بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن معاذ رضي الله عنه قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير فقال يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله اعلم قال فان حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله الا يعذب من لا يشرك به شيئا. فقلت يا رسول الله افلا ابشر به الناس؟ قال لا تبشرهم فيتكلوا. رواه البخاري ومسلم هذا حديث عظيم الشأن. وعليه مدار الاسلام في بيان اصل من اصول الايمان واساس عليه مدار دين الله الا وهو افراد الله وحده بالعبادة وهذا حق الله سبحانه على عباده من اولهم الى اخرهم ولاجله خلق الله الجن والانس كما قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وهو اول الحقوق واكدها واعظمها والزمها لصلاح البشرية وهو الذي لاجله شرعت الشرائع. وبوجوده صلح العباد وبفقده يكون الشر والفساد وهو زبدة دعوة الرسل وغاية رسالتهم. كما قال الله تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان يعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وقال وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون قوله هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله هذه طريقة نافعة في التعليم كثيرا ما تتكرر في احاديث النبي عليه الصلاة والسلام. يلقي العلم على طريقة السؤال ليشد الذهن لتلقي الفائدة وليهئ نفس سامعه والمتلقي عنه لاستيعاب ما يقال قوله قلت الله ورسوله اعلم. هذا فيه كمال ادب الصحابة وحسن طريقتهم وبعدهم عن الخوض فيما لا علم لهم به فما كان الواحد منهم يخوض في شيء من امر الدين بدون علم قوله حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا هذا حق واجب وفرض لازم خلق الله تبارك وتعالى الخلق لاجله واوجدهم لتحقيقه ولا يسع اي احد من الناس تركه وهو يتضمن امرين الاول فعل العبادة والقيام بها وافراده سبحانه وتعالى بها ان يعبدوه وهذا فيه تعلم العبادة والتوحيد ليعمل به العبد الثاني البعد عن الشرك والسلامة من الوقوع فيه قال ولا يشركوا به شيئا والنكرة في سياق النفي تعم اي لا يشرك به اي شيء من الشرك. قليل او كثير. صغير او كبير وهذا فيه اهمية معرفة الشرك ليحذر ويتقى لان في معرفته معونة على الحذر منه قوله حق العباد على الله الا يعذب من لا يشرك به شيئا هذا حق اوجبه الله على نفسه تفضلا وتكرما منه على عباده وهذا فيه فضيلة التوحيد وان من لا يشرك بالله شيئا لا يعذبه الله ويأتي في هذا المعنى احاديث كثيرة مثل قوله صلى الله عليه وسلم ان الله حرم على النار من قال لا اله الا الله يبتغي بذلك وجه الله وقوله في الحديث القدسي يا ابن ادم انك لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة قوله افلا ابشر به الناس هذه بشارة عظيمة وامر مفرح للغاية فمعاذ رضي الله عنه من صغار الصحابة وبمجرد ان سمع هذا الذي سره استأذن من النبي صلى الله عليه وسلم ان يبشر به الناس وهذا فيه استحباب بشارة المسلم بما يسره قوله لا تبشرهم فيتكلوا ان يتكلوا على الفضل والرحمة التي تضمنتها هذه البشارة العظيمة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام فيحصل منهم نوع من التراخي والفتور عن العمل وفي رواية فاخبر بها معاذ عند موته تأثما. اي تحرجا من الاثم وفي الحديث فقه معاذ رضي الله عنه وفضيلته حيث خصه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الامر واخبره بهذا الخبر وقد تبين في هذا الحديث فضل التوحيد ومكانته العظيمة وما فيه من مغفرة الذنوب وتكفير السيئات وهذا من بعض فضائله واثاره ومن فضائل التوحيد انه السبب الاعظم لتفريج كربات الدنيا والاخرة ودفع عقوباتهما ومن اجل فوائده انه يمنع الخلود في النار اذا كان في القلب منه ادنى مثقال حبة من خردل وانه اذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية ومنها انه يحصل لصاحبه الهدى الكامل والامن التام في الدنيا والاخرة ومنها انه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه وان اسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه ومن اعظم فضائله ان جميع الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ردت بالثواب عليها على التوحيد فكلما قوي التوحيد والاخلاص لله كملت هذه الامور وتمت ومن فضائله انه يسهل على العبد فعل الخيرات وترك المنكرات ويصليه عن المصيبات المخلص لله في ايمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي لما يخشى من سخطه وعقابه ومنها ان التوحيد اذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الايمان وزينه في قلبه وكره اليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله من الراشدين ومنها انه يخفف على العبد المكاره ويهون عليه الالام فبحسب تكميل العبد للتوحيد والايمان يتلقى المكاره والالام بقلب منشرح ونفس مطمئنة وتسليم ورضا باقدار الله المؤلمة ومن اعظم فضائله انه يحرر العبد من رق المخلوقين. والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم. والعمل لاجلهم وهذا هو العز الحقيقي والشرف العالي ويكون مع ذلك متألها متعبدا لله لا يرجو سواه ولا يخشى الا اياه. ولا ينيب الا اليه. وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه ومن فضائله التي لا يلحقه فيها شيء ان التوحيد اذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققا كاملا بالاخلاص التام فانه يصير القليل من عمله كثيرا وتضاعف اعماله واقواله بغير حصر ولا حساب ورجحت كلمة الاخلاص في ميزان العبد بحيث لا تقابلها السماوات والارض وعمارها من جميع خلق الله كما في حديث البطاقة التي فيها لا اله الا الله التي وزنت تسعة وتسعين سجلا من الذنوب كل سجل يبلغ مد البصر وذلك لكمال اخلاص قائلها وكم ممن يقولها ولا تبلغ هذا المبلغ لانه لم يكن في قلبه من التوحيد والاخلاص الكامل مثل ولا قريب مما قام بقلب هذا العبد ومن فضائل التوحيد ان الله تكفل لاهله بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وحصول الهداية والتيسير لليسرى واصلاح الاحوال والتسديد في الاقوال والافعال ومنها ان الله يدافع عن الموحدين اهل الايمان شرور الدنيا والاخرة ويمن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة اليه والطمأنينة بذكره والتوحيد هو لب القرآن فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك واهله وجزائهم فالحمد لله توحيد رب العالمين توحيد الرحمن الرحيم توحيد مالك يوم الدين توحيد اياك نعبد توحيد واياك نستعين توحيد اهدنا الصراط المستقيم توحيد متضمن لسؤال الهداية الى طريق اهل التوحيد الذين انعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين الذين فارقوا التوحيد ولذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد وشهد له به ملائكته وانبياؤه ورسله قال تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الاسلام ان الواجب على العبد ان يكون توحيد الله في مقدم اولويات واعظم اهتماماته وان من انفع ما يكون في اصلاح قلبه دوام النظر في قيامه بهذا الحق العظيم الذي اوجبه الله على العباد قال ابن القيم رحمه الله فمن انفع مال القلب النظر في حق الله على العباد فان ذلك يورثه مقت نفسه والازراء عليها ويخلصه من العجب ورؤية العمل ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه واليأس من نفسه وان النجاة لا تحصل له الا بعفو الله ومغفرته ورحمته فان من حقه ان يطاع ولا يعصى وان يذكر فلا ينسى وان يشكر فلا يكفر فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه علم علم اليقين انه غير مؤد له كما ينبغي وانه لا يسعه الا العفو والمغفرة وانه ان احيل على عمله هلك فهذا محل نظر اهل المعرفة بالله وبنفوسهم وهذا الذي ايأسهم من انفسهم وعلق رجائهم كله بعفو الله ورحمته واذا تأملت حال اكثر الناس وجدتهم بضد ذلك ينظرون في حقهم على الله ولا ينظرون في حق الله عليهم ومن ها هنا انقطعوا عن الله وحجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته والشوق الى لقائه والتنعم بذكره وهذا غاية جهل الانسان بربه وبنفسه فمحاسبة النفس ونظر العبد في حق الله عليه اولا ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيا وافضل الفكر الفكر في ذلك فانه يسير القلب الى الله ويطرحه بين يديه ذليلا خاضعا منكسرا كسرا فيه جبره ومفتقرا فقرا فيه غناه ودليلا ذلا فيه عزه ولو عمل من الاعمال ما عساه ان يعمل فانه اذا فاته هذا فالذي فاته من البر افضل من الذي اتى رزقنا الله اجمعين التوحيد الخالص والثبات على الحق بمنه وكرمه انه سميع قريب اجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته