بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا تهجد من الليل قال اللهم لك الحمد انت نور السماوات والارض ولك الحمد انت قيم السماوات والارض ولك الحمد انت رب السماوات والارض ومن فيهن انت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق والسعة حق اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت انت الهي لا اله الا انت رواه البخاري وزاد في رواية ولا حول ولا قوة الا بالله هذا متن عظيم جامع مشتمل على اثنتين وعشرين جملة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يكرره كل ليلة يستفتح به صلاته من الليل وما من ريب ان هذه العناية المستمرة بهذه الكلمات العظيمات استفتاحا لصلاة الليل بها تدل على عظم شأنها وجلالة قدرها لا سيما اذا كانت في جوف الليل وهدأة الخلق وسكون الكون وهو وقت قرب ورحمة تفتح فيه ابواب السماء بالرحمات وينزل فيها الرب تبارك وتعالى الى سماء الدنيا بالعطايا والهبات فيقف هذا العبد الصالح الناصح بين يدي ربه تبارك وتعالى في هذا الوقت الشريف الفاضل ليصلي تلك الصلاة العظيمة وهي خير الصلوات واحبها الى الله سبحانه بعد الصلاة المكتوبة فيستفتح صلاته من الليل بهذه الكلمات العظيمات التي كلها ايمان واعتقاد وتوحيد واخلاص لله تبارك وتعالى مما يكون له الاثر البالغ في تقوية الايمان وترسيخ الاعتقاد وتثبيت التوحيد وهذه الكلمات التي جاءت في هذا الحديث العظيم حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيما كان يقوله نبينا صلى الله عليه وسلم اذا قام من الليل يتهجد تدلنا دلالة واضحة على اهمية استذكار المسلم لاصول الايمان وعقائد الدين واستحضاره لها عملا على تجديد الايمان وتقويته وتمتينه بحيث لا يزداد المرء مع مضي الايام الا قوة وثباتا والاذكار الشرعية المأثورة عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم تأتي لتجدد هذا الايمان وتقوي هذه العقيدة وترسخ هذه الاصول العظيمة المباركة في قلب المسلم وفي الحديث يقول النبي عليه الصلاة والسلام ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله ان يجدد الايمان في قلوبكم وهذه الكلمات العظيمات في هذا الاستفتاح المبارك تحقق هذه المعاني تحقيقا عظيما وتقوي هذه العقيدة وتمتنها في القلب تمتينا عجيبا فجدير بالمسلم ان يحفظها عن ظهر قلب وان يحرص على ان يكون له حظ من صلاة الليل يستفتحها بهذه الكلمات العظيمات المباركات الماثورة عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ومما ينبه عليه العلماء في هذا المقام اهمية استحضار معاني الاذكار الشرعية ودلالاتها حتى تكون قوية الاثر محققة النفع والفائدة اما اذا كان يقولها الفاظا لا يعي معناها ولا يدري مدلولها فانها كما قال العلماء رحمهم الله تكون ظعيفة الاثر ان لم تكن عديمة الاثر بدأ عليه الصلاة والسلام هذه الكلمات في مناجاة رب الارض والسماوات سبحانه وتعالى بقوله اللهم لك الحمد انت قيم السماوات والارض ومن فيهن وهذا بدء بحمد الله تبارك وتعالى والحمد هو الثناء على الله بما هو اهله مع الحب له جل في علاه فالحمد ثناء وحب والله سبحانه وتعالى يحمد على الاسماء والصفات ويحمد على النعم والعطايا والهبات فمن امثلة حمده سبحانه وتعالى على اسمائه وصفاته هذا الحديث حيث حمده عليه الصلاة والسلام على قيوميته وعلى انه سبحانه نور السماوات والارض وان له ملك السماوات والارض ومن امثلة حمد الله تبارك وتعالى على النعم والهبات قول نبينا صلى الله عليه وسلم ان الله ليرضى عن العبد ان يأكل الاكلة فيحمده عليها او يشرب الشربة فيحمده عليها فهو عز وجل اهل الحمد والثناء وفي هذا الاستفتاح تكرر الحمد بتكرر ما يحمد عليه الرب من الاسماء والصفات مما يدل على ان علم العبد بها علما صحيحا من اعظم موجبات قيامه بحمد الله على احسن وجه وفي تكرير الحمد ايضا اهتمام بشأنه وليناط به كل مرة معنى اخر مما يدل على تنوع موجبات الحمد وتعددها وقوله انت قيم السماوات والارض ومن فيهن اي القائم بشؤون السماوات والارض تصريفا وتدبيرا وتسخيرا وعطاء ومنعا فالامر بيد الرب تبارك وتعالى القيوم قيم السماوات والارض اي ان السماوات والارض ومن فيهن كل هذه الكائنات قائمة بامر الله سبحانه قال الله تعالى ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره وقال تعالى افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ومن اسمائه تبارك وتعالى القيوم وقد ورد في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم منها اية الكرسي الله لا اله الا هو الحي القيوم وفي اوائل سورة ال عمران وفي سورة طه وعانت الوجوه للحي القيوم وفي هذا الاسم القيوم اثبات القيومية صفة لله ويكونه سبحانه قائما بنفسه مقيما لخلقه وقوله ولك الحمد انت نور السماوات والارض ومن فيهن فيه اثبات النور اسما لله عز وجل وصفة له سبحانه ومما يدل عليه في تظمنه اثبات ان الله سبحانه وتعالى منير السماوات والارض بقدرته الانارة الحسية والانارة المعنوية الله عز وجل نور الله نور السماوات والارض وشرعه نور وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ورسوله نور لانه يحمل النور والضياء وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا وقوله ولك الحمد انت ملك السماوات والارض فيه اثبات ان السماوات والارض ومن فيهن كلها ملك لله سبحانه انا وليس له عز وجل شريك في الملك ولا في مقدار ذرة ولهذا قال الله سبحانه قل ادعوا الذين زعمتم من دونه لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير فالملك كله ملك الله وما يكون بايدي الناس من ملك انما هو بتمليك الله سبحانه وتعالى لهم يعطي ويمنع قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير قوله ولك الحمد انت الحق الحق اسم من اسماء الله الحسنى ومعناه اي الذي لا شك فيه ولا ريب لا في ذاته ولا في اسمائه وصفاته ولا في ربوبيته ولا في الوهيته وهو تبارك وتعالى حق واسماؤه وصفاته حق وافعاله واقواله حق ودينه وشرعه حق واخباره كلها حق ووعده حق ولقاؤه حق وله وحده دعوة الحق فلا يدعى الا الله ولا يصرف شيء من العبادة الا للحق المبين سبحانه قال الله عز وجل ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل وان الله هو العلي الكبير وقال سبحانه له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء الا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين الا في ضلال وقوله ووعدك الحق فلا يخلف الله الميعاد بل يوفي عباده واولياءه واصفيائه بكل ما وعدهم به من عطايا وهبات وخيرات وكرامات في الدنيا والاخرة قال الله تعالى والذين امنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا وعد الله حقا. ومن اصدق من الله قيلا ومن دعاء اولي الالباب ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد قوله وقولك الحق قول الله سبحانه وتعالى حق لا باطل فيه. كما قال الله سبحانه فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم وقال تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وقال جل وعلا عن القرآن افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا الله جل وعلا قوله كله حق لا باطل فيه. تنزه وتقدس قوله عن الباطل قوله ولقاؤك حق قال الله تعالى واتقوا الله واعلموا انكم ملاقوه. وبشر المؤمنين ومن علم ان لقاء الله حق فليعد لهذا اللقاء عدته والله جل وعلا يقول في اخر اية من سورة الكهف فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وهذه افضل عدة بل هي العدة وهذا يدلنا دلالة بينة ان ايمان العبد بلقاء الله واستحضاره التام لذلك يثمر عملا واستعدادا وتزودا ليوم المعاد ولهذا يقول من يؤتى كتابه بيمينه اني ظننت اني ملاق حسابيا قاله في ذلك اليوم حين نجا من الخزي وظفر بالفوز العظيم قوله والجنة حق والنار حق هذا فيه الايمان بالجنة والايمان بالنار ايمان بالجنة انها حق اعدها الله لاولياءه واصفيائه وايمان بان النار حق اعدها الله لاعدائه وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار بالذكر رغم دخولهما في قوله ووعدك الحق اهتماما بهما واعتناء بامرهما ويتناول الايمان بهما وانهما حق امور عديدة يجمعها ما يلي اولا كونهما لا ريب فيهما ولا شك وان النار دار اعداء الله والجنة دار اولياءه قال الله تعالى لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للابرار فكلما ذكر سبحانه الجنة عطف عليها بذكر النار وكلما ذكر اهل النار عطف عليهم بذكر اهل الجنة تبيينا لما اعد في الجنة من النعيم لاوليائه وفي النار من العذاب الاليم لاعدائه ثانيا اعتقاد وجودهما الان. قال الله تعالى في الجنة وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين وقال تعالى في النار فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين ثالثا الايمان بكل اوصاف الجنة والنار التي جاءت في الكتاب والسنة لان كل ما جاء في الكتاب والسنة من اوصاف الجنة والنار داخل في قوله صلى الله عليه وسلم والجنة حق والنار حق اي بجميع الاوصاف المذكورة لهما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رابعا الايمان بدوامهما وبقائهما بابقاء الله لهما وانهما لا تفنيان ابدا. ولا يفنى من فيهما قال الله عز وجل في الجنة خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم وقال تعالى لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين وقال تعالى في النار ان الله لعن الكافرين واعد لهم سعيرا خالدين فيها ابدا وقال تعالى والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وهذه العقيدة في الجنة والنار تثمر في العبد استعدادا بالاعمال التي تقرب الى الجنة وبعدا عن الاعمال التي تقرب من النار وللحديث صلة باستكمال فوائد هذا الحديث ونسأل الله ان ينفعنا اجمعين وان يوفقنا لكل خير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته