بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يعود في الكفر كما يكره ان يقذف في النار رواه البخاري ومسلم ان الايمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو جماع السعادة واصلها الذي عليه تبنى واساسها الذي عليه ترتكز واهل الايمان هم اهل السعادة. ومن فارقه الايمان فارقته السعادة وكان من اهل الشقاء في الدنيا والاخرة ولهذا فان من كان من اهل الايمان تحقيقا له وتتميما وقياما بمقتضياته وما يستوجبه نال من السعادة بحسب ما عنده من الايمان واذا ضعف الايمان ضعف حظه من السعادة واذا ذهب الايمان ذهبت السعادة وفارقت الانسان فبالايمان يسعد وبالايمان يطمئن وبالايمان تقر العين. وبالايمان ينشرح الصدر الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب الذين امنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب فالايمان هو الطمأنينة الحقيقية والراحة واللذة وقرة العين والسعادة مرتبطة بالايمان والذي ربطها بالايمان هو رب العالمين وخالق الخلق اجمعين فمن كان من اهل الايمان سعد في الدنيا والاخرة ومن فارقه الايمان فارق السعادة في الدنيا والاخرة ومن ضعف ايمانه ضعف نصيبه وحظه من السعادة بحسب ما ضعف من ايمانه قال الله تعالى فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى اي انه سبحانه كتب لمتبع الهدى والايمان ووحي الرحمن سبحانه الهداية والسعادة واعاذه من الضلال والشقاء وهذا الحديث حديث عظيم في بيان الايمان وصفات اهله وبما تذاق حلاوته فان الايمان له حلاوة ومذاق جميل وطعم حلو لا يجده كل احد وانما ثمة خصال عظيمة من خصال الايمان وصفات عظيمة من صفات المؤمنين اذا تحقق المرء بالاتصاف بها ذاق حلاوة الايمان ووجد بها طعمه كما اخبر بذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قوله ثلاث من كن فيه اي ثلاث خصال عظيمة وصفات جليلة هي من صفات الايمان وخصاله العظيمة من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان اي انما توجد وتنال بتحقيق هذه الصفات فمن اتصف بها وجد حلاوة الايمان ووجد طعمه لان وجود الحلاوة بالشيء يتبع المحبة له فمن احب شيئا او اشتهى اذا حصل له مراده فانه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك واللذة امر يحصل عقيب ادراك الملائم الذي هو المحبوب او المشتهى وذكر عليه الصلاة والسلام امورا ثلاثة. اصل وفرع ودفع مضاد وهذه الثلاثة هي التي يجد بها المرء حلاوة الايمان قال ابن تيمية رحمه الله فحلاوة الايمان المتضمنة من اللذة به والفرح ما يجده المؤمن الواجد من حلاوة الايمان تتبع كمال محبة العبد لله. وذلك بثلاثة امور تكميل هذه المحبة وتفريعها ودفع ضدها فتكميلها ان يكون الله ورسوله احب اليهم ما سواهما فان محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يكتفى فيها باصل الحب بل لا بد ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما كما تقدم وتفريعها ان يحب المرء لا يحبه الا لله ودفع ضدها ان يكره ضد الايمان اعظم من كراهته الالقاء في النار اما الاصل فقوله ان يكون الله ورسوله احب اليهم مما سواهما بان يحب الله عز وجل محبة مقدمة على كل شيء ثم يحب رسوله صلى الله عليه وسلم محبة هي تبع لمحبة الله فان محبة الرسول عليه الصلاة والسلام هي من محبة الله. وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام من طاعة الله قال الله جل وعلا قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره. والله لا يهدي القوم هم الفاسقين واصل الاعمال الدينية والمحرك لها هو حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكلما قويت هذه المحبة قويت لوازمها ومقتضياتها واذا ظعفت ظعف ذلك كما ان اصل الاقوال الدينية تصديق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فبحسب ما يقوم في القلب من حسن التصديق بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام يكون السداد في الاقوال واما الفرع فقوله وان يحب المرء لا يحبه الا لله بان يحب المرء لاجل الله سبحانه. فاذا عمر القلب بمحبة الله الصادقة ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام فانه يتفرع عن ذلك ولابد ان يحب المرء لا يحبه الا لله. وكذلك يبغظ المرء لا يبغظه الا لله وهذا استكمال للايمان كما قال عليه الصلاة والسلام من احب لله وابغض لله واعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان وقال صلى الله عليه وسلم اوثق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله واما دفع المضاد فقوله ان يكره ان يعود في الكفر كما يكره ان يقذف في النار فهذا بغض ما يضاد ذلك ودفعه وهو دليل على رسوخ الايمان في القلب وتمكنه من النفس لعظم محبة الله ومحبة الرسول عليه الصلاة والسلام في قلبه فاصبح في قلبه كراهية شديدة للكفر ولكل ما يظاد الايمان وينافيه. ويكره ان يعود الى شيء من ذلك كما يكره ان يقذف في النار ومن المعلوم ان كراهية المرء لان يقذف في النار هي اشد ما يكون كراهة فهذا فيه قوة كراهة المؤمن صادق الايمان لكل ما يظاد الايمان وينافيه وعلى هذا تكون محبته دائرة مع محبة الله وكلما قويت فيه محبة الله قويت فروعها المتفرعة عنها في حب المؤمن لا يحبه الا لله ويبغض من يبغض لا يبغضه الا لله فيحب الله ويحب من يحبه من الاعمال والاشخاص وفي الدعاء المأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يقربني الى حبك فجمع بين هذه الامور ولما كانت محبة الله سبحانه لها لوازم وهي محبة ما يحبه الله من الاشخاص والاعمال وكراهة ما يكره من ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدعوة مع محبته الله محبة شيئين اخرين احدهما محبة من يحبه الله فان من احب الله احب احباءه فيه ووالاهم. وابغض اعداءه وعاداهم واعظم من تجب محبتهم في الله انبياؤه ورسله واعظمهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي افترض الله على الخلق كلهم متابعته وجعل متابعته علامة لصحة محبته كما قال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والثاني محبة ما يحبه الله تعالى من الاعمال وبها يبلغ الى حبه وفي هذا اشارة الى ان درجة المحبة لله تعالى انما تنال بطاعته وبفعل ما يحبه فاذا امتثل العبد لاوامر مولاه وفعل ما يحبه احبه الله ورقاه الى درجة محبته كما في الحديث القدسي الذي خرجه البخاري يقول الله تعالى وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه وقد تنوعت الاسباب الجالبة لمحبة الله والموجبة لها وهي في الجملة ترجع لعشرة اسباب ذكرها ابن القيم رحمه الله احدها قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما اريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه الثاني التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض فانها توصله الى درجة المحبوبية بعد المحبة الثالث دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال. فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر الرابع ايثار محابه على محابك عند غلبة الاهواء والتسنن الى محابه وان صعب المرتقى الخامس مطالعة القلب لاسمائه وصفاته. ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومبادئه فمن عرف الله باسمائه وصفاته وافعاله احبه لا محالة السادس مشاهدة بره واحسانه والائه ونعمه الباطنة والظاهرة. فانها داعية الى محبته السابع وهو من اعجبها انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى الثامن الخلوة به وقت النزول الالهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب باداب عبوديتي بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة التاسع مجالسة المحبين الصادقين والتقاط اطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي اطايب الثمر ولا تتكلم الا اذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت ان فيه مزيدا لحالك ومنفعة العاشر مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل فمن هذه الاسباب العشرة وصل المحبون الى منازل المحبة ولهذا يحتاج المسلم دائما ان يعمل على تقوية محبة الله في قلبه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة شر المهم وان يفعل الاسباب التي تمكن هذه المحبة في القلب وان يجتهد في ان يبعد عن قلبه امراضه واسقامه التي تضعف المحبة وتواهيها وعليه ان يكثر من دعاء الله ان يرزقه حبه وحب من يحبه وحب العمل المقرب الى حبه ويكرر هذه الدعوات في حياته ويبذل الاسباب التي تقوي وتوسع مساحة المحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه في الباب اللهم انا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا الى حبك وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته