بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبد حتى يؤمن باربع يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر رواه الترمذي هذا حديث جامع من احاديث الايمان جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم اصولا اربعة عليها مدار الدين وقيامه والمراد بالنفي في قوله لا يؤمن عبد نفي اصل الايمان لا نفي كماله فمن لم يؤمن بواحد من هذه الاربعة لم يكن مؤمنا وكل اصل من هذه الاصول له دلائل كثيرة وشواهد عديدة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تبين مكانة هذه الاصول واهميتها والتفاصيل المتعلقة بها وقد تقدم الحديث عن الشهادتين وسيأتي حديث مفرد عن الايمان بالقدر والحديث هنا عن الايمان بواحد من هذه الاصول وهو الموت. وسيأتي ايضا حديث خاص عما بعد الموت قال الله تعالى في ثلاثة مواطن من القرآن كل نفس ذائقة الموت يخبر فيها سبحانه وتعالى اخبارا عاما يشمل جميع الخلائق بان كل نفس ذائقة الموت وهو كقوله سبحانه كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت. والانس والجن يموتون والايمان بالموت يتناول امورا عديدة وقد ذكرها بالتفصيل الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في كتابه معارج القبول وفي ما لي ترخيص لها منها تحتم الموت على من كان في الدنيا من اهل السماوات والارض من الانس والجن والملائكة وغيرهم من المخلوقات قال تعالى كل شيء هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون وقال تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقال تعالى كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم انك ميت وانهم ميتون. ثم انكم يوم القيامة عند ربكم كم تختصمون وقال تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افإن مت فهم الخالدون؟ كل نفس ذائقة الموت ونبلوه بالشر والخير فتنة والينا ترجعون وقال تعالى يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون. كل نفس ذائقة الموت ثم ترجعون وقال تعالى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم الى ربكم ترجعون وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اعوذ بعزتك الذي لا اله الا انت ان تضلني انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون ومنها ان كلا له اجل محدود وامد ممدود ينتهي اليه لا يتجاوزه ولا يقصر عنه قد علم الله تعالى جميع ذلك بعلمه الذي هو صفته وجرى به القلم بامره يوم خلقه ثم كتبه الملك على كل احد في بطن امه بامر ربه عز وجل عند تخليق النطفة في اي مكان يكون وفي اي زمان فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يغير ولا يبدل عما سبق به علم الله. وجرى به قضاؤه وقدره وان كل انسان مات او قتل او حرق او غرق او باي حتف هلك باجلي لم يستأخر عنه ولم يستقدم طرفة عين وان ذلك السبب الذي كان فيه حتفه هو الذي قدره الله تعالى وقضاه عليه وامضاه فيه ولم يكن له بد منه ولا محيص عنه ولا مفر له ولا مهرب ولا فكاكة ولا خلاص. وان وكيف والى اين؟ ولات حين مناص قال الله تعالى وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤتيه منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤتيه منها وقال تعالى قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وقال تعالى اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مسيدة وقال تعالى ولكل امة اجل. فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. في مواضع من القرآن وقال تعالى قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون وقال تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون. وغيرها من الايات وروى مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى في صحيحه عن المعرور ابن سويد عن عبد الله ابن مسعود قال قالت ام حبيبة رضي الله عنها اللهم متعني بزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبابي ابي سفيان وباخي معاوية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم انك سألت الله لاجال مضروبة واثار موطوءة وارزاق مقسومة لا يعجن شيء منها قبل حله ولا يؤخر منها يوما بعد حلة ولو سألت الله تعالى ان يعافيك من عذاب في النار وعذاب في القبر لكان خيرا لك وفي رواية قد سألت الله لاجال مضروبة وايام معدودة وارزاق مقسومة لن يعجل شيئا قبل حله او يؤخر شيئا عن حله ولو كنت سألت الله تعالى ان يعيذك من عذاب في النار او عذاب في القبر كان خيرا وافضل ومنها الايمان بان ذلك الاجل المحتوم والحد المرسوم لانتهاء كل عمر اليه لا اطلاع لنا عليه ولا علم لنا به وان ذلك من مفاتح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها عن جميع خلقه فلا يعلمها الا هو كما قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو وقال تعالى وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت ومنها ذكر العبد الموت وجعله على باله كما هو الردم بينه وبين اماله. وهو المفضي به الى اعماله والى الحسن والقبيح من اقواله وافعاله والى الجزاء الاوفى من الحكم العدل في شرعه وقدره وقضائه ووعده ووعيده فلا يعاقب احدا بذنب غيره. ولا يهضمه ذرة من حسن اعماله وفي حديث ابي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي والنسائي وابن حبان وصححه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثروا ذكر هادم اللذات اي الموت وقال البخاري رحمه الله في كتابه الرقاق من صحيحه باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب او وعابر سبيل قال حدثنا علي بن عبدالله قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن ابو المنذر عن سليمان الاعمش قال حدثني مجاهد عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول اذا امسيت فلا تنتظر الصباح واذا اصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ثم قال باب في الامل وطوله. وقول الله تعالى فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور بمزحزحه بمباعده وقال تعالى ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون وقال علي رضي الله عنه ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الاخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون. فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا ان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل قال حدثنا صدقة ابن الفضل قال اخبرنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني ابي عن منذر عن ربيع بن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخطوطا صغارا الى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال هذا الانسان وهذا اجله محيط به او قد احاط به وهذا الذي هو خارج امله وهذه الخطوط الصغار الاعراب فان اخطأه هذا نهشه هذا. وان اخطأه هذا نهشه هذا ومنها وهو المقصود الاعظم التأهب له قبل نزوله. والاستعداد لما بعده قبل حصوله. والمبادرة بالعمل صالح والسعي النافع قبل دهوم البلاء وحلوله اذ هو الفيصل بين هذه الدار وبين دار القرار وهو الفصل بين ساعة العمل والجزاء عليه والحد الفارق بين اواني تقديم الزاد والقدوم عليه اذ ليس بعده لاحد من مستعتب ولا اعتذار ولا زيادة في الحسنات ولا نقص من السيئات. ولا حيلة ولا افتداء ولا درهم ولا دينار ولا مقعد ولا منزلة الا القبر وهو اما روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النار الى يوم البعث والجزاء وجمع الاولين والاخرين واهل السماوات والاراضين والموقف الطويل بين يدي القوي المتين يوم يقوم الناس لرب العالمين الحكيم العليم المقسط العدل الحكيم الذي لا يحيف ولا يجور ولا يظلم مثقال ذرة. ان ربي على صراط مستقيم ثم اما نعيم مقيم في جنات النعيم واما عذاب اليم في نار الجحيم وان لكل ظاعن مقرا ولكل نبأ مستقرا قال الله تعالى حتى اذا جاء احدهم الموت قال ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا. انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله وقال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون وانفقوا مما رزقناكم من قبل ان يأتي احدكم الموت فيقول ربي لولا اخرتني الى اجل قريب فاصدق واكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء اجلها والله خبير بما تعملون قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى حتى اذا جاء احدهم الموت قال كان العلاء ابن زياد يقول لينزل احدكم نفسه انه قد حضره الموت فاستقال ربه فاقاله فليعمل بطاعة ربه تعالى وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس. الصحة والفراغ وللحاكم عنه رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك يعني ان هذه الخمس ايام الشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة هي ايام العمل والتأهب والاستعداد والاستكثار من زاد فمن فاته العمل فيها لم يدركوا عند مجيء اضدادها ولا ينفعه التمني للاعمال بعد التفريط منه والاهمال في زمن الفرصة والامهال فان بعد كل شباب هرما. وبعد كل صحة سقما وبعد كل غنى فقرا وبعد كل فراغ شغلا وبعد كل حياة موتى فمن فرط في العمل ايام الشباب لم يدركه في ايام الهرم ومن فرط فيه في اوقات الصحة لم يدركه في اوقات السقم. ومن فرط فيه في حالة الغنى فلم ينل القرب التي لم تنل الا بالغنى لم يدركه في حالة الفقر ومن فرط فيه في ساعة الفراغ لم يدركه عند مجيء الشواغل. ومن فرط في العمل في زمن الحياة لم يدركه بعد حيلولة الممات فعند ذلك يتمنى الرجوع وقد فات ويطلب الكرة وهيهات رزقنا الله حسن الاستعداد لذلك اليوم. وجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته