بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان عيسى عبدالله ورسوله وابن امته وكلمته القاها الى مريم وروح منه وان الجنة حق وان النار حق ادخله الله من اي ابواب الجنة الثمانية شاء رواه مسلم هذا الحديث حديث عظيم في بيان امور الايمان والعقيدة والتوحيد بل قال النووي رحمه الله هذا حديث عظيم الموقع وهو اجمع او من اجمع الاحاديث المشتملة على العقائد لانه اشتمل على اصول العقائد واساس الدين وتضمن اصولا عظيمة واسسا مباركة توجب لمن قام بها وحققها دخول الجنة من اي ابوابها الثمانية شاء كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام هذا الحديث ولهذا جدير بالمسلم ان يعنى بهذا الحديث عناية عظيمة حفظا وفهما وتطبيقا حتى يفوز بهذا الثواب العظيم بدأ صلى الله عليه وسلم هذه الاصول باصل الاصول واعظمها على الاطلاق وهو توحيد الله عز وجل. قال من قال اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وبدأ به لانه هو المقدم وبه يبدأ وهو اول الامر وبقية الاصول تبع له والشهادة لله بالوحدانية لابد فيها من علم بالمشهود به ولابد فيها من اعتقاد ذلك ولابد فيها من نطق واخبار واعلام فهذه كلها من معاني الشهادة فلو نطق بدون علم لا يكون شاهدا. قال الله عز وجل الا من شهد بالحق وهم يعلمون قال غير واحد من المفسرين الا من شهد بلا اله الا الله وهم يعلمون اي معنى ما شهدوا به وقال جل وعلا فاعلم انه لا اله الا الله وعن عثمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم انه لا اله الا الله الله دخل الجنة فلا بد من علم بالمشهود به حتى تستقيم الشهادة ولابد من الاعتقاد لا ان تكون الشهادة مجرد تلفظ باللسان بل لابد من عقيدة مستقرة في القلب ولابد من نطق نطق بهذه الشهادة واخبار واعلام فكل ذلك لا بد منه في الشهادة ولا اله الا الله اعظم الكلمات على الاطلاق. كما قال عليه الصلاة والسلام افضل الذكر لا اله الا الله وقال عليه الصلاة والسلام وخير ما قلت انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهي الكلمة الطيبة كما قال تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة وهي كلمة الحق كما قال عز وجل الا من شهد بالحق وهم يعلمون وهي دعوة الحق كما قال جل وعلا له دعوة الحق وهي العروة الوثقى وهي كلمة التقوى وهي اعظم اركان الدين واهم شعب الايمان وهي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة واصل الدين واساسه ورأس امره وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون ويعرفه العارفون شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم وهي دالة على توحيد الله ووجوب افراده وحده بالعبادة ودلالتها على التوحيد بالنفي والاثبات وهما ركنان لهذه الكلمة ولا توحيد الا بهما النفي في قوله لا اله والاثبات في قوله الا الله ولا يكون المرء موحدا الا بالنفي والاثبات الذين جاء في هذه الكلمة نفي العبادة عن كل من سوى الله واثبات العبادة بكل معانيها لله وحده وقوله وحده لا شريك له. هذا تأكيد للتوحيد واهتمام بمقامه العظيم فقوله وحده تأكيد للاثبات وقوله لا شريك له تأكيد للنفي ولابد من اداء حق هذه الكلمة وفرضها واستيفاء شروطها الواردة في الكتاب والسنة وكل مسلم يعلم ان كل طاعة يتقرب بها الى الله لا تقبل منه الا اذا اتى بشروطها فالصلاة لا تقبل الا بشروطها المعلومة والحج لا يقبل الا بشروطه. وجميع العبادات كذلك لا تقبل الا بشروطها المعلومة من الكتاب قلنا وهكذا الشأن في لا اله الا الله لا تقبل الا اذا قام العبد بشروطها المعلومة في الكتاب والسنة وقد اشار سلفنا الصالح رحمهم الله الى اهمية العناية بشروط لا اله الا الله ووجوب الالتزام بها. وانها لا تقبل الا بذلك ومن ذلك ما جاء عن الحسن البصري رحمه الله انه قيل له ان ناسا يقولون من قال لا اله الا الله دخل الجنة فقال من قال لا اله الا الله فادى حقها وفرضها دخل الجنة وقال وهب بن منبه رحمه الله لمن سأله اليس مفتاح الجنة لا اله الا الله؟ قال بلى ولكن ما من مفتاح الا له اسنان فان اتيت بمفتاح له اسنان فتح لك. والا لم يفتح يشير بالاسنان الى شروط لا اله الا الله قوله وان محمدا عبده ورسوله هذه شهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية وبالرسالة وقد كمل نبينا عليه الصلاة والسلام مقام العبودية اتم تكميل فعبد الله حتى اتاه اليقين صلوات الله وسلامه عليه وكان في عبادته قدوة للمؤمنين واسوة للمتقين لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا وما من مقام من مقامات العبادة الا واتمه عليه الصلاة والسلام واتى به على الوفاء والتمام. فكان في كل عبادة قدوة. وفي كل طاعة اسوة وبلغ عليه الصلاة والسلام الرسالة اوفى بلاغ. وادى الامانة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين وما ترك خيرا الا دل الامة عليه. ولا شرا الا حذرها منه بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا والشهادة له بالرسالة تستوجب طاعته عليه الصلاة والسلام وامتثال امره والرسل انما ارسلوا ليطاعوا ولتمتثل اوامرهم وليتبعوا ويقتضى بهديهم ويسار على نهجهم كما قال تعالى وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله فمن شهد انه رسول الله صلى الله عليه وسلم لزمه ان يطيعه فيما امر وان يصدقه فيما اخبر وان ينتهي عما نهى عنه وزجر. والا يعبد الله الا بما شرع وهاتان الشهادتان لهما شأن عظيم ومكانة عالية فعليهما قيام دين الله وهما مفتاح السعادة ولا نجاة للعبد ولا فوز برضا الله ولا دخول لجنته الا بهذا المفتاح العظيم شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ولهذا فانه في يوم القيامة لا تزول قدم عبد بين يدي الله جل وعلا حتى يسأل عن مسألتين عظيمتين ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا اجبتم المرسلين؟ وجواب الاول شهادة ان لا اله الا الله معرفة وتحقيقا واخلاصا وجواب الثاني شهادة ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة وتحقيقا وانقيادا ومن لم يكن دينه قائما على هذين الاصلين العظيمين لم يقبل الله منه عملا ولم ينتفع بطاعة وقد قال الله جل وعلا في الحديث القدسي انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك معي فيه غيري تركته وشركه وقال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد فدل الحديث الاول ان الاعمال ايا كانت لا قبول لها الا بالاخلاص ودل الحديث الثاني ان الاعمال لا قبول لها الا بالاتباع والاخلاص هو تحقيق شهادة ان لا اله الا الله والاتباع هو تحقيق شهادة ان محمدا رسول الله صلى الله الله عليه وسلم ولهذا قال الامام الفضيل ابن عياض رحمه الله في معنى قول الله جل وعلا ليبلوكم ايكم احسن عملا قال اخلصه واصوبه قيل يا ابا علي وما اخلصه واصوبه قال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة قوله وان عيسى عبد الله ورسوله وابن امته وكلمته القاها الى مريم وروح منه ذكر عيسى عليه السلام دون غيره من الانبياء هنا لان اهل الضلالة تجاذبوا فيه تجاذبا عجيبا فمنهم من جعله الها او ابنا للاله او ثالث ثلاثة ومنهم من حط من قدره حطا سيئا للغاية والحق وسط بين الغلو والجفاء. وبين الافراط والتفريط ولهذا جاءت هذه الشهادة عند اهل الاسلام معتدلة متوسطة لا غلو فيها ولا جفاء وان عيسى عبدالله ورسوله والعبد لا يعبد ولا يؤله والرسول لا يشفى ويكذب بل يطاع ويتبع قوله وكلمته القاها الى مريم عيسى عليه السلام هو كلمة الله ومعنى ان عيسى كلمة الله اي انه اثر الكلمة لا انه نفس الكلمة وقيل له كلمة الله لانه بالكلمة كان. كما قال الله تعالى ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم قلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فليس عيسى هو كلمة كن ولكنه بهذه الكلمة كان قال الله كن فكان. ولهذا قيل له كلمة الله قوله وروح منه اي من الارواح التي خلقها الله عز وجل ولكل واحد من بني ادم روح مخلوقة خلقها الله وروح عيسى عليه السلام هي كذلك من الارواح المخلوقة التي خلقها الله جل وعلا واضافها الله اليه تشريفا لروح عيسى عليه السلام والا فهي روح من الارواح المخلوقة وروح منه اي خلقا كما في قوله عز وجل وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه منه اي خلقا فهذه العقيدة القويمة في شأن هذا الرسول العظيم عليه السلام لا غلو فيها ولا جفاء وانما توسط واعتدال قوله وان الجنة حق اي وشهد ان الجنة حق ويدخل تحت الايمان بان الجنة حق الايمان بان الجنة مخلوقة وانها موجودة اعدها الله سبحانه للمتقين وان فيها من النعيم المقيم والثواب العظيم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والايمان بكل صنوف النعيم وانواع المنن التي اعدها الله سبحانه لاهل الجنة في الجنة قوله وان النار حق اي وشهد ان النار حق ويدخل تحت هذه الشهادة الايمان بانها مخلوقة وانها موجودة وانها اعدت لاهلها وان فيها من صنوف العذاب وانواع النكال ما اعده الله سبحانه للكافرين المعرضين فمن شهد هذه الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالة ولعيسى بالعبودية والرسالة وانه كلمة الله القاها الله الى مريم وروح منه وان الجنة حق وان النار حق ادخله الله من اي ابواب الجنة الثمانية شاء وقوله في تمام هذا الحديث ادخله الله من اي ابواب الجنة الثمانية شاء يدل على فظيلة عظيمة من فظائل التوحيد والايمان وانه موجب لدخول الجنة ثم تكون درجاتهم في الجنة على حسب اعمالهم كما قال تعالى ولكل درجات مما عملوا. فهم يتفاوتون في الجنة تفاوتا عظيما بحسب تفاوتهم في الايمان والاعمال الصالحة والطاعات المقربة الى الله سبحانه فمنهم من هو في اعلى الجنة ومنهم من هو دون ذلك. فاهل الجنة يتفاضلون في منازلهم والجنة درجات بعضها فوق بعض وفي الجنة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والارض. اللهم انا نسألك الجنة وما قرب اليها من قول او عمل ونعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول او عمل وان ترزقنا حقيقة توحيده وقوة الايمان والثبات على الحق وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته