بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال ان الله لا ينام ولا ينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. رواه مسلم هذا الحديث من اجمع الاحاديث في الايمان والاعتقاد وخاصة الاعتقاد في الله سبحانه ايمانا به سبحانه وبصفاته العظيمة ونعوته الجليلة وما من شك ان هذه المعرفة بالله هي اساس الهداية والفلاح في الدنيا والاخرة فان العبد كلما كان بالله اعرف كان منه اخوف ولعبادته اطلب وعن معصيته ابعد فلا غرو ان يكون من اعظم الركائز التي تبنى عليها دعوات النبيين عليهم صلوات الله وسلامه تعريفا باسماء الله الحسنى وصفاته العليا ونعوته العظيمة وهذه المعرفة هي بوابة الهداية والاقبال على الله عز وجل طاعة وخضوعا وتذللا وانقيادا لامر به سبحانه ولنتأمل قول ابي موسى الاشعري رضي الله عنه في هذا الحديث الجامع قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات اي قام فينا خطيبا واعظا ومبينا ومعلما صلوات الله وسلامه عليه وفيه ان هذا القيام الذي قامه النبي عليه الصلاة والسلام اي على قدميه ناصحا للعباد انحصر في الايمان بالله معرفة به وباسمائه سبحانه وصفاته فلم يزد في قيامه هذا على ذلك شيئا اخر من امور الدين وعلومه العظيمة ويستفاد من هذا حاجة العباد الى مثل هذا القيام نصحا لهم بتعليم الاعتقاد وتعريفهم بالله سبحانه وباسمائه الحسنى وصفاته العظيمة الدالة على كماله وجلاله وعظمته وذلك ان القلوب اذا ضعفت فيها هذه المعرفة بالله عز وجل ظعف فيها الدين والاقبال على الله والفرار اليه والخوف من عقابه وسخطه جل في علاه ويعد هذا الحديث اصلا عظيما في افراد الاعتقاد بالتعليم والدراسة بان يفرد له دروس خاصة وان يفرد لبيانه مؤلفات خاصة ومجالسه خاصة اهتداء بهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام واقتداء بسنته كما في هذا الحديث العظيم الجامع وغيره من احاديثه عليه الصلاة والسلام التي انما قامت على بيان هذا الامر الذي هو اعظم الامور واجلها وارفعها شأنا ويعد ايضا جامعا في بابه اعني باب المعرفة بالله عز وجل والتعريف بالرب العظيم سبحانه فهو حديث اخلص لذلك كما ان اية الكرسي التي هي اعظم اية في كتاب الله عز وجل اخلصت للتعريف بالرب والدعوة الى لتوحيده فذكر فيها من اسماء الله الحسنى خمسة اسماء ومن صفاته ما يزيد على العشرين صفة وما اجتمع فيها من التعريف بالرب لم يأتي مثله في اية اخرى من القرآن. وانما جاء في ايات متفرقات ولهذا جاء في صحيح مسلم في قصة ابي ابن كعب رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ابا المنذر اتدري اي اية من كتاب الله معك اعظم قال قلت الله ورسوله اعلم قال يا ابا المنذر اتدري اي اية من كتاب الله معك اعظم قال قلت الله لا اله الا هو الحي القيوم قال فضرب في صدري وقال والله ليهنك العلم ابا المنذر اي هنيئا لك هذا العلم العظيم الذي ساقه الله اليك واكرمك به حيث ادرك رضي الله عنه ان هذه الاية التي اخلصت لبيان التوحيد وذكر ابراهيمه اعظم اية في القرآن وهذا الحديث شأنه كذلك حيث اخلص لبيان هذا الامر حتى قال بعض اهل العلم هذا الحديث معناه مسبوق من معنى اية الكرسي هو سيد الاحاديث كما انها سيدة الايات تنبيها على عظم شأن هذا الحديث وعظم المضامين التي اشتمل عليها وعندما نتأمل في هذه الصفات التي جمعت في هذا الحديث العظيم نجد انها تلتقي مع ما جاء في اية الكرسي وما جاء في اي القرآن الاخرى في هذا الباب الشريف العظيم باب التعريف بالرب سبحانه وفي هذا المقام يجدر التنبيه الى امر جليل القدر الا وهو اثر صحة الاعتقاد على استقامة العمل وصلاح السلوك فان المعتقد كلما صح معرفة بالله وايمانا به واوصافه العظيمة وصفاته الجليلة كان في ذلك اكبر معونة للعبد على اقامة نفسه على طاعة الرب امتثالا لامره واجتنابا لنهيه سبحانه وقد انتظم هذا الحديث خمس جمل وقد انتظم هذا الحديث خمس جمل نصف جمل اية الكرسي وهي جمل تامة وافية بالتعريف بالله سبحانه الجملة الاولى قوله عليه الصلاة والسلام ان الله عز وجل لا ينام اي انه سبحانه منزه عن النوم وعن مقدماته لان النوم نقص وانما ينام من هو محتاج للراحة والخلاص من العناء والتعب والنوم موتة صغرى ولهذا فان من نام يقول بعد قيامه من نومه الحمد لله الذي احيانا بعد ما اماتنا وهو دليل على نقص هذا الانسان وضعفه وفقره وحاجته واما الله عز وجل فانه غني غنى ذاتي من كل وجه ولا يلحقه في شيء من صفاته اي نقص وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الله لا ينام اثبات لكمال حياة الله سبحانه واثبات لكمال قيوميته ولهذا قال الله في اية الكرسي اعظم اية في القرآن الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم والسنة هي بدايات النوم ومقدماته وهو النعاس والله منزه عن ذلك كله لكمال حياته وكمال قيوميته وهو الحي الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم ولا يلحقها ثناء ولا يعتريها نقص ولا تلحقها افة من فات والقيوم اي القائم بنفسه المقيم لخلقه سبحانه وهذه المعرفة بالله سبحانه تدعو العبد الى انواع كثيرة من العبوديات وحسن الاقبال على الله ومن ذلك التوكل وتفويض الامور اليه وتوكل على الحي الذي لا يموت ومن ذلك المراقبة واصلاح العمل لان الديان لا ينام قال ابو الدرداء رضي الله عنه البر لا يبلى والاثم لا ينسى والديان لا ينام فكن كما شئت فكما تدين تدان والديان هو المجازي المحاسب وهو شهيد رقيب عليم خبير مطلع على العباد في كل وقت وحين الجملة الثانية قوله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي له ان ينام اي كما ان النوم لا يقع له والرب منزه عنه فهو ايضا في حقه ممتنع ومستحيل لان كلمة لا ينبغي كما انها تأتي في الممنوع والمحظور شرعا فانها تأتي ايضا في الممتنع المستحيل كقول الله سبحانه في اواخر سورة مريم وما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولدا اي هذا ممتنع في حقه ومثله قول نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ولا ينبغي له ان ينام اي ان هذا ممتنع في حقه سبحانه ففيه تأكيد للمعنى الاول في هذه المعرفة العظيمة بالله وان الواجب على العباد ان يعرفوا ربهم سبحانه انه لا ينام ولا ينبغي ان ينام. فالنوم مستحيل حيل وممتنع في حقه وهو منزه عنه الجملة الثالثة قول النبي صلى الله عليه وسلم يخفض القسط ويرفعه وهذه الجملة فيها اثبات كمال عدل الله عز وجل وكمال تدبيره. وان كل شيء عنده بميزان. وكل امر يدبره بمقدار يدبر امور الخلق بالعدل فلا ظلم ولا حيفا ولا هضم والقسط هو الميزان والعدل. فهو عدل لا يظلم والامور كلها بميزان فيما يتعلق باعمال العباد وما يرفع اليه منها. كما سيأتي في الجملة التي بعده وفيما يتعلق بما هو نازل منه للعباد من ارزاق ونعم قال تعالى وما ننزله الا بقدر معلوم فارزاقه سبحانه بمقدار. وتدبيره بمقدار واموره كلها قائمة على العدل في احكامه وجزائه وتدبيره فوجب على العبد ان يكون على معرفة بربه وان يدرك في هذا الباب ان هذه الحياة هي ميدان امتحان ودار ابتلاء يبتلي الرب سبحانه العباد فيعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويقبض ويبسط ويعز ويذل كل يوم هو في شأن تدبيرا لكنه لا يظلم سبحانه وتعالى احدا وما ربك بظلام للعبيد فاموره كلها قائمة على العدل وكلها بميزان ومقدار ولهذا ينبغي على العبد ان يكون معظما لله مقبلا عليه في شدته ورخائه وفي عسره ويسره مؤمنا بربه سبحانه وهذه حال المؤمن الصادق الايمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير اي في رخائه وشدته ولهذا قال ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبرا فكان خيرا له الجملة الرابعة قوله عليه الصلاة والسلام يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل فيه عرض الاعمال على الله سبحانه. اعمال النهار ترفع الى الله وتعرض عليه قبل الليل واعمال الليل ترفع الى الله وتعرض عليه قبل النهار ومما يوضح هذا المعنى في هذا الحديث ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم اي الى الله فيسألهم وهو اعلم بهم واعلم منهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون واتيناهم وهم يصلون وهذا يدعو العبد الى الاصلاح من شأن نفسه واعماله فاذا امسيت فلا تنتظر الصباح واذا اصبحت فلا تنتظر المساء وكن مسارعا في العمل ومسابقا الى الخيرات لان عمل الليل يرفع قبل النهار وعمل النهار يرفع قبل الليل ترفعه الملائكة الجملة الخامسة قوله عليه الصلاة والسلام حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وهذا فيه اثبات الوجه صفة لله واثبات البصر صفة لله واثبات السبوحات صفة للوجه وسبحات الوجه اي بهاؤه وجماله قال حجابه النور والظمير عائد الى الله وهذا فيه اثبات الحجاب وذكر الحكمة منه قال لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وبصره سبحانه محيط بجميع المخلوقات العلوية والسفلية فلو كشف الحجاب لاحرق العالم العلوي والسفلي لكن حجابه النور ويوم القيامة يعطي سبحانه المؤمنين حياة وقوة اكمل من هذه الحياة يتمكنون بها من نيل شرف رؤية الله ولهذا جاء في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا دخل اهل الجنة الجنة يقول الله سبحانه تريدون شيئا ازيدكم؟ فيقولون الم تبيض وجوهنا؟ الم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال في كشف الحجاب فما اعطوا شيئا احب اليهم من النظر الى ربهم عز وجل وهذا يحرك في قلب العبد الشوق الى لقاء الله والنظر الى وجهه الكريم سبحانه وكان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام في خاتمة صلاته واسألك لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك بغير ضراء مضرة ولا فتنة مظلة وفي هذا المقام ايضا يعتني العبد بالعبودية التي ينال بها هذا الموعود العظيم والفظل العميم كما هو موضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته. فان استطعتم الا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا اي اذا عرفتم ان الله عز وجل يكرم اولياءه وعباده بالنظر اليه وهذا شرف عظيم فاعملوا الاعمال التي ينال بها ذلك واعظمها الصلاة والمواظبة عليها والعناية بها في اوقاتها الحاصل ان هذا حديث عظيم جليل القدر كبير الفائدة ينبغي على المسلم ان يعنى بفهمه فهما صحيحا يثمر عملا رشيدا وطاعة زاكية وحسن تقرب لله عز وجل وفقنا الله اجمعين لكل خير وهدانا اليه صراطا مستقيما وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته