بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى رهطا وسعد جالس فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا هو اعجبهم الي فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان؟ فوالله اني لاراه مؤمنا فقال او مسلما فسكت قليلا ثم غلبني ما اعلم منه فعدت لمقالتي فقلت ما لك عن فلان؟ فوالله اني لاراه مؤمنا فقال او مسلما ثم غلبني ما اعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا سعد اني لاعطي الرجل وغيره احب الي منه خشية ان يكبه الله في النار. رواه البخاري ومسلم سعد رضي الله عنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي ناسا ويترك من هو افضل منهم في الدين وظن ان العطاء يكون بحسب الفضائل في الدين وظن ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم حال هذا الانسان المتروك فاعلمه به وحلف انه يعلمه مؤمنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم او مسلما فلم يفهم منه النهي عن الشفاعة فيه مرة اخرى فسكت ثم رآه يعطي من هو دونه بكثير فغلبه ما يعلم من حسن حال ذلك الانسان فقال يا رسول الله ما لك عن فلان؟ تذكيرا وجوز ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم هم بعطائه من المرة الاولى ثم نسي فاراد تذكيره وهكذا المرة الثالثة الى ان اعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ان العطاء ليس هو على حسب الفضائل في دين قال ابن رجب رحمه الله وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن ابي وقاص لما قال له لم تعط فلانا هو مؤمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم او مسلم يشير الى انه لم يتحقق مقام الايمان. فانما هو في مقام الاسلام الظاهر ولا ريب انه متى ضعف الايمان الباطن لزم منه ضعف اعمال الجوارح الظاهرة ايضا فدل الحديث على ان الدين مراتب متفاوتة ومقامات مختلفة وان الناس متفاضلون فيه. فمنهم المؤمن ومنهم المسلم وفي القرآن الكريم ايات عديدة تقرر هذا التفاوت بين هاتين الرتبتين قال الله تعالى ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما وقال تعالى فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وقال تعالى قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يلدكم من اعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم ففي هذه الايات دلالة واضحة على وجود فرق بين الاسلام والايمان عند الاجتماع في الذكر فقد ادعى هؤلاء الاعراب لانفسهم مرتبة الايمان ولم يصلوا اليها بعد فنفاها الله عز وجل عنهم بقوله قل لم تؤمنوا ولم يكونوا بنفي الايمان عنهم داخلين في الكفر اذ ان هناك رتبة دون الايمان وهي الاسلام ولهذا قال تعالى ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم اي انكم ما زلتم بعد في رتبة الاسلام وهذا يفيد ان الدين مراتب مرتبة الاسلام ثم اعلى منها مرتبة الايمان ثم اعلى منها مرتبة الاحسان وقد جاء في حديث جبريل المشهور تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لكل مرتبة من هذه المراتب ففيه ان جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاسلام والايمان والاحسان فاجتمعت الثلاثة في الذكر فقال النبي عليه الصلاة والسلام الاسلام ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا وقال عن الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وان تؤمن بالقدر خيره وشره وقال عن الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وفي اخر الحديث قال هذا جبريل اتاكم يعلمكم دينكم فدل الحديث على ان الاسلام هو الاعمال الظاهرة وان المسلم هو من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة واتى بالعمل الظاهر كما قال صلى الله عليه وسلم من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تغفر الله في ذمته لكن هذه الاعمال الظاهرة لا تكون نافعة لمن قام بها عند الله تبارك وتعالى الا اذا كان عنده من الايمان قلبي ما يصحح اسلامه وهو الايمان الجازم بهذه الاصول بمعنى الا يكون عنده شك في الايمان بالله ولا بالكتب ولا بالرسل ولا باليوم الاخر ولا بالقدر لانه ان وجد الشك ارتفع الجزم واذا ارتفع الجزم انتفى الايمان ووجد الكفر وحبطت الاعمال كما قال الله تعالى ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين فان لم يكن عنده هذا القدر من الايمان القلبي كان منافقا واما المؤمن فهو الذي تحقق الايمان في قلبه. فامن بما امر الله تعالى عباده بالايمان به ومن كان شأنه كذلك في باطنه صلح ظاهره تبعا لذلك لان الجوارح لا تتخلف عن مرادات القلوب فاذا صلح القلب هذا الصلاح وعمر بالايمان هذه العمارة جدت الجوارح واجتهدت عملا وطاعة وتقربا الى الله سبحانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب واما المحسن فاعلى من هؤلاء اذ الاحسان الاتقان والاجادة فالمحسن هو الذي اتقن في تحقيق الدين واجاد في تتميم العبادة والطاعة لرب العالمين حتى بلغ به الحال ان يعبد الله كأنه يراه وهذه رتبة عالية رفيعة لا يصل اليها كل احد كما قال الله تعالى ثلة من الاولين وقليل من الاخرين فهذه مراتب الدين وقد جاء نظيرها في قوله تعالى ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله وهذا يوضحه بعض اهل العلم بثلاث دوائر كل واحدة منها اضيق من الاخرى الدائرة الصغرى الاحسان والاوسع منها الايمان ثم الاوسع منها الاسلام فيحتاج العبد ان يحقق الاسلام والايمان حتى يصل بعد ذلك الى درجة الاحسان فان خرج من الاحسان لم يخرج الى الكفر وانما يخرج منه الى مرتبة الايمان فان خرج من الايمان كان في مرتبة دونه وهي مرتبة الاسلام فان خرج منها فما ثم شيء من مراتب الدين فعلى هذا كل محسن مؤمن مسلم وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا وليس كل كل مؤمن محسنا روى الامام احمد عن فضالة ابن عبيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الا اخبركم بالمؤمن من امنه الناس على اموالهم وانفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده. والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله. والمهاجر من هجر طايا والذنوب وفي هذا الحديث بيان لكمال مسميات هذه الاسماء الجليلة. الايمان والاسلام والجهاد والهجرة وبيان للمستحقين لهذه الاسماء على الحقيقة الواجبة لهم والتي يترتب عليها السعادة التامة في الدنيا والاخرة وذكر لحدودها بكلام جامع شامل فالمؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم فان الايمان اذا تمكن في القلب وامتلأ القلب به اوجب لصاحبه القيام بحقوق الايمان التي من اهمها رعاية الامانة والصدق في المعاملات والورع عن ظلم الناس في دمائهم واموالهم ومن كان كذلك عرف الناس هذا منه وامنوه على دمائهم واموالهم واطمأنوا اليه لما يعلمون منه من مراعاة الامانة فان رعاية الامانة اخص واجبات الايمان. كما قال صلى الله عليه وسلم لا ايمان لمن لا امانة له والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. وذلك ان الاسلام الحقيقي هو الاستسلام لله وتكميل عبوديته والقيام حقوق المسلمين ولا يتم الاسلام حتى يحب للمسلمين ما يحب لنفسه ولا يتحقق ذلك الا بسلامتهم من شر لسانه ويده فان هذا اصل هذا الفرض الذي عليه المسلمون فمن لم يسلم المسلمون من لسانه او يده كيف يكون قائما بالفرض الذي عليه لاخوانه المسلمين ومن بسط في المسلمين يده ولسانه اذى وعدوانا اين هو من تحقيق الاسلام فسلامتهم من شره القولي والفعلي عنوان على كمال اسلامه وفي هذا دلالة على ان المؤمن اعلى رتبة من المسلم فان من كان مأمونا على الدماء والاموال كان المسلمون يسلمون من لسانه ويده ولولا سلامتهم منه لما ائتمنوه وليس كل من سلموا منه يكون مأمونا عندهم. فقد يترك اذاهم وهم لا يأمنون اليه خوفا ان يكون قد ترك اذاهم لرغبة او رهبة لا لايمان في قلبه ففسر المسلم بامر ظاهر وهو سلامة الناس منه وفسر المؤمن بامر باطن وهو ان يأمنوه على دمائهم واموالهم. وهذه الصفة اعلى من تلك والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله وذلك ان النفس ميالة الى الكسل عن الخيرات امارة بالسوء سريعة التأثر عند المصائب وتحتاج الى صبر وجهاد في الزامها طاعة الله. وثباتها عليها ومجاهدتها عن معاصي الله وردعها عنها وجهادها على الصبر عند المصائب وهذه هي الطاعات امتثال المأمور واجتناب المحظور والصبر على المقدور والمجاهد حقيقة من جاهد نفسه على هذه الامور لتقوم بواجبها ووظيفتها والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب. وهذه الهجرة فرض عين على كل مسلم لا تسقط عن كل مكلف في كل حال من احواله فان الله حرم على عباده انتهاك المحرمات والاقدام على المعاصي والذنوب. واوجب عليهم الاقبال على طاعته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وهي هجرة تتضمن من والى ويهاجر بقلبه من محبة غير الله الى محبته ومن عبودية غير الله الى عبوديته ومن خوف غير الله ورجائه والتوكل عليه الى خوف الله ورجائه والتوكل عليه ومن دعاء غير الله وسؤاله والخضوع له والاستكانة له الى دعاء الله وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له ومن غشيان الذنوب وارتكابها الى التوبة منها والاقبال على الله وحده خوفا وطمعا وخشوعا وتذللا وقد ثبت في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المهاجر من هجر ما نهى الله عنه والله عز وجل نهى عن الشرك وعن اتباع الهوى وعن فعل المعاصي والذنوب فالمهاجر حقا من هجر هذه الامور واقبل على الله وحده مخلصا ولنبيه صلى الله عليه وسلم متابعا وللذنوب والمعاصي مجانبا ومباعدا وبهذا يعلم ان من قام بما دل عليه هذا الحديث فقد قام بالدين كله من سلم المسلمون من لسانه ويده وامنه الناس على دمائهم واموالهم وهجر ما نهى الله عنه وجاهد نفسه على طاعة الله فانه لم يبقي شيئا من الخير الديني والدنيوي الظاهري والباطني الا فعله ولا من الشر شيئا الا تركه وبالله وحده التوفيق نسأله جل في علاه ان يوفقنا اجمعين لكل خير صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته