بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الايمان بضع وسبعون او بضع وستون شعبة فافضلها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان متفق عليه وهذا لفظ مسلم هذا الحديث من اجمع الاحاديث تعريفا بالايمان وبيانا له وانه شعب كثيرة وهو يعرف عند اهل العلم بحديث الشعب او بحديث شعب الايمان ومنهم من افرده بالتصنيف بل منهم من افرد فيه مجلدات كبار وقد افاد هذا الحديث ان للايمان شعبا واجزاء عديدة وليس منحصرا في جانب معين بل يتناول ما يكون بالقلب وما يكون باللسان وما يكون بالجوارح فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث المختصر في الفاظه الجامع في معانيه ودلالاته ما يتعلق وبالقلب وما يتعلق باللسان وما يتعلق بالجوارح على وجه التنبيه لنعرف شموله وتعدد شعبه وتنوع خصاله فقال اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الايمان والحياء مكانه القلب واماطة الاذى عن الطريق فعل بالجوارح وقول لا اله الا الله نطق باللسان وعقيدة في القلب ولنعرف ان هذه الشعب للايمان ليست على مستوى واحد ولا على مرتبة واحدة بل لها اعلى ولها ادنى واعلى شيء في الايمان لا اله الا الله فهي الرتبة العلية والدرجة المنيفة والمنزلة الرفيعة ثم امور الدين تأتي دونها على تفاوت عظيم بينها وادناها اماطة الاذى عن الطريق وبين هاتين الشعبتين شعبة لا اله الا الله التي هي اعلى الشعب وشعبة اماطة الاذى عن الطريق التي هي ادنى الشعب شعب كثيرة منها ما هو اقرب للاعلى ومنها ما هو اقرب للادنى ولنعرف ايضا ان اهل الايمان يتفاضلون فيه اليس من الواضح المتقرر تفاوت اهله في قيامهم بهذه الشعب بل ان المسلم يجد من نفسه في بعض ايامه زيادة واستكثارا من هذه الشعب وفي بعضها قصورا وتقصيرا ولهذا قال الصحابي الجليل عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه الايمان يزيد وينقص قيل وما زيادته ونقصانه قال اذا ذكرنا الله وسبحناه وحمدناه زاد واذا غفلنا نقص فالايمان يزيد وينقص وهذا يحس به كل احد من نفسه وقد اشتمل هذا الحديث العظيم على فوائد كثيرة تتعلق بالايمان فمن فوائده ان الايمان شعب كثيرة وخصال عديدة قال بضع وسبعون شعبة ومن اهل العلم من يرى ان العدد لا مفهوم له. وانما المراد به التكثير الايمان شعب كثيرة وخصال متعددة واعمال متنوعة ومن فوائد هذا الحديث ان الاعمال داخلة في مسمى الايمان سواء منها اعمال الجوارح كاماطة الاذى عن الطريق او اعمال القلوب كالحياء ومن فوائد هذا الحديث ان خصال الايمان ليست على درجة واحدة في الفضل بل هي خصال متفاوتة واعمال متفاضلة وشعب بعضها افضل من بعض ولهذا قال اعلاها وادناها فهذا دال على التفاوت بين شعب الايمان ومن فوائد هذا الحديث ان الايمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف. وان اهله ليسوا فيه على درجة واحدة بل بينهم تفاوت عظيم وذلك بحسب حظهم من شعب الايمان زيادة ونقصا قوة وضعفا ومن المعلوم ان اهل الايمان في قيامهم بهذه الشعب شعب الايمان وخصاله بينهم تفاوت كبير وهم في الجملة في هذا التفاوت ينقسمون الى اقسام ثلاثة ذكرها الله سبحانه في قوله ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير ومن فوائد هذا الحديث اهمية التوحيد وعظم شأنه وانه اول الامر واساسه وعليه قيام دين الله والتوحيد هو مدلول لا اله الا الله فهي كلمة التوحيد وهي كما في هذا الحديث اعلى شعب الايمان فان اعلى شعب الايمان قول لا اله الا الله والمراد بقولها اي بالقلب عقيدة وباللسان نطقا وتلفظا لان الاصل في القول اذا اطلق ان يشمل قول القلب وقول اللسان لقوله تعالى قولوا امنا بالله ليس المراد قولوها بالسنتكم قولا مجردا بل قولوها بقلوبكم ايمانا واعتقادا وبالسنتكم نطقا وتلفظا ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم قل امنت بالله ثم استقم فاعلاها قول لا اله الا الله اي اعلى شعب الايمان ان يقول لا اله الا الله عن عقيدة وايمان وتوحيد اما اذا قال لا اله الا الله قولا مجردا ولم يحقق التوحيد الذي دلت عليه فانها لا تنفعه ومن فوائد هذا الحديث فظل لا اله الا الله وعظم شأن هذه الكلمة المباركة حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال افضل الذكر لا اله الا الله فهي افضل الذكر وهي اعلى شعب الايمان وهي اعظم مباني الاسلام كما قال عليه الصلاة والسلام بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله الحديث وهي مفتاح دعوة الرسل. قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون ومن فوائد هذا الحديث ان التوحيد والعناية به امر مقدم على كل امر فان التقديم يدل على الاهتمام والتعظيم فالنبي عليه الصلاة والسلام قدم هذه الكلمة على كل شعب الايمان وجميع خصال الدين فيستفاد من ذلك ان الواجب على كل مسلم ان تكون عنايته بامر التوحيد تفقها وفهما وعملا مقدما على العناية بامور الدين الاخرى كيف لا والتوحيد هو الاساس الذي يبنى عليه الدين فان مثل كلمة التوحيد في الدين كمثل الاصول للاشجار والاساس للبنيان قال الله تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء ومن فوائد هذا الحديث اهمية الاحسان الى عباد الله بجميع وجوه الاحسان المهيئة والمتيسرة للمرء وان هذا باب من ابواب الرفعة عند الله. ومن ذلك اماطة الاذى عن الطريق اي عن طريق المسلمين واماطة الاذى عن طريق المسلمين عمل يسير لكن ثوابه عند الله ثواب عظيم وهي صدقة من مميط الاذى عن الطريق على اخوانه المسلمين فاماطة الاذى عن الطريق صدقة وهذه الخصلة هي ايضا من الدلائل على تفاوت الناس في الايمان وشعبه وخصاله لانك ان نظرت الى حال الناس مع هذه الشعبة من شعب الايمان تجد انهم في الجملة ثلاثة اقسام قسم يضع الاذى في الطريق وقسم يدع الاذى في الطريق وقسم يميط الاذى عن الطريق وهو من خير الناس وافضلهم وانفعهم لعباد الله وقد جاء في الصحيح ان نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال ان رجلا مر بغصن شجرة ذي شوك في طريق المسلمين فقال والله لا ادع هذا في طريق المسلمين فيؤذيهم فنحاه عن الطريق فشكر الله عمله فادخله الجنة ومن فوائد هذا الحديث الا يتقال المسلم من اعمال البر والاحسان شيئا فقد تقوم بعمل تراه قليلا وتظن ان مثوبته عند الله قليلة ويكون هذا العمل الذي تراه قليلا سببا لدخولك الجنة مثلما حصل في قصة هذا الرجل الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خبره ومن فوائد هذا الحديث اهمية الاخلاص لله سبحانه وتعالى في الاعمال بما فيها الاعمال التي يقصد بها نفع الناس كاماطة الاذى عن الطريق فان هذه الاعمال لا تدخل في صالح عمل المرء الا اذا ابتغى بها وجه الله فمن فعل هذه الاعمال من اجل ثناء الناس ومدحهم ولم يقصد التقرب بها الى الله فانها لا تدخل في صالح عمله اذ لا يدخل في صالح العمل الا ما قصد به التقرب واريد به وجه الله انما نطعمكم لوجه الله. لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ومن فوائد هذا الحديث عظم شأن الحياء وهو من اعمال القلوب وان الحياء من الايمان وداخل في شعبه والحياء خلة مباركة وخصلة عظيمة اذا قامت في قلب العبد حجزته عن الرذائل ودفعته للاقبال على الفضائل ومن نزع من قلبه الحياء لم يبالي بما وقع فيه من شر او فساد وفي الحديث ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستحي فاصنع ما شئت ومن فوائد هذا الحديث الحث على العلم الشرعي والتفقه في دين الله لان النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر ان شعب الايمان كثيرة وان لها اعلى ولها ادنى تضمن هذا الذكر حثا للعباد على تعلم هذا الايمان بشعبه سواء منها ما كان قريبا من الاعلى او ما كان منها قريبا من الادنى ولهذا العلماء رحمهم الله بذلوا جهودا كبيرة في التفقه في هذا الحديث نفسه حتى ان بعضهم افرد فيه مجلدات تفقها في هذا الحديث العظيم ومنهم من امضى في هذا الحديث تفقها فيه السنوات ومن الاخبار العجيبة قصة ابن حبان رحمه الله مع هذا الحديث التي اخبر هو بها عن نفسه قال رحمه الله وقد تتبعت معنى الخبر مدة وذلك ان مذهبنا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم قط الا بفائدة ولا من سنته شيء لا يعلم معناه فجعلت اعد الطاعات من الايمان فاذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا فرجعت الى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الايمان فاذا هي تنقص من البضع والسبعين فرجعت الى ما بين الدفتين من كلام ربنا وتلوته اية اية بالتدبر وعددت كل طاعة اعدها الله جل وعلا من الايمان فاذا هي تنقص عن البظع والسبعين فظننت الكتاب الى السنن واسقطت المعاد منها فاذا كل شيء عده الله جل وعلا من الايمان في كتابه وكل طاعة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الايمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء فعلمت ان مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخبر ان الايمان بضع وسبعون شعبة بالكتاب والسنن فذكرت هذه المسألة بكاملها بذكر شعبه في كتاب وصف الايمان وشعبه بما ارجو ان فيها الغنة للمتأمل اذا تأملها فاغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب الحاصل ان من فوائد هذا الحديث الحث على العلم والترغيب فيه واهمية العناية بمعرفة الايمان ومعرفة شعبه وخصاله المتنوعة ومن فوائد هذا الحديث ان من الايمان ما يكون في القلب ومنه ما يكون باللسان ومنه ما يكون بالجوارح كاماطة الاذى عن الطريق فليس الايمان شيئا يكون في القلب فقط بل الايمان كما قال اهل السنة قول واعتقاد وعمل قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وايضا عمل بالقلب القلب له اعمال كثيرة منها الحياء. كما في هذا الحديث هذا ومن كثرت عليه شعب الايمان واراد ما يعينه على القيام بها والاكثار منها فليكثر من ذكر الله فعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه ان رجلا قال يا رسول الله ان شرائع الاسلام قد كثرت علي فاخبرني بشيء اتشبث به قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله. رواه الترمذي وغيره فدله عليه الصلاة والسلام على شيء يعينه على شرائع الاسلام والاستكثار منها وهو ذكر الله فمن واظب على ذكر الله سبحانه سهلت عليه الشرائع ولانت فان الذكر من اكبر العون على الطاعة فهو يحبب الى العبد الطاعة ويسهلها عليه ويلذذها له بحيث لا يجد لها كلفة ومشقة اعاننا الله اجمعين على ذكره وشكره وحسن عبادته وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته