بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن سفيان ابن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله قل لي في الاسلام قولا لا اسأل عنه احدا بعدك وفي حديث ابي اسامة غيرك قال قل امنت بالله فاستقم. رواه مسلم وفي رواية لاحمد قل امنت بالله ثم استقم هذا الحديث العظيم يعد من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم فقد طلب سفيان رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ان يعلمه كلاما جامعا لامر الاسلام كافيا حتى لا يحتاج بعده الى غيره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قل امنت بالله ثم استقم وهذا منتزع من قوله عز وجل ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون اولئك اصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ومن قوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلا من غفور رحيم والاستقامة يترتب عليها سعادة الدنيا والاخرة وفلاح العبد وصلاح امره كله فحقيق بالناصح لنفسه الراغب في سعادتها ان يعنى بالاستقامة على الدين عظيم العناية علما وعملا وثباتا على ذلك الى الممات مستمدا العون من الله تبارك وتعالى فان الاستقامة منة الهية وهبة ربانية ففي ايات كثيرة من كتاب الله عز وجل يضيف الله جل وعلا الى نفسه الهداية الى صراطه المستقيم وان الامر كله بيده عز وجل يهدي من يشاء ويضل من يشاء وبيده سبحانه قلوب العباد فمن شاء اقام قلبه على الصراط ومن شاء ازاغه قال الله تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا واذا لاتيناهم من لدنا اجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما وقال الله تعالى فاما الذين امنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم اليه صراطا مستقيما وقال الله تعالى والله يدعو الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم وقال الله تعالى ان هو الا ذكر للعالمين لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين والايات في هذا المعنى كثيرة وقد كان اكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قالت ام سلمة قلت يا رسول الله او ان القلوب لتتقلب؟ قال نعم ما من خلق الله من بني ادم من بشر الا ان قلبه بين اصبعين من اصابع الله فان شاء عز وجل اقامه وان شاء ازاغه فالاستقامة بيد الله. فمن ارادها لنفسه فليطلبها من الله وليلح عليه سبحانه في السؤال وقد جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها انها سئلت باي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته من الليل قالت اذا قام من الليل افتتح صلاته اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم فهذا كان عليه الصلاة والسلام يقوله كل ليلة في افتتاحه لصلاة الليل انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم كان الحسن البصري رحمه الله اذا قرأ قول الله عز وجل ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال اللهم انت ربنا فارزقنا الاستقامة وحقيقة الاستقامة لزوم المنهج القويم والصراط المستقيم قال الصديق الامة ابو بكر رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا هم الذين لم يشركوا بالله شيئا وروي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه انه قرأ هذه الاية على المنبر ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال فلم يروغ روغان الثعلب وعن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى قوله تعالى ثم استقاموا قال على شهادة ان لا اله الا الله وروي نحوه عن انس ومجاهد والاسود بن هلال وزيد بن اسلم والسدي وعكرمة وغيرهم وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال استقاموا على اداء فرائضه وعن ابي العالية رحمه الله قال ثم اخلصوا له الدين والعمل وعن قتادة في قوله تعالى ثم استقاموا قال استقاموا على طاعة الله ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله هذه الاقوال ثم قال والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرى ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة وترك المنهيات كلها كذلك فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها واصل الاستقامة استقامة القلب روى الامام احمد من حديث انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه قال الحافظ ابن رجب رحمه الله فاصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد كما فسر ابو بكر الصديق وغيره قوله ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بانهم لم الى غيره فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته واجلاله ومهابته ومحبته وارادته ورجائه ودعائه والتوكل عليه والاعراض عما سواه استقامت الجوارح كلها على طاعته فان القلب هو ملك الاعضاء وهي جنوده. فاذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه والاستقامة المطلوبة من العبد هي السداد فان لم يقدر فالمقاربة وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الامرين في قوله ان الدين يسر ولن يساد الدين احد الا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما طلب منه ان يعلمه دعاء يدعو الله به قال قل اللهم اهدني وسددني قال واذكر بالهداية هدايتك الطريق والسداد سداد السهم وقد اخبر صلى الله عليه وسلم ان الناس لن يطيقوا الاستقامة حق الاستقامة كما خرجه الامام احمد وابن ماجة من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال استقيموا ولن تحصوا واعلموا ان خير اعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن وفي رواية للامام احمد قال سددوا وقاربوا ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن وفي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال سددوا وقاربوا وفي هذا المعنى يقول ابن القيم رحمه الله والمطلوب من العبد الاستقامة وهي السداد فان لم يقدر عليها فالمقاربة. فان نزل عنها فالتفريط والاضاعة هذا وثمرة الاستقامة على الصراط المستقيم في الدنيا التوفيق للاستقامة على الصراط المستقيم المنصوب على متن جهنم يوم القيامة فانه ينصب يوم القيامة صراط على متن جهنم احد من السيف وادق من الشعر ويؤمر الناس بالمرور عليه ويتفاوتون في مرورهم عليه تفاوتهم في الاعمال والاستقامة على صراط الله المستقيم في هذه الحياة الدنيا قال ابن القيم رحمه الله فمن هدي في هذه الدار الى صراط الله المستقيم الذي ارسل به رسله وانزل به كتبه هدي هناك الى الصراط المستقيم الموصل الى جنته ودار ثوابه وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالطرف ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كسد الركاب ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يحبو حبوا ومنهم المخدوش المسلم ومنهم المكردس في النار فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا حذو القدة بالقدة جزاء وفاقا هل تجزون الا ما كنتم تعملون ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم فانها الكلاليب التي بجنبتين اذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فان كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك. وما ربك بظلام للعبيد من كان في هذه الحياة الدنيا تخطفه الشبهات والشهوات عن الصراط المستقيم فستخطفه ايضا الكلاليب التي على جنبتي الصراط يوم القيامة مثلما خطفته الشبهات والشهوات في الدنيا والعبد في هذا المقام يحتاج الى نوعين من الهداية ليسلم له سيره وهما الهداية الى الصراط المستقيم والهداية في الصراط المستقيم قال ابن القيم رحمه الله فالهداية الى الطريق شيء والهداية في نفس الطريق شيء اخر الا ترى ان الرجل يعرف ان طريق البلد الفلاني هو طريق كذا وكذا ولكن لا يحسن ان يسلكه فان سلوكه يحتاج الى هداية خاصة في نفس السلوك كالسير في وقت كذا دون وقت كذا واخذ الماء فيما فازة كذا مقدار كذا والنزول في موضع كذا دون كذا فهذه هداية في نفس السير قد يهملها من هو عارف بان الطريق هي هذه فيهلك وينقطع عن المقصود نسأل الله عز وجل ان يهدينا الى صراطه المستقيم وان يهدينا في صراطه المستقيم وان يثبت قلوبنا على طاعته انه سميع مجيب قريب. وصلى الله اللهم وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله بركاته