه لا سبيل الى العلم بها الا من خلال الوحي وفي قصة وفد عبد القيس هذه لما قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام امركم بالايمان بالله وهل تدرون ما الايمان بالله مع انهم عرب يعرفون معنى الايمان ودلالته اللغوية قالوا الله ورسوله اعلم لان القوم يدركون ان الايمان وحي الله وتنزيله ولا سبيل الى العلم به من خلال رأي او عقل او ذوق او دراية باللغة او نحو ذلك بل لا سبيل الى العلم به الا بالوحي. قالوا الله ورسوله اعلم وكانوا اهل لسان عربي يعرفون معنى الايمان من حيث اللغة ولا ينقصهم ذكاء لكن الله حماهم ووقاهم وهداهم وبصرهم وفقههم للزوم الوحي والتقيد بما جاء به فقالوا الله ورسوله اعلم فسر لهم النبي عليه الصلاة والسلام الايمان بالله وشرحه في الحديث بان ذكر لهم اعمال الدين الظاهرة كما انه في حديث جبريل فسر الايمان بعقائد الدين الباطنة ان تؤمن بالله وملائكته الى اخره فالايمان ومعرفته وعقائده وتفاصيله هذه كلها لا سبيل الى العلم بها الا بوحي نازل من الله فالدين لله قال الله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وقال تعالى ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين وقال تعالى ان الدين عند الله الاسلام والايات في هذا المعنى عديدة ولهذا كان اهل السنة والجماعة في هذا الباب وفي عموم ابواب الدين ملازمين لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام معتصمين بالوحي النازل من الله تبارك وتعالى فكان ذلك سبب نجاتهم وفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والاخرة ومن كان مستمسكا بالوحي لن يضل ولن يزيغ. كما قال عليه الصلاة والسلام تركت فيكم ما ان تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله وسنتي وهذا الوفد وفد عبدالقيس وفد مبارك من خير وفود الاسلام ومن اوائل وفود الاسلام ويظهر في هذا الحديث عظم رغبتهم وشدة حرصهم وعظيم اهتمامهم ومكابدتهم الشديدة في سبيل العلم والتعلم ويظهر ادبهم في السؤال وصلاح نيتهم وتمام حرصهم على الخير الى غير ذلك من المعاني الجليلة التي تظهر للمتأمل في هذا الحديث العظيم وهو حديث كثيرة فوائده. ومشتمل على معان عظيمة ودلالات مباركة. وهدايات متنوعة ينبغي تأملها كما ينبغي ان تكون عودة صادقة لكلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لاخذ الايمان وفهم الدين لتتحقق بذلك الهداية اذ لا هداية الا بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولنتأمل في هذا السؤال الكبير الذي هو في الحقيقة اكبر سؤال مرنا بامر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة فما اجله من سؤال وما اعظمه من مقصد وما اكبره من مطلب اتوا النبي صلى الله عليه وسلم واخبروه عن حالهم وعن مكابدتهم وعن عظيم رغبتهم وكانوا صفوة من قومهم اوفدوهم الى النبي صلى الله عليه وسلم وكان الغرض من تلك المكابدة والمشقة هو هذا السؤال وقد اشتمل هذا الحديث على فوائد عظيمة وهدايات مباركة وفيما يلي اشارة الى بعضها فمن فوائد هذا الحديث استحباب سؤال الزائر والوافد عن حاله وبلده حتى يعرف من هو؟ وما مكانته؟ وما منزلته لكي ينزل كل انسان منزلته اللائقة به فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم من القوم؟ او من الوفد وهو سؤال ينبني عليه ما ينبني من معرفة بالوافد ومعرفة بمكانته. ويمكن ايضا من انزاله من منزلة ومن فوائد هذا الحديث التعبير عن البعض بالكل لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم من القوم او من الوفد قالوا ربيعة وهم ليسوا كل ربيعة بل هم بعض رجال ربيعة ومن فوائد هذا الحديث استحباب تأنيس القادم ليأنس ويرتاح وليزول عنه الاستيحاش وذلك بالترحيب به والدعاء له وحسن ملاقاته ونحو ذلك من المعاني لان النبي صلى الله عليه وسلم انسهم ولاطفهم وحياهم ورحب بهم ودعا لهم صلوات الله وسلامه عليه ومن فوائد هذا الحديث ان من سلك طريق الحق والهدى فانه لا يصيبه خزي ولا ندامة ولذلك فان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان رحب بهم قال غير خزايا ولا نداما وغير كما ذكر اهل العلم منصوبة على الحال اي مرحبا بالقوم والحال انكم غير خزايا ولا نداما وذلك ان هؤلاء القوم جاؤوا ينشدون الخير ويطلبون الحق والهدى ويريدون القول الفصل البين الجامع فطابت نيتهم وصلح مقصدهم وعظمت همتهم وقويت رغبتهم في الخير وساروا في دربه وصبيله فكانوا بهذا الشأن كما اخبر عنهم نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله غير خزايا ولا نداما فيستفاد من ذلك ان من سلك جادة الحق وسبيل الهدى واخذ بنفسه في طريق العلم وطلبه وتحصيله وفي سبيل العبادة والطاعة لله سبحانه فانه لا يخزى ولا يندم. بل يكون مآله الفلاح والعاقبة الحميدة في الدنيا والاخرة ومن فوائد هذا الحديث جواز الثناء على الانسان في وجهه اذا امن عليه من الفتنة اما اذا خشي عليه منها فانه لا يمدح وفي الحديث المدح الذبح لكن اذا امن على الشخص الفتنة وكان مدحه والثناء عليه فيه اعتدال وليس فيه مغالاة ومجاوزة للحد فلا بأس بذلك ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لهؤلاء غير خزايا ولا ندامة وهذا وصف لحالهم وهو متضمن الثناء العاطر عليهم ومن فوائد هذا الحديث تقدم اسلام هذا الوفد المبارك وهو من خير وفود الاسلام واولهم ومن فوائد هذا الحديث ان امر الهداية بيد الله سبحانه يهدي جل وعلا من يشاء ويضل من يشاء. الامر بيده جل في علاه وتأمل قول هذا الوفد للنبي صلى الله عليه وسلم انا لا نستطيع ان نأتيك الا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر معنى ذلك ان مضر من حيث المكان اقرب الى بلد الهداية وبلد الاسلام وهؤلاء ابعد وجاؤوا من شقة بعيدة واختاروا لانفسهم وقتا للمجيء الا وهو الشهر الحرام الذي يعظمه الكفار فلا يقاتلون احدا في فكان هذا الحي من مضر بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم اي في طريقهم الى النبي عليه الصلاة والسلام ومعنى ذلك ان كفار مضر اقرب مسكنا واقرب مكانا الى منبع الاسلام ومأرز الايمان والهداية نزلت الى بلد ابعد منهم وعلم المرء بهذا المعنى وتحقق ايمانه به يقوي ايمانه بالله وتوكله على الله وحسن التجائه الى والله في تحصيل الهداية والثبات عليها فلا يغتر الانسان بنفسه ان كان مثلا في بلد ايمان وايضا لا يقنط من الهداية ان كان بعيدا عن بلد الايمان ولهذا قد تعجب حيث ترى اشخاصا نشأوا في بلد كفر وضلال تنزل على قلوبهم هداية الله سبحانه ويشرح صدورهم للاسلام وربما اصبح بعضهم في قوة اسلامه وايمانه وحرصه على دينه اقوى من كثير ممن نشأوا في بلاد الاسلام والله يقول افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فالامر لله وبيده سبحانه ومن فوائد هذا الحديث اهمية صلاح النية في السؤال وهذا امر مهم للغاية لان الناس في سؤالاتهم التي يطرحونها تتفاوت نياتهم ومقاصدهم فمنهم من يسأل بنية صالحة وقصد طيب يريد ان يتعلم دينه وان يتفقه ويرفع الجهل عن نفسه وعن غيره يريد صلاحا وهداية يريد دخول الجنة والنجاة من النار والفوز برضا الله ومن الناس من يستغل المجالس العلمية لطرح بعض الاسئلة التي يسوس بها على الاخرين او مثلا يثير بها الشبهات او مثلا يلفت فيها انظار الناس اليه ومن طلب العلم ليجاري به العلماء او ليماري به السفهاء او يصرف به وجوه الناس اليه ادخله الله النار وانظر هذا الصلاح العظيم في نيتهم في قولهم مرنا بامر فصل ما الغرض من ذلك وما المقصد؟ قالوا نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة اي ننتفع نحن به ونعمل به ونواظب عليه وندخل به الجنة وايضا نخبر الاخرين به وندعوهم اليه ليدخلوا الجنة ولهذا ينبغي ان يكون هذا هو غرظ الانسان في التعلم يتعلم ليدخل الجنة وليدعو الناس الى دخولها ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا الى الجنة ومن فوائد هذا الحديث ابداء العذر عند العجز عن توفية الحق سواء كان هذا الحق مستحبا او واجبا وانظر هذا الادب الجميل في هذا الوفد المبارك لما اتوا النبي صلى الله عليه وسلم اول ما بدأوا به قبل السؤال تقديم العذر قالوا انا لا نستطيع ان نأتيك الا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ومن فوائد هذا الحديث البدء بالسؤال عن الاهم ثم المهم وهذا من اداب العلم والتعلم والسؤال ان يبدأ بالاهم ثم المهم وهذا ظاهر في خبر هذا الوفد بدأوا بالاهم قالوا فمرنا بامر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة ثم سألوه عن الاشربة فبدأوا اولا بالسؤال عن امر فصل يخبرون به من ورائهم ويدخلون به الجنة ثم انتقلوا الى سؤال اقل اهمية منه وهو السؤال عن الاشربة وللحديث صلة في استكمال فوائد هذا الحديث نفعنا الله اجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا واصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته