بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. رواه مسلم جمع هذا الحديث العظيم ثلاثة اصول عظيمة واسس متينة عليها مدار دين الله وعليها مرتكز السعادة في الدنيا والاخرة وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة علما وعملا الرضا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وان العبد لا ينال طعم الايمان ولا يظفر بلذته وحلاوته الا بتحقيقها والرضا بهذه الاصول الثلاثة موجب لدخول الجنة ففي صحيح مسلم عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا ابا سعيد من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وجبت له الجنة قال فقلت اعدها علي يا رسول الله ففعل اي ان هذه الكلمات وقعت في قلبه موقعا عظيما فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ان يعيدها عليه وعندما يدرج الميت في قبره يسأل عن هذه الاصول ففي المسند للامام احمد وغيره عن البراء رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال وذكر حديثا طويلا وفيه فيأتيه ملكان فيجلسانه اي المؤمن فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الاسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه انهما يسألان الكافر عن هذه الثلاث فيقول ها ها لا ادري ولهذا كان متأكدا على كل مسلم ان تعظم عنايته بهذه الاصول الثلاثة تجديدا لايمانه مع تجدد الليالي والايام ففي سنن ابي داوود وغيره عن ثوبان رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا كان حقا على الله ان يرضيه يوم القيامة وان يقولها ايضا تجديدا لايمانه ورضاه عند سماع النداء للصلاة بكلمات الاذان العظيمة القائمة على والاخلاص والتعظيم والايمان فيشرع للمسلم حين سماع الاذان ان يجدد هذا الرضا بهذه الاصول العظيمة ففي صحيح مسلم عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع المؤذن اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالاسلام دينا غفر له ذنبه وموطن قولها بعد الشهادتين بعد ان يقول المؤذن اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله وبهذه الاحاديث العظيمة ندرك عظم شأن هذه الاصول وان الواجب علينا معاشر امة الاسلام ان تعظم عنايتنا بها عناية مستمرة مع مر الليالي وكر الايام تجديدا للايمان بها ومحافظة عليها ورعاية لها وتمتينا لها في قلوبنا وهذا الاستذكار المتكرر لهذه الاصول غاية في الاهمية لان به تجديد للايمان فلا يزال المؤمن يجدد رضاه وقبوله لهذه الاصول العظيمة في صباحه ومسائه وعند سماعه للاذان في كل مرة وحينئذ فلا يأتيه الموت الا وهو مستعد للسؤال وعليه ايضا الا يقولها قولا مجردا بل يقولها من قلبه يجدد بها ايمانه ورضاه وتسليمه وانقياده والمسؤولية عظيمة على الاباء والمربين والمعلمين ان يعنوا بالابناء تنشئة لهم على هذه الاصول العظيمة لتكون لهم اصلا متينا واساسا عظيما فان مثل هذه الاصول في دين الله عز وجل كمثل الاصول للاشجار قال الله تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في تمام تؤتي اكلها كل حين باذن ربها. ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون قوله ذاق طعم الايمان فيه اخبار ان للايمان طعما وان القلب يذوقه كما يذوق الفم طعم الطعام الشهي والشراب الهنيء قوله ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا اي عمر قلبه بالرضا بالله سبحانه وتعالى خالقا رازقا مدبرا متصرفا في هذا الكون معبودا حق لا معبود بحق سواه يفرده بذله وخضوعه ورجائه وطمعه ودعائه الى غير ذلك من العبادات فهو رضي بالله ربا ولا يبغي غيره ولا يلتفت الى غيره. بل اياه يقصد واليه يتوجه وعليه يتوكل واياه يدعو ويسأل وله يصرف عباداته كلها قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا اول والرضا بالاسلام دينا لانه دين الله الذي رضيه لعباده ولا يرضى لهم دينا سواه وقد قال الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام وقال تعالى ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين والرضا بالاسلام يعني انشراح الصدر للاسلام والقبول لاحكامه واقبال النفس على شرائع الدين منشرحا صدره لذلك فاطمأنت نفسه وارتاحت واقبلت على هذا الدين انقيادا وامتثالا وطواعيا ورضي بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا لانه واسطة بين العباد وبين الله في بلاغ دينه وبيان شرعه فرضي به رسولا وهذا الرضا به عليه الصلاة والسلام رسولا يتضمن تصديق اخباره وامتثال اوامره عن نواهيه صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم رحمه الله الرضا بالهيته يتضمن الرضا بمحبته وحده وخوفه ورجائه والانابة اليه والتبتل اليه وانجذاب الارادة والحب كلها اليه فعل راضي بمحبوبه كل الرضا وذلك يتضمن عبادته والاخلاص له والرضا بربوبيته يتضمن الرضا بتدبيره لعبده ويتضمن افراده بالتوكل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه وان يكون راضيا بكل ما يفعله به فالاول يتضمن رضاه بما يؤمر به والثاني يتضمن رضاه بما يقدر عليه واما الرضا بنبيه صلى الله عليه وسلم رسولا فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق اليه. بحيث يكون اولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى الا من مواقع كلماته ولا يحاكم الا اليه ولا يحكم عليه غيره. ولا يرضى بحكم غيره البتة لا في شيء من اسماء الرب وصفاته وافعاله ولا في شيء من اذواق حقائق الايمان ومقاماته ولا في شيء من احكام ظاهره وباطنه لا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى الا بحكمه فان عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر اذا لم يجد ما يقيته الا من الميتة والدم واحسن احواله ان يكون من باب التراب الذي انما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء طهور واما الرضا بدينه فاذا قال او حكم او امر او نهى رضي كل الرضا ولم يبقى في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه او هواها او قول مقلده وشيخه وطائفته وقد قال الله تعالى في شأن عباده المؤمنين رضي الله عنهم ورضوا عنه وهذا الرضا الذي قام في قلوب هؤلاء المؤمنين عن الله سبحانه هو ثمرة صحة ايمانهم بالله لان الرضا الذي هو فعل العبد ومطلوب منه هو رضا بالله ورضا عن الله قال عليه الصلاة والسلام ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا والرضا بالله يتعلق باسمائه وصفاته بان يؤمن بالله وباسمائه وصفاته وبعظمته وجلاله وكماله ووحدانيته وانه المستحق للعبادة وان يفرده بالطاعة فاذا وجد هذا الايمان على وجه صحيح ذاق العبد بذلك طعم الايمان والرضا بالله متعلقه الاسماء والصفات ولهذا كلما قوي الانسان معرفة بالله ومعرفة باسمائه وصفاته نال من كمال هذا الرضا اعظم حظ اعظم نصيب بحسب حظه من المعرفة بالله سبحانه واما الرضا عن الله ففرع عن ذلك اي فرع عن الرضا بالله الرضا بالله هو الاصل والرضا بالله سبحانه فرض واجب على كل مسلم ويتفرع عن الرضا بالله الرضا عن الله سبحانه ومتعلق الرضا عن الله الثواب والجزاء وما يكرم به سبحانه عبده من خيرات واجور فهؤلاء الذين قال الله عنهم رضي الله عنهم ورضوا عنه اكرمهم الله تعالى بالاصل الكبير الرضا بالله سبحانه وتعالى ايمانا وتوحيدا واخلاصا واقبالا على الله وصدقا مع الله ما حتى اثمر ذلك فيهم رضاهم عن الله سبحانه ولهذا قال رضي الله عنهم ورضوا عنه وهذا الرضا عن اهل الايمان قد اكرم الله سبحانه وتعالى صحابة نبيه منه باوفر نصيب بما وفقهم اليه من ايمان وصحبة ونصرة ودعوة للدين ونشر لاحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وحفظا لها وابلاغا وبيانا. وهذه الخيرية العظيمة التي اكرمهم الله بها والجهاد في سبيل الله فيسرهم الله تعالى انصارا لدينه ففازوا بذلك برظوان الله تعالى واصبحت كلمة رظي الله عنهم قرينة اسم الصحابة على مر الايام فاذا ذكر اسم الصحابي ذكرت كلمة رضي الله عنه. اذا قيل ابو بكر قيل رضي الله عنه واذا قيل عمر قيل رضي الله عنه وهكذا جميع اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دعوات متكررات هم على امتداد التاريخ من كل من جاء بعدهم وتبعهم باحسان والله تعالى يقول والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم وقال الله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم الحقنا الله بالصالحين من عباده وهدانا اليه صراطا مستقيما. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته