بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. رواه البخاري ومسلم هذا حديث عظيم في بيان اخوة الايمان ورابطة الدين التي هي اوثق الروابط واقواها وامتنها وهو يدل على وجوب التضامن بين المسلمين والتراحم والتعاطف والتعاون على كل خير وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون كرجل واحد ان اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. رواه مسلم وفي تشبيه المؤمنين بالبناء الواحد والجسد الواحد ما يدل على انهم بتضامنهم وتعاونهم وتراحمهم تجتمع كلمتهم وينتظم صفهم ويسلمون من شر عدوهم وهذه الاخوة التي تجمعهم شأنها ومكانتها اعظم من اخوة النسب لان الجامع فيها دين الله والرابطة فيها عبادة الله. والغاية منها نيل رضا الله جل وعلا ولهذا كان واجبا على كل مسلم ان يرعى لهذه الاخوة حقها وان يعرف لها مكانتها. وان يحفظ لها حرمتها وان يتحاشى كل امر ينقضها او ينقصها فان الاخوة في الله تحتاج من اهل الايمان ومن المتآخين في الدين الى رعاية وعناية بها لان لا ولان لا تنثلم وبمطالعة الكتاب والسنة في هذا الباب العظيم نجد ايات واحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنوه بهذه الاخوة وتعلي من شأنها وتبين موجباتها ومقتضياتها وحقوقها وادابها ومن جوامع ما جاء في هذا الباب في كتاب الله عز وجل قول الله تعالى في سورة الحجرات بالتنويه بهذه الاخوة الايمانية ومكانتها وذكر شيء من حقوقها وواجباتها. قال الله تعالى انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم ليمون يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم ومن اجمع ما ورد في السنة في هذا الباب المبارك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا ايبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله اخوانا المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا ويشير الى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه وهذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب المبارك باب الاخوة الايمانية وما تقتضيه وتستوجبه بين اهل الايمان من حقوق ومقتضيات وواجبات ومن اخل بشيء مما ذكر في الايات المتقدمة وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره من احاديثه الشريفة مما يتعلق بالاخوة ومقتضياتها نقص من ايمانه وضعف من دينه بحسب بما اخل به من حقوق للاخوة والايمان يثمر في اهله تآخيا وتآلفا وتوادا عظيما وصلة وثيقة لا يمكن ان تتحقق بين الناس في اي رابطة اخرى ايا كانت وهي رابطة مستمرة غير منقطعة في الدنيا والاخرة. اما الصلات الاخرى فهي منقطعة مهما كانت قوتها قال الله تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين وقال جل وعلا وتقطعت بهم الاسباب اي اسباب الاخوة والصلة ولهذا كل علاقة وتآخ مآله الى التصرم والانقطاع الا التآخي في الله وقد نوه الله سبحانه باهل الايمان لتواصيهم بالمرحمة. قال تعالى وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحل والمراد بالمرحمة التراحم بين اهل الايمان وان تكون قلوبهم منطوية على الرحمة يرحم بعضهم بعضا ويعطف بعضهم على بعض كما تقدم وصف في الحديث مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وقد ضرب اصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وهم خير امته في هذا الباب اروع الامثلة وحققوا فيه رفيع المقامات وقد نوه الله سبحانه بذلك في القرآن قال جل وعلا في سورة الفتح في تمامها محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء اي يرحم بعضهم بعضا ويرأفوا بعضهم ببعض ويعطف بعضهم على بعض امالهم واحدة والامهم واحدة وافراحهم واحدة واتراحهم واحدة كالجسد الواحد ومن المعلوم ان الجسد الواحد يألم لالم بعضه ويفرح لفرح بعضه وهكذا ينبغي ان تكون حال اهل الايمان واذا ضعف فيهم هذا الخلق فهو من ضعف ايمانهم لان من مقتضيات اخوة الاسلام ولوازمها التراحم بين اهل الايمان وان يكونوا بهذه المثابة كالجسد الواحد وان يكونوا كالبنيان يسد بعضه بعضا وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وكل يحب لنفسه من اخوانه ان يرحموه وان تكون قلوبهم منطوية على رحمة الله ولا يريد ان تنطوي قلوب اخوانه عليه بحقد او حسد او غل او كيد او مكر او غير ذلك وما لا يرضاه لنفسه من الاخلاق فيجب عليه الا يرضاه للاخرين وما لا يحبه لنفسه يجب عليه الا يحبه للاخرين فانه اذا عومل يوما بغير الرحمة سخط لذلك ولم يرضى بذلك لان النفوس تأبى كل خصلة تجانب العطف والرحمة ولهذا كان متأكدا على المسلم ان يعامل اخوانه بالمعاملة الطيبة الكريمة الفاضلة التي تبوا ان يعامل بها واساس ذلك بين اهل الايمان التراحم ووجود الرحمة في القلوب فاذا رحم المسلم اخوانه عاملهم بالمعاملة الحسنة الطيبة ومن اسماء نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام والقابه المنيفة صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه اسماء فقال انا محمد واحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة وهو عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة اولا في خلقه هو صلى الله عليه وسلم قال تعالى لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وقال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وثانيا في دعوته المتكررة ونصحه المتواصل لامته ان يكونوا متراحمين والاحاديث عنه في هذا الباب كثيرة امرا بالرحمة والتراحم وحثا على ذلك وانه خلق اهل الايمان بل بين عليه الصلاة والسلام ان انتزاع الرحمة من قلب الانسان دليل على شقائه. قال عليه الصلاة والسلام لا تنزع الرحمة الا من شقي رواه الترمذي وحسنه ويؤخذ من قوله انا نبي الرحمة ان من انتزعت من قلبه الرحمة فهذا من خلل في اتباع امام الرحماء صلوات الله وسلامه عليه وهذه الرحمة تجلب للقلب سعادة وراحة وتجعل للمرء في قلوب الاخرين محبة واحتراما لان القلوب جبلت على محبة من يرحمها ويحسن اليها ويعطف عليها وجبلت على النفرة ممن كان غليظا فظا قال الله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وروى الطبراني عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا يا رسول الله كلنا رحيم. قال انه ليس برحمة احدكم صاحبا ولكنها رحمة الناس رحمة العامة فينبغي على المسلم ان يكون مراعيا لحقوق اخوانه المسلمين. محبا الخير لهم رحيما بهم. عطوفا عليهم داعيا لهم بالتوفيق والسداد والخير والفلاح والصلاح والاستقامة لان حاجة الجميع الى ذلك مشتركة فكما ان المسلم بحاجة الى دعوات اخوانه المسلمين فكذلك اخوانه المسلمون بحاجة الى ذلك قال ابن القيم رحمه الله والجميع مشتركون في الحاجة بل في الضرورة الى مغفرة الله وعفوه ورحمته فكما يحب اي المسلم ان يستغفر له اخوه المسلم كذلك هو ايضا ينبغي ان يستغفر لاخيه المسلم فيصير هج يراه رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات قال الله تعالى والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان وقال تعالى واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ومن الاجور الواردة في هذا الدعاء العظيم ما ثبت في المعجم الكبير للطبراني باسناد حسن عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة ثم ان هذه الاخوة الايمانية والرابطة الدينية العظيمة لا يجوز ان تهدر او ان تضيع استنادا الى بعض بالدنيوية وكم يقع بين كثير من الناس بل بين كثير من المتحابين ان يدخل عليهم الشيطان من خلال بعض الحظوظ الدنيوية فيقع في قطيعة بينهم وعداوة وشحناء وبعض تبقى والعياذ بالله الى ان يدرج احدهما في قبره وانها لمصيبة عظيمة ان يخلى بهذه الاخوة الايمانية هذا الاخلال وان تضيع بهذه الطريقة لاجل بعظ الحظوظ الدنيوية ولهذا جاء في الصحيحين عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال لا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام وروى مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح ابواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا الا رجلا كانت بينه وبين اخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا اللهم اصلح ذات بيننا والف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام واخرجنا من الظلمات الى النور وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته