بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس اليه فيها ابصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن رواه البخاري ومسلم هذا الحديث من جملة احاديث الايمان العظيمة المبينة لمكانته العلية واهمية رعاية المسلم لايمانه وصيانته من كل امر يدنسه او يضعفه ويوهيه والمراد بنفي الايمان في هذا الحديث نفي كمال الايمان الواجب عمن اقترف هذه المعاصي وانه لا يقع فيها وهو كامل الايمان ووقوع المرء فيها عائد الى ضعف محبة الله عز وجل في قلبه قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ومحبة الله تعالى على درجتين احداهما واجبة وهي المحبة التي توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات وكراهة ما يكرهه من المحرمات فان المحبة التامة تقتضي الموافقة لمن يحبه في محبة ما يحب وكراهة ما يكره خصوصا فيما يحبه ويكرهه من المحب نفسه فلا تصح المحبة بدون فعل ما يحبه المحبوب من محبه. وكراهة ما يكرهه المحبوب من محب به انشد بعضهم في هذا تعصي الاله وانت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع لو كان حبك صادقا لاطعته ان المحب لمن يحب مطيع ومتى اخل العبد ببعض الواجبات او ارتكب بعض المحرمات فمحبته لربه غير تامة فالواجب عليه المبادرة بالتوبة والاجتهاد في تكميل المحبة المفضية لفعل الواجبات كلها واجتناب المحرمات كلها وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فان الايمان الكامل يقتضي محبة ما يحبه الله وكراهة ما يكرهه الله عز وجل والعمل بمقتضى ذلك فلا يرتكب احد شيئا من المحرمات او يخل بشيء من الواجبات الا لتقديم هوى النفس المقتضي لارتكاب ذلك على محبة الله تعالى المقتضية لخلافه الدرجة الثانية من المحبة درجة المقربين وهي ان يمتلئ القلب بمحبة الله تعالى حتى توجب له محبة النوافل والاجتهاد فيها وكراهة المكروهات والانكفاف عنها والرضا بالاقضية والاقدار المؤلمة للنفوس لصدورها عن المحبوب وفي الدعاء المأثور واسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يبلغني حبك وهذا الدعاء يجمع كل خير فان الافعال الاختيارية من العبد انما تنشأ عن محبة وارادة فان كانت محبة الله ثابتة في قلب العبد نشأت عنها حركات الجوارح فكانت بحسب ما يحبه الله هو يرتضيه فاحب ما يحبه الله عز وجل من الاعمال والاقوال كلها ففعل حينئذ الخيرات كلها وترك المنكرات كلها ثم ان تجنب المرء لهذه المنهيات فيه صيانة لدينه ونزاهة له مما يدنسه ويشينه فان الدين تارة يكون نقيا نزها بريا وتارة يكون دنسا متلوثا وتارة يوصف بالقوة والصلابة وتارة بالرقة والضعف كما يوصف بالنقص تارة وبالكمال تارة اخرى ولهذا يقول ابو هريرة رضي الله عنه الايمان نزه ان زنا فارقه الايمان فان لام نفسه وراجع راجعه الايمان. رواه الخلال في السنة وقال يحيى ابن معاذ الاسلام نقي فلا تدنسه باثامك والدخول في هذه الاثام انحراف عن الصراط المستقيم الذي امر الله تعالى بالاستقامة عليه ونهى عن تجاوز حدوده ومن ارتكب شيئا من المحرمات فقد تعدى الحدود وهتك الستور عن النواس بن سمعان الانصاري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما ابواب مفتحة وعلى الابواب سطور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول ايها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تتعرجوا وداع يدعو من فوق الصراط فاذا اراد يفتح شيئا من تلك الابواب قال ويحك لا تفتحه فانك ان تفتحه تلجه والصراط الاسلام والسوران حدود الله والابواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم رواه احمد والمراد بالواعظ حجج الله التي تنهاه عن الدخول في المحرمات باستقرارها في نفسه وبصائره التي يجعلها في قلبه وعلومه التي اودعها اياه لان ذلك كله ينهاه عما لا يسوغ له فحري بالمسلم ان يستكثر في قلبه من علوم وهدايات الكتاب والسنة ما يكون سلامة له ونجاة من الانحراف عن صراط الله المستقيم ومن كان في الدنيا قد خرج عن الاستقامة على الصراط ففتح ابواب المحارم التي في سطور الصراط يمنة ويسرة دخل اليها سواء كانت المحارم من الشهوات او من الشبهات اخذته الكلاليب التي على ذلك الصراط المنصوب على متن جهنم يوم القيامة يمنة ويسرة بحسب ما فتح في الدنيا من ابواب المحارم ودخل اليها قال صلى الله عليه وسلم ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمن كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم متفق عليه ومن كبلته الذنوب واهلكته الخطايا والمعاصي واعاقته عن الاستقامة على الصراط المستقيم عليه ان يطلب لنفسه تباب المعينة له على الخلاص من الذنوب والفكاك منها ومن اعظم المعينات على الخلاص من الذنوب الحياء من الله فان العبد اذا علم بنظر الله اليه واطلاعه عليه وانه من الله بمسمع ومرأى وان الله عز وجل لا تخفى عليه خافية استحيا من الله ان يراه حيث نهاه ومن المعينات عمارة القلب بمحبة الله. التي يجب ان تعمر بها القلوب فان هذه المحبة من اعظم الروادع واشدها دفعا للذنوب فان المحب لمن احب مطيع ومن المعينات على الخلاص من الذنوب تقوية الخوف من الله وتحريك هذا الخوف في القلب بان يكون على معرفة بالله وعظمته وشدة انتقامه ووعيده ودار جزاءه وما اعد فيها من انواع العقوبات والله تعالى يقول ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى فليحذر العبد من فعل موجبات حلول غضب الله عليه واسباب نقمته وسخطه ومن الامور المعينة للعبد على الخلاص من الذنوب معرفة نعم الله عز وجل فان نعم الله جل وعلا تتالى على العبد وتتوالى عليه في كل وقت وحين فلا يليق بعبد نعم الله عليه تتالى ان يقابل هذه النعم بذنوب تسخط المنعم وتزيل النعم ومن الامور المعينات على الخلاص من الذنوب النظر في عواقبها الوخيمة ومآلاتها الاليمة واضرارها المتنوعة في الدنيا والاخرة ومن الامور المعينات على الخلاص من الذنوب النظر فيما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والاخرة ويكفي في هذا فوات الايمان الذي ادنى مثقال ذرة منه خير من الدنيا وما فيها اضعافا مضاعفة فكيف يبيعه بشهوة تذهب لذتها ويبقى سوء مغبتها تذهب الشهوة وتبقى الشكوى قال ابو هريرة عقب حديث لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن انه ينزع منه الايمان فان تاب تاب الله عليه وقال الحسن يجانبه الايمان ما دام كذلك فان راجع راجعه الايمان ولهذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه الزناة في التنور عراة لانهم تعروا من لباس الايمان وعاد تنور الشهوة الذي كان في قلوبهم تنورا ظاهرا يحمى عليه في النار ومن المعين على الخلاص من الذنوب شرف النفس وزكاؤها ورفعتها وعلوها فلا يليق بصاحب نفس شريفة ان يدنسها ويحقرها ويلوثها بانظار الذنوب والمعاصي بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن الامور المعينة على الخلاص من الذنوب قصر الامل وان يستحضر العبد ان مدة المقام في هذه الحياة الدنيا لا تطول فان الاخرة مقبلة والدنيا مدبرة فلا انفع للعبد من قصر الامل ولا اضر عليه من التسويف وطول الامل ومن الامور المعينة على الخلاص من الذنوب تجنب الفضول فضول المطعم والمشرب والمأكل والملبس وغير ذلك فان كثرة الفضول تمرض القلب وتعيقه عن الوصول ومن الامور المعينة على الخلاص من الذنوب مدافعة خواطر النفس الباطلة لان المعصية اول ما تبدأ تكون خاطرة في النفوس ثم تتطور لتصبح امنية ثم تتحول الى هم يتحرك في القلب وبعدها تصير ارادة سيئة وبعد هذا تخلص لان تكون عزما يقارنه فعل لها فمن الخير للانسان ان يقطع هذه الخواطر السيئة في اول نشأتها فانه ان تساهل ووقع في المعصية هان عليه فعلها مرة تلو المرة حتى تصير صفة لازمة وهيئة ثابتة وقد ضرب الامام احمد رحمه الله مثلا لحال العبد مع الذنوب برجل كان يمشي بارض فيها وحل فجعل يتوقاه فغاصت رجله فيه فخاض اي صار يمشي في الوحل بعد ذلك دون توق وقال لاصحابه هكذا العبد لا يزال يتوقى الذنوب فاذا واقعها خاضها ومن الامور المعينة على الخلاص من الذنوب تجديد الايمان في القلب فان الايمان بحاجة الى ان يجدد وفي الحديث المأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله ان يجدد الايمان في قلوبكم واذا تجدد الايمان في القلب بعدت النفس عن تعلقها بالذنوب واقبالها على المعاصي ودعاها داعي الايمان الى ما يقرب من الله ويدني من رحمته سبحانه وهذه المذكورات انما هي وسائل واسباب تعين العبد على الخلاص من الذنوب والنجاة منها وهي لا تكفي وحدها بل لا بد مع هذه الاسباب وبذل الوسع في الاتيان بها من طلب المعونة من الله والمدد والتوفيق وان يصدق في الدعاء وان يحسن في الالتجاء. وان يكثر من الالحاح على الله عز وجل ومن عظيم الدعاء المأثور اللهم انا نسألك الجنة وما قرب اليها من قول او عمل ونعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول او عمل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته