بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة قال عرشه على الماء رواه مسلم هذا اصل عظيم من اصول الايمان وقد جاء ذكر هذا الاصل في القرآن الكريم في مواضع عديدة منه منها قول الله سبحانه وكان امر الله قدرا مقدورا وقول الله عز وجل ان كل شيء خلقناه بقدر وقال جل وعلا سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى وقال سبحانه ثم جئت على قدر يا موسى وقال سبحانه ان الله على كل شيء قدير وقال تعالى لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين والايات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله عز وجل والايمان بالقدر اصل جاء تبيانه في السنة وتبيان مكانته العظيمة ومنزلته العلية الشريفة وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم احاديث كثيرة ببيان ان الامور كلها بقدر الله عز وجل وان كل ما وقع وسيقع وكل ما كان وسيكون كل ذلك بقدر الله عز وجل روى مسلم عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس والكيس النباهة والفطنة والذكاء. والعجز هو ضد القدرة واصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء فكل ذلك بقدر ولهذا شرع لنا التعوذ بالله منه في الدعاء المأثور اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل لان الذي يعيذ من العجز والكسل هو الذي بيده ازمة الامور ومقاليد السماوات والارض فلا يسلم عبد من الكسل ولا يسلم من العجز الا اذا سلمه الله عز وجل لان الامور بيد الله فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وروى الامام احمد والترمذي وغيرهما عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال دخلت على عبادة وهو مريض اتخايل فيه الموت فقلت يا ابتاه اوصني واجتهد لي فقال اجلسوني قال يا بني انك لن تطعم طعم الايمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره قال قلت يا ابتاه فكيف لي ان اعلم ما خير القدر وشره قال تعلم ان ما اخطأك لم يكن ليصيبك وما اصابك لم يكن ليخطئك. يا بني اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان اول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم ثم قال اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة يا بني ان مت ولست على ذلك دخلت النار فالايمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى اصل لا ينتظم دين العبد ولا يستقيم امره الا به وقول عبادة رضي الله عنه لن تطعم طعم الايمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر هذا يبين ان الذي لا يؤمن بالقدر ما عرف الله سبحانه وتعالى ولا عرف عظمته ولا قدر الله سبحانه وتعالى حق قدره قال الله عز وجل وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قال الامام احمد رحمه الله القدر قدرة الله الذي لا يؤمن بالقدر هو في الحقيقة لا يعرف الله. وليس من الموحدين ولهذا جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما انه قال القدر نظام التوحيد فمن امن بالله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيدا اي انه بتكذيبه بالقدر ينتقض توحيده فلا يكون مؤمنا واذا كان الايمان بالقدر نظام التوحيد بمعنى ان توحيد العبد لا ينتظم الا بالايمان بالقدر فان التوحيد نفسه نظام الحياة فحياة الانسان لا تنتظم الا بتوحيد الله ومن لم يوحد الله سبحانه وتعالى تكون اموره وحياته وشؤونه كلها فرطا كما قال الله سبحانه ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا فاذا انهدم التوحيد انفرطت الحياة وضاع الزمام وانفلت الخطام وتبددت الامور وعاش الانسان في ضياع واصبحت حياته كلها تباب لا قيمة لها. خسران في خسران فلا تنتظم الحياة الا بتوحيد الله ولا ينتظم توحيد الله جل وعلا الا بالايمان بقدره وان الامور كلها بتقدير الله عز وجل وان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى في ابيات له جميلة في تقرير الايمان بالقدر قال ما شئت كان وان لم اسأ وما شئت ان لم تسأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت وفي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت وهذا اعنت وذا لم تعن فمنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح منهم حسن اي هذا كله بمشيئة الله وبتدبيره سبحانه وتعالى ثم ان الايمان بالقدر لا يستقيم الا بالايمان بمراتبه وهي مراتب اربعة لا يكون العبد مؤمنا بالقدر الا اذا امن بها المرتبة الاولى الايمان بعلم الله عز وجل الشامل المحيط الواسع لكل شيء وان الله عز وجل احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا علم ما كان وعلم ما سيكون وعلم ما لم يكن ان لو كان كيف يكون قال الله تعالى الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين وقال الله تعالى هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير الايمان بعلم الله جل وعلا المحيط بكل شيء اصل من اصول الايمان بالقدر وركن من اركانه المرتبة الثانية الايمان بالكتابة وان الله سبحانه وتعالى كتب كل ما هو كائن في اللوح المحفوظ قال الله سبحانه ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير وقال جل وعلا وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر وقال جل وعلا انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين وهذه الاية من سورة ياسين ذكر فيها نوعان من الكتابة النوع الاول كتابة الملك وهي الكتابة المقارنة للفعل انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا فهذه كتابة مقارنة للفعل. فكل فعل يفعله العبد يكتبه الملك مباشرة. ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد النوع الثاني ما ورد في ختم الاية قول الله تعالى وكل شيء احصيناه في امام مبين وهي الكتابة التي كانت في اللوح المحفوظ والامام هنا اللوح المحفوظ. يقال له الامام ويقال له الزبر ويقال له اللوح المحفوظ والله سبحانه كتب في اللوح المحفوظ كل ما هو كائن الى قيام الساعة كما تقدم في الحديث كتب الله دير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة المرتبة الثالثة من مراتب الايمان بالقدر الايمان بمشيئة الله جل وعلا النافذة وقدرته سبحانه وتعالى الشاملة قال الله تعالى ان الله على كل شيء قدير وان ما شاء الله كان طبقا لما شاء. في الوقت الذي شاء على الوجه الذي شاء سبحانه وتعالى حتى وان لم يشأ ذلك العبد قال الله تعالى لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين وقال تعالى ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا. وما تشاؤون الا ان يشاء الله. ان الله كان عليما حكيما خير من يشاء في رحمته والظالمين اعد لهم عذابا اليما المرتبة الرابعة الايمان بان الله خالق كل شيء وان جميع ما وجد ويوجد فالله خالقه قال الله تعالى والله خلقكم وما تعملون وقال تعالى الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل وقال جل وعلا الحمد لله رب العالمين خالق كل شيء اي خالق الاشخاص والذوات وخالق الصفات والاعمال فاعمال العباد من خير وشر كلها مخلوقة لله سبحانه لان الله خلق العباد وخلق اعمالهم كما قال تعالى والله خلقكم وما تعملون فالله خالق كل شيء فالعبد مخلوق وحركاته وسكناته مخلوقة لله عز وجل فهذه اربع مراتب عظيمة لا يكون العبد مؤمنا بالقدر الا بالايمان بها العلم والكتابة والمشيئة والايجاد وهنا يرد سؤال مهم ينبغي التنبه له ولجوابه ففيه خير عظيم وهو اذا كانت الامور كلها مقدرة وكلها مكتوبة ولا يكون امر الا بمشيئة الله لماذا نعمل؟ ففيما العمل وهو سؤال كما يقال يطرح نفسه والصحابة الكرام رضي الله عنهم طرحوه على النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما مناسبة ولهذا جاء في حديث علي رضي الله عنه انهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله انعمل في امر مستأنف او في امر قد فرغ منه فقال عليه الصلاة والسلام بل في امر قد فرغ منه. فقالوا ففيما العمل؟ وجاء في بعض الروايات قالوا افلا نتكل على قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فيسر لعمل اهل السعادة. واما من كان من اهل الشقاء فيسر لعمل اهل الشقاوة ثم تلا قول الله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ويتلخص هذا الجواب في امرين ان يجاهد العبد نفسه على الاعمال الصالحات والطاعات الزاكيات والبعد عن الاعمال المحرمات وفي الوقت نفسه يلجأ الى الله ان يعينه وان يحفظه ويثبته فهو طوع تدبيره سبحانه ومن الدعاء المأثور اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا انت وفي الدعاء الاخر قال يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ومن ادعية القرآن ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب وكل ذلك بيده سبحانه ثبتنا الله اجمعين على الحق والهدى واصلح لنا شأننا كله وهدانا اليه صراطا مستقيما. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته