بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن انس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول الله امنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال نعم ان القلوب بين اصبعين من اصابع الله يقلبها كيف يشاء. رواه الترمذي وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان قلوب بني ادم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك. رواه مسلم هذه دعوة عظيمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منها تتعلق بحفظ الايمان وسلامته من التغير وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الموجب لاهتمامه بهذا الدعاء والعناية به وهو قوله عليه الصلاة والسلام ان قلوب بني ادم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء قال الشوكاني رحمه الله سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه بعد بيانه ان قلوب العباد بين يدي الله سبحانه بمنزلة قلب واحد يصرفه كيف يشاء ان يصرف قلبه الى طاعته لان من جعل الله سبحانه قلبه مصروفا الى طاعته لم يكن له اهتمام بغير طاعة الله والعمل بما يقرب منه تعالى اذ لا رغبة لقلبه الى غير طاعته ولا التفات الى شيء من المعصية ومثل هذا ما ورد من دعائه صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك والحاصل ان تثبيت قلب العبد على الدين وانصرافه الى الحق من اعظم اسباب النجاة والفلاح والعصمة عن كثير من الذنوب التي يقارفها كثير من العباد وهذا فيه ان قلوب العباد بيد الله سبحانه هو الذي يتصرف فيها ويقلبها كيف يشاء يهدي من يشاء ويضل من يشاء يثبت على الحق من يشاء ويزيغ من يشاء يمن على من يشاء بالهداية ويوجب على من يشاء الخذلان فالامر امره والخلق خلقه وجميع العباد طوع تدبيره سبحانه ولهذا وجب على العبد ان يكثر من دعاء ربه سبحانه ان يثبت قلبه والا يزيغه وان يصرف قلبه على طاعته كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك واذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد ولد ادم مفتقرا الى ان يلجأ الى الله ليثبت قلبه ويكثر من هذا الدعاء فكيف بمن دونه وكل العباد دونه فما احوج كل مسلم الى ان يكثر من هذا الدعاء وان يلح على الله دائما ان يثبت قلبه على الحق والهدى وان يجنبه الزيغ والردى قال البغوي رحمه الله فيه بيان ان العبد ليس اليه شيء من امر سعادته او شقاوته بل ان اهتدى فبهداية الله اياه وان ثبت على الايمان فبتثبيته وان ظل فبصرفه عن الهدى قال تعالى بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان وقال الله تعالى اخبارا عن حمد اهل الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وقال الله تعالى يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة وتبين بهذا ان الله تعالى هو الذي يتولى قلوب عباده فيتصرف فيها بما شاء لا يمتنع عليه شيء منها. ولا تفوته ارادة ولا يكلها الى احد من خلقه فما احوج المسلم الى تثبيت الله له على دينه القويم الذي هو سبب النجاة والفلاح والوقاية من الذنوب وغوائلها والله تعالى يقول يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء والعبد مع هذا محتاج الى بذل المساعي النافعة وسلوك المسالك الصالحة لينال رضا الله وهدايته وتوفيقه وتثبيته قال الله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم قال ابن القيم رحمه الله ان العبد اذا علم ان الله هو مقلب القلوب وانه يحول بين المرء وقلبه وانه تعالى كل يوم هو في بشأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء فما يؤمنه ان يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد اقامته وقد اثنى الله على عباده المؤمنين بقولهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا فلولا خوف الازاغة لما سألوه الا يزيغ قلوبهم وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ومثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو اعوذ بعزتك ان تضلني انت الحي الذي لا يموت ومن فوائد هذا الدعاء العظيمة معرفة اهمية القلب وخطره فان القلب هو الذي جعله الخلاق العليم قائما بامر البدن كقيام الملك بالرعية وهو اول عضو يتحرك في البدن واخر عضو يسكن منه وهو مبدأ جميع الخلق وما يلحقه من صلاح او فساد يسري الى غيره من الاعضاء كما قال صلى الله عليه وسلم وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب متفق عليه قال ابن القيم رحمه الله فاشرف ما في الانسان قلبه. فهو العالم بالله الساعي اليه. المحب له وهو محل الايمان والعرفان وهو المخاطب المبعوث اليه الرسل المخصوص باشرف العطايا من الايمان والعقل وانما الجوارح اتباع للقلب. يستخدمها استخدام الملوك للعبيد والراعي للرعية والذي يسري الى الجوارح من الطاعات والمعاصي انما هي اثاره. فان اظلم اظلمت الجوارح وان استنار استنارت ومع هذا فهو بين اصبعين من اصابع الرحمن فسبحان مقلب القلوب ومودعها ما يشاء من اسرار الغيوب الذي يحول بين المرء وقلبه ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته ودينه مصرف القلوب كيف اراد وحيث اراد اوحى الى قلوب الاولياء ان اقبلي الي. فبادرت وقامت بين يدي رب العالمين وكره انبعاث اخرين فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين كانت اكثر يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومقلب القلوب. وكان من دعائه اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك قال بعض السلف القلب اشد تقلبا من القدر اذا استجمعت غليانها وقال اخر القلب اشد تقلبا من الريشة بارض فلاة في يوم ريح عاصف ومن فوائد هذا الدعاء شدة فقر القلوب الى الله في جلب الصلاح والهداية اليها وفي سلامتها من الزيغ والضلال قال ابن القيم رحمه الله وها هنا يتحقق الفقر والفاقة والضرورة التامة الى ما لك الارادات ورب القلوب ومصرفها كيف يشاء فما شاء ان يزيغه منها ازاغه. وما شاء ان يقيمه منها اقامه ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب فهذا هو الفقر الصحيح المطابق للعقل والفطرة والشرع ومن خرج عنه وانحرف الى احد الطرفين زاغ قلبه عن الهدى وعطل ما لك الملك الحق وانفراده والربوبية عن اوامره وشرعه وثوابه وعقابه وحكم هذا الفقير المضطر الى خالقه في كل طرفة عين وكل نفس انه ان حرك بطاعة او نعمة شكرها. وقال هذا من فضل الله ومنه وجوده فله الحمد وان حرك بمبادئ معصية صرخ ولجأ واستغاث. وقال اعوذ بك منك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك فان تم تحريكه بالمعصية التجاء اسير قد اسره عدوه وهو يعلم انه لا خلاص له من اسره الا بان يفتكه سيده من الاسر ففكاكه في يد سيدة ليس في يده منه شيء البتة ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فهو في اسر العدو ناظر الى سيده. وهو قادر على تخليصه قد اشتدت ظرورته اليه. وصار اعتماده كله عليه فهو سبحانه الذي ينجي من قضائه بقضائه. وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه. وهو الذي يدفع ما منه بما منه الامر كله له والحكم كله له والخلق كله له وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وما شاء لم يستطع ان يصرفه الا مشيئته وما لم يشأ لم يمكن ان يجلبه الا مشيئته. فلا يأتي بالحسنات الا لا هو ولا يذهب بالسيئات الا هو ولا يهدي لاحسن الاعمال والاخلاق الا هو ولا يصرف سيئها الا هو وقال رحمه الله وفي هذا المشهد يشهد توفيق الله وخذلانه كما يشهد ربوبيته وخلقه فيسأله توفيقه مسألة المضطر. ويعود به من خذلانه عياذا الملهوف ويلقي نفسه بين يديه طريحا ببابه مستسلما له. ناكس الرأس بين يديه خاضعا ذليلا مستكينا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا والتوفيق ارادة الله من نفسه ان يفعل بعبده ما يصلح به العبد بان يجعله قادرا على فعل ما يرضيه مريدا له محبا له مؤثرا له على غيره ويبغض اليه ما يسخطه ويكرهه اليه وهذا مجرد فعله والعبد محل له قال الله تعالى ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم فهو سبحانه عليم بمن يصلح لهذا الفضل ومن لا يصلح حكيم يضعه في مواضعه وعند اهله لا يمنعه اهله ولا يضعه عند غير اهله ولما سئل شيخ الاسلام رحمه الله عن من اصابه سهم من سهام ابليس المسمومة كيف يصنع قال من اصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السم ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم. وذلك ابي امور منها ان يداوم على الصلوات الخمس والدعاء والتضرع وقت السحر وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع وليكثر من الدعاء بقوله يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي الى طاعتك وطاعة رسولك فانه متى ادمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك كما قال الله تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكيلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته