بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من احصاها دخل الجنة. رواه البخاري ومسلم ان من مقامات الدين العظيمة ومنازله العلية الرفيعة معرفة الرب العظيم والخالق الجليل بمعرفة اسمائه الحسنى وصفاته العليا وما تعرف به الى عباده في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل ان هذا اساس من اسس الدين العظيمة واصل من اصول الايمان المتينة وقوام الاعتقاد واصله واساسه وحينما يعرف المخلوق خالقه وربه وسيده وبارئه ومولاه فيتعرف على عظمته وجلاله وجماله وكبريائه ويتعرف على اسمائه الحسنى وصفاته العليا بظوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يحقق بذلك ايمانه وفي القرآن ايات متكاثرة ونصوص متظافرة فيها الدعوة الى معرفة الله ومعرفة اسمائه الحسنى وصفاته العليا وبيان ما يترتب على هذه المعرفة من الاثار الحميدة والعواقب الرشيدة والمآلات الطيبة يقول الله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ويقول تعالى قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن ايا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى ويقول تعالى الله لا اله الا هو له الاسماء الحسنى ويقول جل وعلا هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم بل جاء في القرآن الكريم ايات صريحة فيها الدعوة الى تعلم الاسماء والصفات ومعرفتها ومعرفة الله تبارك وتعالى بها وفي القرآن الكريم قرابة الثلاثين اية فيها الدعوة الى العلم باسماء الله وصفاته كقوله جل وعلا فاعلموا ان الله عزيز حكيم وقوله تبارك وتعالى اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم وقوله تبارك وتعالى واعلموا ان الله غني حميد وقوله تبارك وتعالى واعلموا ان الله سميع عليم وقوله تبارك وتعالى فاعلم انه لا اله الا الله وقوله جل وعلا الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل بشيء علما والايات في هذا المعنى كثيرة ان معرفة اسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة باب شريف من العلم له الاثر البالغ على من اعتنى به وفهمه وهو من اعظم اسباب دخول الجنة كما تقدم في الحديث من احصاها دخل الجنة ولا ريب ان هذا الفضل العظيم المترتبة على احصاء هذا العدد من اسماء الله يحرك في النفس الجد في نيل هذا المطلب العظيم والسعي في تكميله والحرص الشديد على تحقيقه ولقد نبه العلماء رحمهم الله انه ليس المراد باحصاء اسماء الله عد حروفها فقط بلا فقه لها او عمل بها بل لا بد في ذلك من فهم معناها والمراد بها فهما صحيحا سليما ثم العمل بما تقتضيه قال ابو عمر الطلمنكي رحمه الله من تمام المعرفة باسماء الله وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة بالاسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد وتدل عليه من الحقائق ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالما لمعاني الاسماء ولا مستفيدا بذكرها ما تدل عليه من المعاني تنبه رحمه الله الى ان تمام المعرفة بالاسماء الحسنى والتي ينال الداعي بها لله هذا الثواب العظيم الوارد في الحديث انما يكون بالمعرفة بالاسماء وبما تتضمنه من الفوائد وتدل عليه من الحقائق لا عدها فقط دون فهم لها او علم بما تدل عليه وقد ذكر ابن القيم رحمه الله ان لاحصاء اسماء الله الحسنى ثلاث مراتب بتكميلها وتحقيقها ينال العبد ثواب الله العظيم المذكورة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم المرتبة الاولى احصاء الفاظها وعددها المرتبة الثانية فهم معانيها ومدلولاتها المرتبة الثالثة دعاء الله بها وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة فبتحقيق هذه المراتب الثلاثة العظيمة يكون الاحصاء الصحيح لهذا القدر من اسماء الله الحسنى قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله لما كان هذا النوع هو اصل الايمان بالغيب واعظمه واجله قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من احصاها دخل الجنة اي ضبط الفاظها واحصى معانيها وتعلقها في قلبه وتعبد الله بها وتقرب بمعرفتها الى رب العالمين وعليه فان من انفع ما يكون للعبد في هذا الباب مطالعة مقتضيات الاسماء الحسنى والتأمل في موجباتها فان كل اسم من اسماء الله الحسنى يقتضي اثاره من الخلق والتكوين فاسمه الحميد المجيد يمنع ترك الانسان سدا مهملا معطلا لا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب وكذلك اسمه الحكيم يأبى ذلك وكذلك اسمه الملك واسمه الحي يمنع ان يكون معطلا من الفعل بل حقيقة الحياة الفعل فكل حي فعال وكونه سبحانه خالقا قيوما من موجبات حياته ومقتضياتها واسمه السميع البصير يوجب مسموعا ومرئيا واسمه الخالق يقتضي مخلوقا وكذلك الرزاق واسمه الملك يقتضي مملكة وتصرفا وتدبيرا واعطاء ومنعا واحسانا وعدلا وثوابا وعقابا واسمه البر المحسن المعطي المنان ونحوها تقتضي اثارها وموجباتها واسم الغفار التواب العفو يقتضي وجوب جناية من الامم تغفر وتوبة تقبل وذنوبا يعفى عنها وهكذا الشأن في جميع اسمائه الحسنى ومن تأمل في سريان اثار الاسماء والصفات في الامر والعالم هداه الى الايمان بكمال الرب سبحانه في فان حسنى وصفاته العليا وافعاله الحميدة وانه سبحانه له في كل ما قضاه وقدره الحكمة البالغة والايات الباهرة والتعرفات الى عباده باسمائه وصفاته واستدعاء محبتهم له وذكرهم له وشكرهم له وتعبدهم له باسمائه الحسنى فكل اسم له تعبد مختص به. علما ومعرفة وحالا ولا يتحقق شيء من هذا الا بمثل هذا النظر والتدبر النافع في كل اسم وما يقتضيه واكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الاسماء والصفات التي يطلع عليها البشر فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم اخر كمن يحجبه التعبد بسم الله القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم او يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع او التعبد باسماء التودد والبر واللطف والاحسان عن اسماء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء ونحو ذلك وهذه طريقة الكمل من السائرين الى الله وهي طريقة مشتقة من القرآن الكريم قال الله تعالى ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها والدعاء بها يتناول دعاء المسألة ودعاء الثناء ودعاء التعبد وهو سبحانه يدعو عباده الى ان يعرفوه باسمائه وصفاته وان يثنوا عليه بها وان يأخذوا بحظهم من عبودياتها وهو جل وعلا يحب اسماءه وصفاته ويحب ظهور اثارها في خلقه فان ذلك من لوازم كماله وفتح سبحانه لعباده ابواب معرفته والتبصر باسمائه وصفاته وكل اسم من اسماء الله وكل صفة من صفاته له عبودية خاصة هي من مقتضياتها ومن موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع انواع العبودية التي على القلب والجوارح وبيان ذلك ان العبد اذا علم بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والاحياء والاماتة فان ذلك يثمر له عبودية التوكل على الله باطنا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا قال الله تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا وقال تعالى وتوكل على العزيز الرحيم وقال تعالى رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا وقال تعالى وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا واذا علم العبد بان الله سميع بصير عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات والارض وانه يعلم السر واخفى ويعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وانه تبارك وتعالى احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا فمن علم باطلاع الله عليه ورؤيته له واحاطته به فان ذلك يثمر له حفظ اللسان والجوارح وخطرات القلب عن كل ما لا يرضي الله وجعل تعلقات هذه الاعضاء بما يحبه الله ويرضاه قال الله تعالى الم يعلم بان الله يرى وقال تعالى واتقوا الله ان الله سميع عليم وقال تعالى اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير وقال تعالى واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم فاحذروا فلا ريب ان هذا العلم يورث في العبد خشية الله ومراقبته والاقبال على طاعته والبعد عن مناهيه واذا علم العبد بان الله غني كريم بر رحيم واسع الاحسان وانه تبارك وتعالى مع غناه عن عباده فهو محسن اليهم رحيم بهم يريد بهم الخير ويكشف عنهم الضر لا لجلب منفعة اليه من العبد ولا لدفع مضرة بل رحمة منه واحسانا فهو سبحانه لم يخلق خلقه ليتكثر بهم من قلة ولا ليعتز بهم من ذلة ولا ليرزقوه ولا لينفعوه ولا ليدفعوا عنه كما قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون. ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقال تعالى وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا وقال تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني رواه مسلم فاذا علم العبد ذلك اثمر فيه قوة رجائه بالله وطمعه فيما عنده وانزال جميع حوائجه به واظهار افتقاره اليه واحتياجه له قال تعالى يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله. والله هو الغني الحميد والرجاء يثمر انواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفة العبد وعلمه وبهذا يعلم ان العبودية بجميع انواعها راجعة الى مقتضيات الاسماء والصفات ولهذا فانه يتأكد على كل عبد مسلم ان يعرف ربه ويعرف اسماءه وصفاته معرفة صحيحة سليمة وان يعلم ما تضمنته واثارها وموجبات العلم بها فبهذا يعظم حظ العبد ويكمل نصيبه من الخير رزقنا الله الفقه في اسمائه وصفاته وتحقيق عبودياتها وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته