بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا رواه احمد وابو داود والترمذي هذا الحديث فيه دلالة على ان حسن الخلق من الايمان وان المسلم كلما ازداد خلقا زاد ايمانه وارتقى الى الكمال وان النقص من الخلق نقص من الايمان وفي الحديث دلالة على ان الايمان يزيد وينقص يزيد بحسن الخلق وينقص بنقصه كما انه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وان المؤمنين متفاوتون في الايمان. فبعضهم اكمل ايمانا من بعض وان الايمان يتفاضل فيكون ايمان اكمل من ايمان وقد دل الكتاب والسنة على ان الايمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف وان لزيادة الايمان اسبابا وان لنقص ايضا اسبابا والواجب على المسلم ان يرعى ايمانه وان يحرص على معرفة الاسباب التي يزيد بها ايمانه فيفعلها ويواظب عليها حتى يزداد بذلك ايمانا وان يعرف ايضا اسباب نقص الايمان ليتجنب تلك الامور التي تضعف ايمانه وتوهيه والخلق الفاضل الكريم مما يزيد به ايمان المؤمن ويكمل كما ان الاخلاق السيئة نقص في الايمان وضعف ووهاء روى ابو داوود عن ابي الدرداء رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من شيء اثقل في الميزان من الخلق ورواه الترمذي بلفظ ما من شيء يوضع في الميزان اثقل من حسن الخلق وان صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة وهذا فيه اثبات ميزان الاعمال الذي ينصب يوم القيامة وان اعمال العباد توزن فيه وهو يدل على عظيم شأن حسن الخلق وعظيم ثوابه عند الله عز وجل وانه من اثقل ما يكون في الميزان عندما توزن الاعمال لانه من اجل خصال الايمان وافضل اعماله وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما بعثت لاتمم صالح الاخلاق رواه احمد ورواه البزار بلفظ انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق فبعثه الله عز وجل ليدعو الناس الى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال ويحذرهم من سيء الاخلاق وسيء الاعمال وقد دعاهم عليه الصلاة والسلام الى الخلق قولا وفعلا اما قولا فقد تكاثرت عنه الاحاديث في الحث على الاخلاق الكاملة والاداب الرفيعة والترغيب فيها وبيان ما اعد الله لاهلها من الثواب العظيم والاجر الجزيل واما فعلا فقد كان قدوة للعالمين بما وهبه الله من الخلق الكامل والادب الرفيع قال الله تعالى وانك لعلى خلق عظيم عن سعد بن هشام ابن عامر قال قلت يا ام المؤمنين انبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الست تقرأ القرآن؟ قلت بلى قالت فان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن قال فهممت ان اقوم ولا اسأل احدا عن شيء حتى اموت رواه مسلم والخلق الفاضل عنوان فلاح المرء وسعادته في الدنيا والاخرة وما استجلبت الخيرات بمثل الخلق الفاضل والدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اكثر ما يدخل الناس الجنة. فقال تقوى الله وحسن الخلق. رواه الترمذي فجعله النبي صلى الله عليه وسلم من اسباب دخول الجنة. وقرنه بالتقوى التي هي اعظم وصية قال ابن القيم رحمه الله جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق لان تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه. وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه فتقوى الله عز وجل توجب له محبة الله وحسن الخلق يدعو الى محبته وعن جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان من احبكم الي واقربكم مني مجلسا يوم القيامة احاسنكم اخلاقا رواه الترمذي فكلما كان المرء احسن خلقا كان اقرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا يوم القيامة من غيره وكلما كان اسوأ خلقا كان ابعد والاخلاق الفاضلة تقوم على اربعة اركان من اعتنى بها كان باذن الله تبارك وتعالى من اهل الاخلاق ومن ضيعها او ضيع منها شيئا ضاع منه الخلق بحسب ما اضاع من هذه الاركان وقد اجتمعت هذه الاركان للاخلاق في اربعة احاديث كل حديث منها دال على ركن عظيم من اركان الاخلاق نقل الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه جامع العلوم والحكم عن ابي محمد ابن ابي زيد القيرواني امام المالكية في زمانه رحمه الله انه قال جماع اداب الخير وازمته تتفرع من اربعة احاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت وقوله صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية لا تغضب وقوله صلى الله عليه وسلم المؤمن يحب لاخيه ما يحب لنفسه فهذه الاحاديث الاربعة وكلها من احاديث الاربعين للنووي رحمه الله تعالى جمعت الاخلاق والاداب وجميع احاديث الاخلاق المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاخلاق راجعة الى هذه الاحاديث الاربعة وهذا يفيدنا ان من وفق لفهم هذه الاحاديث وتطبيقها فانه يكون قد اجتمعت فيه اركان الاخلاق واعمدته لان الاخلاق تقوم على اركان اربعة الركن الاول صيانة اللسان قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت ومن لم يصن لسانه لن يكون من اهل الاخلاق اذ ان من الاسس العظيمة والدعائم المتينة التي تقوم عليها الاخلاق صيانة اللسان ومعنى صيانة اللسان اي ضبطه وحبسه عن الكلام الا ما كان فيه فائدة وقول النبي صلى الله عليه وسلم فليقل خيرا او ليصمت فيه دعوة للتفكر في الكلام قبل الكلام لان الكلمة قبل ان تخرج يملكها المرء واذا خرجت ملكته ولهذا من الجميل بالمسلم ان يتفكر في كلامه قبل ان يتكلم واذا تفكر فيه وجده لا يخرج عن ثلاثة احوال اما ان يتبين له انه خير بين واضح ليتكلم به ولا حرج واما ان يتبين له انه شر بين اما غيبة او كذب او سخرية او نميمة او غير ذلك من الشر البين فيمنع نفسه منه ويصون لسانه عنه والامر الثالث ان يكون مشتبها عليه لا يدري هل هو خير او شر فهذه الحالة ايضا يمنع نفسه من التكلم به لقول النبي صلى الله عليه وسلم فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ولقوله عليه الصلاة والسلام دع ما يريبك الى ما لا يريبك فهذا اساس لا بد منه في باب الاخلاق. ان يصون المرء لسانه وان يحفظ كلامه فلا يتكلم الا بخير قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام ثكلتك امك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم او على مناخرهم الا حصائد السنتهم الحاصل ان من اساسيات الاخلاق واركانه التي عليها يقوم صيانة اللسان وحفظه ومن لا يصون لسانه لن يكون من اهل الادب والخلق الركن الثاني من اركان الاخلاق البعد عن الفضول وما لا يعني قال صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه والانسان الفضولي لن يكون ذا ادب وخلق. لان فضوله واقحامه لنفسه فيما لا يعنيه يخرجه عن حيز الادب بينما اذا كان بعيدا عن الفضول بعيدا عن الدخول فيما لا يعنيه فهذا من سمات الادب بل من اعمدته ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم تركه ما لا يعنيه اي بضابط الشرع لا بضابط الهوى وهذا امر قد يغفل عنه لان بعض الناس قد يوظف هذا الحديث في غير بابه مثل ان يؤمر بخير او ان ينهى عن منكر فيقول للآمر الناهي من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه وهذا من سوء الفهم للحديث لان هذا مما يعني المسلم بضابط الشرع بالحكمة واللين والاسلوب الحسن الركن الثالث من اركان الاخلاق عدم الانسياق مع انفعالات النفس وبخاصة الغضب قال صلى الله عليه وسلم لا تغضب فعندما ينفعل الانسان ويغضب عليه الا يباشر وقت غضبه اي قول او اي فعل لان اي قول او اي فعل يباشره وقت غضبه سيخرج به في الغالب عن نطاق الخلق والادب وقد قيل في ذم الغضب وتقبيحه الغضب اوله جنون واخره ندم لان الذي يتصرف وقت غضبه بقول او بفعل يتصرف بغير انضباط ولهذا على الانسان الا ينساق مع انفعالات النفس فاذا كان منفعلا يجلس قال عليه الصلاة والسلام اذا غضب احدكم وهو قائم فليجلس فان ذهب عنه الغضب والا فليضطجع وقال عليه الصلاة والسلام اذا غضب احدكم فليسكت قوله فليسكت امتناع عن الكلام وقت الغضب وقوله فليجلس امتناع عن الفعل وقت الغضب فهذان الامران الكلام والفعل وقت الغضب مطلوب من المسلم ان يكف نفسه عنهما الى ان يسكن غضبه لانه وقت انفعاله قد يباشر اقوالا واعمالا تتنافى مع الادب والخلق فيحتاج من اراد لنفسه ان يكون خلوقا الا ينساق مع انفعالات النفس ولا سيما وقت غضبه وقد جاء في بعض روايات الحديث ان الصحابي قال فتأمنت ذلك فوجدت ان الغضب جماع الشر. لانه اذا كان ينساق مع انفعالاته ومع غضبه سيفضي به ذلك الى وقوعي في شرور عظيمة لا يحمد عاقبتها الامر الرابع من اركان الادب والاخلاق سلامة الصدر. قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب بني اخيه ما يحب لنفسه فهذا الحديث يعد عمدة في باب الاخلاق ان يكون صدر المرء سليما لا يكون فيه غل او حقد او سخاء او ظغائن او نحو ذلك من اسقام القلوب وامراضها ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا فسلامة الصدر ركيزة عظيمة يقوم عليها الخلق والذي في صدره دواخر سيئة وبواطن فاسدة لا يمكن ان يكون من اهل الاخلاق لان فساد الباطن وانحرافه ينعكس على الظاهر كما في الحديث الاوان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب فاذا صلح قلب المرء وطابت سريرته من الدواخل السيئة والبواطن الفاسدة فانه باذن الله تبارك وتعالى سيتحقق فيه الخلق بابهى صوره واجمل حلله نسأل الله عز وجل ان يهدينا اجمعين لاحسن الاخلاق. لا يهدي لاحسنها الا هو. وان يعيذنا من سيء الاخلاق لا يعيذنا من سيئها الا هو وان يعيذنا من منكرات الاخلاق والاهواء والادواء وان يهدينا اليه صراطا مستقيما وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته