بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او الى امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه هذا حديث عظيم الشأن جليل القدر يبين مكانة النية من الايمان. ومنزلتها العلية في دين الله سبحانه عن الحسن البصري رحمه الله قال لا يصلح القول الا بعمل ولا يصلح قول وعمل الا بنية ولا يصلح قول وعمل ونية الا بالسنة وعن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال لا يقبل قول الا بعمل ولا يقبل عمل الا بقول ولا يقبل قول وعمل الا بنية ولا يقبل قول وعمل ونية الا بنية موافقة للسنة وعن سفيان الثوري رحمه الله قال الايمان قول وعمل ونية. يزيد وينقص. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ولا يجوز القول الا بالعمل. ولا يجوز القول والعمل الا بالنية ولا يجوز القول والعمل والنية الا بموافقة السنة وعن الامام احمد رحمه الله قال الايمان قول وعمل ونية صادقة وسئل سهل بن عبدالله التستري رحمه الله عن الايمان ما هو فقال هو قول ونية وعمل وسنة لان الايمان اذا كان قولا بلا عمل فهو كفر واذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق واذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة قال ابن بطة العكبري رحمه الله وحسبك من ذلك ما اخبرك عنه مولاك الكريم بقوله وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة فان هذه الاية جمعت القول والعمل والنية فان عبادة الله لا تكون الا من بعد الاقرار به واقام الصلاة وايتاء الزكاة لا يكون الا بالعمل والاخلاص لا يكون الا بعزم القلب ونيته وقد روى البخاري رحمه الله حديث انما الاعمال بالنيات في مواضع عديدة من الصحيح باسناده رحمه الله الى علقمة ابن وقاص الليثي ففي الموضع الاول منها قال علقمة رحمه الله سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما الاعمال بالنيات وذكر الحديث وفي موضع اخر قال علقمة رحمه الله سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس انما الاعمال بالنيات. وذكر الحديث فهاتان الروايتان تفيدان ان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر هذا الحديث في خطبته العامة على منبره صلى الله عليه وسلم تذكيرا بمقام النية العظيم وقيام دين الله عليها وتأسى به في ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخطب به على المنبر مذكرا بمقام النية ومنزلتها العلية ولا يزال دعاة الخير وائمة الصلاح والناصحون لعباد الله يذكرون في كل مقام على المنبر وغيره باهمية النية ومكانتها العظيمة وقد صدر البخاري رحمه الله كتابه الصحيح بهذا الحديث واقامه مقام الخطبة له اشارة منه الى ان كل عمل لا يراد به وجه الله وهو باطن لا ثمرة له في الدنيا ولا في الاخرة ونحسب ان البخاري رحمه الله قد اخلص النية في تأليفه هذا المصنف العظيم فعظمت بركته فلما اخلص رحمه الله النية وصف الطوية نفع الله عز وجل بكتابه البرية وهكذا صنع عدد من اهل العلم مثل صنيعه رحمه الله صدروا مصنفاتهم بهذا الحديث فقد صدر به البغوي رحمه الله كتابيه مصابيح السنن وشرح السنة وكذا النووي رحمه الله في كتابه الاربعين وكذا عبد الغني المقدسي في كتابه عمدة الاحكام والسيوطي في كتابه الجامع الصغير وغيرهم من اهل العلم قال عبدالرحمن بن مهدي لو صنفت كتابا في الابواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الاعمال بالنيات في كل باب. وعنه رحمه الله انه قال من اراد ان يصنف كتابا فليبدأ بحديث الاعمال بالنيات وهذا الحديث احد الاحاديث التي يدور الدين عليها فروي عن الشافعي رحمه الله انه قال هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه وعن الامام احمد رحمه الله قال اصول الاسلام على ثلاثة احاديث حديث عمر انما الاعمال بالنيات وحديث عائشة من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد وحديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين وقال الحاكم حدثونا عن عبدالله بن احمد عن ابيه انه ذكر قوله عليه الصلاة والسلام الاعمال بالنيات وقوله ان خلق احدكم يجمع في بطن امه اربعين يوما وقوله من احدث في ديننا ما ليس منه فارد فقال ينبغي ان يبتدى بهذه الاحاديث في كل تصنيف فانها اصول الاحاديث وعن اسحاق ابن راهويه رحمه الله قال اربعة احاديث هي من اصول الدين حديث عمر انما الاعمال بالنيات وحديث الحلال بين والحرام بين وحديث ان خلق احدكم يجمع في بطن امه اربعين يوما وحديث من صنع في امرنا شيئا ما ليس منه فهو رد وروى عثمان بن سعيد عن ابي عبيد قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم جميع امر الاخرة في كلمة واحدة من احدث في امرنا ما ليس منه فهو رد وجمع امر الدنيا كله في كلمة واحدة. انما الاعمال بالنيات يدخلان في كل باب وعن ابي داوود رحمه الله قال نظرت في الحديث المسند فاذا هو اربعة الاف حديث ثم نظرت فاذا مدار اربعة الاف الحديث على اربعة احاديث حديث النعمان ابن بشير الحلال بين والحرام بين وحديث عمر انما الاعمال بالنيات وحديث ابي هريرة ان الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله امر المؤمنين بما امر به المرسلين الحديث وحديث من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال فكل حديث من هذه الاربعة ربع العلم وعن ابي داوود رحمه الله ايضا قال كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مئة الف حديث انتخبت منها ما تضمنه هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه اربعة الاف وثمانمئة حديث ويكفي الانسان لدينه من ذلك اربعة احاديث احدها قول النبي صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات والثاني قوله صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث قوله صلى الله عليه وسلم لا يكون المؤمن مؤمنا حتى لا يرضى لاخيه الا ما يرضى لنفسه والرابع قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وفي رواية اخرى عنه انه قال الفقه يدور على خمسة احاديث الحلال بين والحرام بين وقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وقوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وقوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة وقوله صلى الله عليه وسلم ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه ما استطعتم وفي رواية عنه قال اصول السنن في كل فن اربعة احاديث حديث انما الاعمال بالنيات وحديث الحلال بين والحرام بين وحديث من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه وحديث ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في ايدي الناس يحبك الناس وللحافظ ابي الحسن طاهر ابن مفوز المعافري الاندلسي قال عمدة الدين عندنا كلمات اربع من كلام خير البرية اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس يعنيك واعملا بنية وقد اراد هؤلاء الائمة التنبيه الى عظم شأن النية ومسيس حاجة المسلم اليها في طلبه للعلم وفي عباداته كلها فان الاعمال معتبرة بنياتها فلا صلاة معتبرة عند الله ولا صيام ولا حج ولا صدقة ولا بر ولا اي قربة الا اذا قامت على نية صالحة بحيث يكون قد ابتغي بالعمل وجه الله تعالى وقوله انما الاعمال بالنيات اي انما الاعمال معتبرة عند الله جل وعلا بنياتها فاذا كانت النية لله خالصة ويبتغى بالعمل وجه الله جل وعلا قبل الله من العامل عمله وان لم يكن العمل كذلك رد على عامله وان كثر وتعدد وتنوع وقد قال الله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا وقال جل وعلا وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال سبحانه الا لله الدين الخالص والايات في هذا المعنى كثيرة فما احوج المرء الى اصلاح نيته ومعالجة قصده وتصحيح ارادته في جميع اعماله في صلاته وصيامه وحجه وجميع طاعاته بالا يبتغي بشيء من ذلك الا وجه الله لانه ليس شيء من ذلك يكون مقبولا مرضيا مشكورا عند الله تعالى الا اذا كان لله خالصا ولن يدخل معه في قبره في صالح عمله وسديد قوله الا ما قصد به وجه الله اما الاعمال التي يعملها العامل يريد بها شهرة او رياء او سمعة او دنيا فانية او غير ذلك من الحظوظ والمبتغيات فكل ذلك لا يكون عند الله مقبولا ولا يكون عنده جل وعلا مرضيا. لان من شرط العمل المقبول ان يكون قد ابتغي به وجه الله عن يحيى ابن ابي كثير رحمه الله قال تعلموا النية فانها ابلغ من العمل وعن زبيد اليامي رحمه الله قال اني لاحب ان تكون لي نية في كل شيء. حتى في الطعام والشراب وعن يوسف بن اسباط رحمه الله قال تخليص النية من فسادها اشد على العاملين من طول الاجتهاد وعن مطرف ابن عبد الله رحمه الله قال صلاح القلب بصلاح العمل. وصلاح العمل بصلاح النية وعن بعض السلف قال من سره ان يكمل له عمله فليحسن نيته. فان الله عز وجل يأجر العبد اذا فحسنت نيته حتى باللقمة وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية وقال سفيان الثوري رحمه الله ما عالجت شيئا اشد علي من نيتي لانها تتقلب علي وذلك ان الصوارف التي تصد العبد عن الاخلاص في الدنيا كثيرة والمقام مقام عظيم للمجاهدة والله تعالى يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ولهذا فان معالجة النية ومجاهدة النفس على الاخلاص لله. امر مطلوب من المسلم الى اخر نفس والى اخر لحظة من الحياة لانه لا يزال تأتيه الصوارف والصواد عن الاخلاص من هنا وهناك فيحتاج كل وقت وكل حين الى معالجة نيته واصلاح مقصده واطابة ارادته وقوله فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله اي من كانت هجرته الى الله ورسوله نية وقصدا فهجرته الى الله ورسوله ثوابا واجرا قال ابن رجب رحمه الله لما ذكر صلى الله عليه وسلم ان الاعمال بحسب النيات وان حظ العامل من عمله نيته من خير او شر وهاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء ذكر بعد ذلك مثالا من امثال الاعمال التي صورتها واحدة ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات وكانه يقول سائر الاعمال على حدو هذا المثال فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان هذه الهجرة تختلف باختلاف النيات والمقاصد بها فمن هاجر الى دار الاسلام حبا لله ورسوله ورغبة في تعلم دين الاسلام واظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك فهذا هو المهاجر الى الله ورسوله حقا وكفاه شرفا وفخرا انه حصل له ما نواه من هجرته الى الله ورسوله ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على اعادته بلفظه لان حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والاخرة ومن كانت هجرته من دار الشرك الى دار الاسلام لطلب دنيا يصيبها او امرأة ينكحها في دار الاسلام فهجرته الى ما هاجر اليه من ذلك الاول تاجر والثاني خاطب وليس واحد منهما بمهاجر وسائر الاعمال كالهجرة في هذا المعنى فصلاحها وفسادها بحسب النية الباعثة عليها. كالصلاة والحج والصدقة وغيرها من اللهم اجعل اعمالنا كلها صالحة واجعلها لوجهك خالصة ولا تجعل لاحد فيها شيئا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته