بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وان اصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل. فان لو تفتح عمل الشيطان رواه مسلم افاد هذا الحديث ان اهل الايمان متفاوتون في الايمان قوة وضعفا زيادة ونقصا وانهم ليسوا في ايمانهم على رتبة واحدة ولا على درجة واحدة بل بينهم تفاوت كبير فمنهم قوي الايمان ومنهم ضعيف الايمان وان القوي في ايمانه خير واحب الى الله من المؤمن ضعيف الايمان وان كان في كل منهما خير ووجود الايمان وان قل هو خير للانسان وفلاح له وسعادة في الدنيا والاخرة ولما كان ايمان المؤمنين متفاوتا تفاضلت درجات في الجنة بحسب تفاضلهم في الايمان فمن كان ايمانه اشد واقوى كان اعلى درجة وارفع من غيره قال الله تعالى اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم وقال تعالى انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ولا الاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا وقال تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير وقد ميز الله بين منازل الجنة وجعلها درجات بعضها ارفع من بعض لان المؤمنين ليسوا سواء في ايمانهم بل بعضهم اعظم واقوى ايمانا من بعض ودرجة المؤمن القوي في الجنة اعلى ومنزلته ارفع ممن هو دونه في الايمان قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله تعالى وكما اخبر الله تبارك وتعالى عن تفاوتهم في الايمان في دار التكليف كذلك جعل الجنة التي هي دار الثواب متفاوتة الدرجات مع كوني كل منهم فيها فقال في سورة الرحمن ولمن خاف مقام ربه جنتان فباي الاء ربكما تكذبان ذوات افنان فباي الاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فباي الاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فباي الاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان فباي الاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان. فباي الاء ربكما تكذبان كانهن الياقوت والمرجان. فباي الاء ربكما تكذبان. الى اخر السورة وكذلك في سورة الواقعة اخبر بصفة الجنة التي يدخلها السابقون اعظم واعلى من صفة الجنة التي يدخلها اصحاب اليمين وكذلك في سورة المطففين قال الله تبارك وتعالى ان الابرار لفي نعيم على الارائك ينظرون تعرف في وجوههم نظرة النعيم يسقون من رحيق مختوم. ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ومزاجه من تسليم عينا يشرب بها المقربون وغير ذلك من الايات وقال النبي صلى الله عليه وسلم جنتان من ذهب انيتهما وما فيهما وجنتان من فضة انيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن واهل الجنة متفاوتون في الدرجات حتى انهم يتراءون اهل عليين يرون غرفهم من فوقهم كما يرى الكوكب في الافق الشرقي او الغربي ومتفاوتون في الازواج ومتفاوتون في الفواكه من المطعوم والمشروب ومتفاوتون في الفرش والملبوسات ومتفاوتون في الملك ومتفاوتون في الحسن والجمال والنور ومتفاوتون في قربهم من الله عز وجل ومتفاوتون في تكثير زيارتهم اياه ومتفاوتون في مقاعدهم يوم المزيد ومتفاوتون تفاوتا لا يعلمه الا الله عز وجل وما هذا التفاوت بينهم الا لانهم متفاوتون في الايمان قوة وضعفا زيادة ونقصا وقول النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير فيه ان الخيرية بحسب حظ المرء من الايمان فالمؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وهذا فيه حث على الاجتهاد في القوة في الطاعة والايمان والعبادة والتقرب الى الله عز وجل قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله هذا الحديث اشتمل على اصول عظيمة وكلمات جامعة فمنها اثبات المحبة صفة لله وانها متعلقة بمحبوباته وبمن قام بها ودل على انها تتعلق بارادته ومشيئته وايضا تتفاضل فمحبته للمؤمن القوي اعظم من محبته للمؤمن الضعيف ودل الحديث على ان الايمان يشمل العقائد القلبية والاقوال والافعال. كما هو مذهب اهل السنة والجماعة فان الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق. والحياء شعبة منه وهذه الشعب التي ترجع الى الاعمال الباطنة والظاهرة كلها من الايمان فمن قام بها حق القيام وكمل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح وكمل غيره بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر فهو المؤمن القوي الذي حاز اعلى مراتب الايمان ومن لم يصل الى هذه المرتبة فهو المؤمن الضعيف وهذا من ادلة السلف على ان الايمان يزيد وينقص وذلك بحسب علوم الايمان ومعارفه وبحسب اعماله وهذا الاصل قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع كثيرة ولما فاضل النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين قويهم وضعيفهم خشي من توهم القدح في المفضول فقال وفي كل خير وفي هذا الحديث ان المؤمنين يتفاوتون في الخيرية ومحبة الله والقيام بدينه وانهم في ذلك درجات ولكل درجات مما عملوا ويجمعهم ثلاثة اقسام السابقون الى الخيرات وهم الذين قاموا بالواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات وكملوا ما باشروه من اعمال واتصفوا بجميع صفات الكمال ثم المقتصدون الذين اقتصروا على القيام بالواجبات وترك المحظورات ثم الظالمون لانفسهم الذين خلطوا عملا صالحا واخر سيئا وقوله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله كلام جامع نافع محتوي على سعادة الدنيا والاخرة والامور النافعة قسمان امور دينية وامور دنيوية والعبد محتاج الى الدنيوية كما انه محتاج الى الدينية فمدار سعادته وتوفيقه على الحرص والاجتهاد في الامور النافعة منهما مع الاستعانة بالله فمتى حرص العبد على الامور النافعة واجتهد فيها وسلك اسبابها وطرقها واستعان بربه في حصولها وتكميلها كان ذلك كماله وعنوان فلاحه ومتى فاته واحد من هذه الامور الثلاثة فاته من الخير بحسبها فمن لم يكن حريصا على الامور النافعة بل كان كسلانا لم يدرك شيئا فالكسل هو اصل الخيبة والفشل فالكسلان لا يدرك خيرا ولا ينال مكرمة ولا يحظى بدين ولا دنيا ومتى كان حريصا ولكن على غير الامور النافعة اما على امور ضارة او مفوتة للكمال كان ثمرة حرصه الخيبة وفوات الخير وحصول الشر والضرر فكم من حريص على سلوك طرق واحوال غير نافعة لم يستفد من حرصه الا التعب والعناء والشقاء ثم اذا سلك العبد الطريق النافع وحرص عليها واجتهد فيها لم تتم له الا بصدق اللجأ الى الله والاستعانة به على ادراكها وتكميلها والا يتكل على نفسه وحوله وقوته بل يكون اعتماده التام بباطنه وظاهره على ربه فبذلك تهون عليه المصاعب وتتيسر له الاحوال وتتم له النتائج والثمرات الطيبة في امر الدين وامر الدنيا لكنه في هذه الاحوال محتاج بل مضطر غاية الاضطرار الى معرفة الامور التي ينبغي الحرص عليها والجد في طلبها فالامور النافعة في الدين ترجع الى امرين علما نافع وعمل صالح اما العلم النافع فهو العلم المزكي للقلوب والارواح المثمر لسعادة الدارين وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث وتفسير وفقه وما يعين على ذلك من علوم العربية بحسب حالة الوقت والموضع الذي فيه الانسان واما الامر الثاني وهو العمل الصالح فهو الذي جمع الاخلاص لله والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو التقرب الى الله باعتقاد ما يجب لله من صفات الكمال وما يستحقه على عباده من العبودية وتنزيهه عما لا يليق بجلاله وتصديقه وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل خبر اخبر به عما مضى وعما يستقبل عن الرسل والكتب والملائكة واحوال الاخرة والجنة والنار والثواب والعقاب وغير ذلك ثم يسعى في اداء ما فرض الله على عباده من حقوق الله وحقوق خلقه ويكمل ذلك بالنوافل والتطوعات. خصوصا المؤكدة في اوقاتها مستعينا بالله على فعلها وعلى تحقيقها وتكميلها وفعلها على وجه الاخلاص الذي لا يشوبه غرض من الاعراب النفسية وكذلك يتقرب الى الله بترك المحرمات وخصوصا التي تدعو اليها النفوس وتميل اليها فيتقرب الى ربه بتركها لله كما يتقرب اليه بفعل المأمورات فمتى وفق العبد بسلوك هذا الطريق في العمل واستعان الله على ذلك افلح ونجح وكان كماله بحسب ما قام به من هذه الامور ونقصه بحسب ما فاته منها واما الامور النافعة في الدنيا فالعبد لابد له من طلب الرزق فينبغي ان يسلك انفع الاسباب الدنيوية اللائقة بحاله وذلك يختلف باختلاف الناس ويقصد بكسبه وسعيه القيام بواجب نفسه وواجب من يعوله ومن يقوم بمؤنته. وينوي الكفاف والاستغناء طلبه عن الخلق وكذلك ينوي بسعيه وكسبه تحصيل ما تقوم به العبوديات المالية من الزكاة والصدقة والنفقات الخيرية خاصة والعامة مما يتوقف على المال ويقصد المكاسب الطيبة متجنبا للمكاسب الخبيثة المحرمة ثم انه صلى الله عليه وسلم حض على الرضا بقضاء الله وقدره بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع في الحرص على النافع فاذا اصاب العبد ما يكرهه فلا ينسب ذلك الى ترك بعض الاسباب التي يظن نفعها لو فعلها بل يسكن الى قضاء الله وقدره ليزداد ايمانه ويسكن قلبه وتستريح نفسه فان لو في هذه الحال تفتح عمل الشيطان بنقص ايمانه بالقدر واعتراضه عليه وفتح ابواب الهم والحزن المضعف للقلب وهذه الحال التي ارشد اليها النبي صلى الله عليه وسلم هي اعظم الطرق لراحة القلب وادعى لحصول القناعة والحياة الطيبة وهو الحرص على الامور النافعة والاجتهاد في تحصيلها والاستعانة بالله عليها وشكر الله على ما يسره منها والرضا عنه بما فات ولم يحصل منها وقوله واستعن بالله ايمان بالقضاء والقدر وامر بالتوكل على الله الذي هو الاعتماد التام على حوله وقوته تعالى في جلب المصالح ودفع المضار مع الثقة التامة بالله في نجاح ذلك فالمتبع للرسول صلى الله عليه وسلم يتعين عليه ان يتوكل على الله في امر دينه ودنياه وان يقوم بكل سبب نافع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته والله وحده المستعان والموفق لا شريك له وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته