بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول واهوى النعمان باصبعيه الى اذنيه ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام الراعي يرعى حول الحمى. يوشك ان يرتع فيه الاوان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارمه الاوان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب متفق عليه يعد هذا الحديث اصلا عظيما في باب اصلاح القلوب وان صلاح الجوارح بصلاحه وفسادها بفساده قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وفي الجملة القلب هو الاصل وهذا كما في حديث النعمان بن بشير المتفق عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح لها سائر الجسد واذا فسدت فسد لها سائر الجسد الا وهي القلب وصلاحه وفساده يستلزم صلاح الجسد وفساده فيكون هذا مما ابداه لا مما اخفاه وكل ما اوجبه الله على العباد لابد ان يجب على القلب فانه الاصل وان وجب على غيره تبعا. فالعبد المأمور المنهي انما يعلم بالامر والنهي قلبه وانما يقصد بالطاعة والامتثال القلب والعلم بالمأمور والامتثال يكون قبل وجود الفعل المأمور به كالصلاة والزكاة والصيام واذا كان العبد قد اعرض عن معرفة الامر وقصد الامتثال كان اول المعصية منه اي القلب بل كان هو العاصي وغيره تبع له في ذلك ولهذا قال في حق الشقي فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى الايات وقال في حق السعداء ان الذين امنوا وعملوا الصالحات في غير موضع والمأمور نوعان نوع هو عمل ظاهر على الجوارح وهذا لا يكون الا بعلم القلب وارادته فالقلب هو الاصل فيه كالوضوء والاغتسال وكافعال الصلاة من القيام والسجود وافعال الحج من الوقوف والطواف وان كانت اقوالا فالقلب اخص بها فلا بد ان يعلم القلب وجود ما يقوله. او بما يقول ويقصده فتبين بهذا ان القلب هو الاصل في جميع الافعال والاقوال فما امر الله به من الافعال الظاهرة لابد فيها من معرفة القلب وقصده وكذلك ما امر به من الاقوال لا بد فيها من معرفة القلب وقصده وبهذا ايضا يعلم ان القلب اذا عمر بالايمان بالله وحبه وتعظيمه وخوفه ورجائه والتوكل عليه واخلاص الدين له طابت الجوارح وصلحت بل لا يتم شيء من المأمور به ظاهرا الا بها والا فلو عمل اعمالا ظاهرة بدون هذه كان منافقا ثم هي في انفسها توجب لصاحبها اعمالا ظاهرة توافقها في الزكاء والاستقامة فمعرفة احكام القلوب اهم من معرفة احكام الجوارح اذ هي اصلها واحكام الجوارح متفرعة عليها وهي موطن نظر الرب سبحانه وتعالى كما روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر الى اجسادكم ولا الى صوركم ولكن الى قلوبكم واشار باصبعه الى صدره وروى مسلم واحمد من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال التقوى ها هنا واشار بيده الى صدره ثلاث مرات القلوب هي الاساس فاذا استقامت على تقوى الله جل وعلا حقا وصدقا استقامت الجوارح كلها عملا بطاعة الله وطلبا لنيل جل في علاه وفي المسند عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه قال الحافظ ابن رجب رحمه الله والمراد باستقامة ايمانه استقامة اعمال جوارحه فان اعمال الجوارح لا تستقيم الا باستقامة القلب ومعنى استقامة القلب ان يكون ممتلئا من محبة الله ومحبة طاعته وكراهة معصيته وقال الحسن لرجل داوي قلبك فان حاجة الله الى العباد صلاح قلوبهم يعني ان مراده سبحانه منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم فلا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاءه والتوكل عليه وتمتلئ من ذلك وهذا هو حقيقة التوحيد وهو معنى لا اله الا الله فلا صلاح للقلوب حتى يكون الهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو الله وحده لا شريك له ولو كان في السماوات والارض اله يؤله سوى الله لفسدت بذلك السماوات والارض كما قال تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا فعلم بذلك انه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معا حتى تكون حركات قلوب اهلها كلها لله وحركات الجسد تابعة لحركات القلب وارادته فان كانت حركته وارادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله وان كانت حركة القلب وارادته لغير الله تعالى فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اعطى لله ومنع لله واحب لله وابغض لله فقد استكمل الايمان ومعنى هذا ان حركات القلب والجوارح اذا كانت كلها لله فقد كمل ايمان العبد بذلك ظاهرا وباطنا ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح فاذا كان القلب صالحا ليس فيه الا ارادة الله وارادة ما يريده لم تنبعث الجوارح الا فيما يريده الله فسارعت الى ما فيه رضاه وكفت عما يكرهه وعما يخشى ان يكون مما يكرهه وان لم يتيقن ذلك ولهذا فان امر استقامة القلب امر عظيم فان كثيرا من الناس ربما يعنى باستقامة الظاهر ويغفل عن اقامة باطنه على الطاعة وحسن الاقبال على الله سبحانه وتعالى. والبعد بالقلب عن القلوب وامراضها التي تبعده عن الاستقامة والقلوب تتسلل اليها ادواء واسقام وامراض تضعف ما فيها من ايمان وتنقص ما فيها من دين وطاعة لله سبحانه ولهذا فان من الاستقامة على طاعة الله سبحانه وتعالى ان يحرص المرء على مداواة القلوب والنفوس والمجاهدة في البعد بها عن الامراض والاسقام التي تصيبها فتسقمها وتمرضها فكما ان الابدان تمرض فان القلوب تمرض بل مرضها اشد من مرض البدن واخطر ومن اعظم ما ينبغي ان يعنى به تجاه القلب العناية بسلامته من هذه الامراض والاسقام فهذا الذي ينفع العبد النفع العظيم يوم يلقى الله ويقف بين يديه سبحانه. قال الله سبحانه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم والقلب السليم هو القلب الذي سلم من الشرك والشك وسلم من كل امر يسخط الله وسلم من الاصرار على البدع والمعاصي ويلزم من هذه السلامة من هذه الاشياء الاتصاف باضدادها من لله واليقين والاقبال على طاعة الله ومحبة الله جل وعلا وتعظيمه وتعظيم شرعه فان القلب اذا كان متصفا بهذه الاشياء سليما من اضدادها كان بذلك قلبا سليما له النجاة يوم القيامة. والفوز بالدرجات العلى يوم يلقى الله سبحانه قال ابن القيم رحمه الله وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم والامر الجامع لذلك انه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف امر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله صلى الله عليه وسلم فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله بخوفه ورجائه والتوكل عليه والانابة اليه والذل له وايثار مرضاته في كل حال والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح الا لله وحده القلب السليم هو الذي سلم من ان يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما بل قد خلصت عبوديته لله تعالى ارادة ومحبة وتوكلا وانابة واخباتا وخشية جاء وخلص عمله لله فان احب احب في الله وان ابغض ابغض في الله وان اعطى اعطى لله وان منع منع لله ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله صلى الله عليه وسلم فيعقد قلبه معه عقدا محكما على الائتمان والاقتداء به وحده دون كل احد في الاقوال امل من اقوال القلب وهي العقائد واقوال اللسان وهي الخبر عما في القلب. واعمال القلب وهي الارادة والمحبة والكرامة وتوابعها واعمال الجوارح فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دقه وجله هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله اي لا تقولوا حتى يقول ولا تفعلوا حتى يأمر قال بعض السلف ما من فعلة وان صغرت الا ينشر لها ديوانان. لم؟ وكيف اي لم فعلت وكيف فعلت الاول سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل وغرض من اغراض الدنيا بمحبة المدح من الناس او خوف ذمهم او استجلاب محبوب عاجل او دفع مكروه عاجل ام الباعث على الفعل القيام بحق العبودية؟ وطلب التودد والتقرب الى الرب سبحانه وابتغاء الوسيلة ايوة ومحل هذا السؤال انه هل كان عليك ان تفعل هذا الفعل لمولاك ام فعلته لحظك وهواك والثاني سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك التعبد اي هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي ام كان عملا لم اشرعه ولم ارضه الاول سؤال عن الاخلاص والثاني سؤال عن المتابعة فان الله سبحانه لا يقبل عملا الا بهما فطريق التخلص من السؤال الاول بتجريد الاخلاص وطريق التخلص من السؤال الثاني بتحقيق المتابعة وسلامة القلب من ارادة تعارض الاخلاص وهوى يعارض الاتباع فهذا حقيقة سلامة القلب التي ضمنت له النجاة والسعادة وللقلب السليم علامات تدل عليه وعلى سلامته ونقائه وزكائه ومن هذه العلامات ان يكون قلبا مترحلا عن الدنيا متجافيا عنها غير مغتر بها عالم بحقيقة حالها وانها دار الفناء والزوال وانها مرتحلة وليست باقية كما قال علي رضي الله عنه ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الاخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ومن علامات القلب السليم ان تكون همته واحدة. وهي نيل رضا الله والبعد عن مساخطه جل في علاه ومن علامات القلب السليم جده ومجاهدته للبعد عن المعاصي والاثام والبدع وفعل الحرام وقد قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ومن علاماته العناية بتصحيح العمل اكثر من العناية بالعمل لنفسه اخلاصا لله وصدقا مع الله ونصحا في عبادة في الله واستشعارا لمنة الله عليه واتهاما للنفس بالتقصير في جنب الله ومجاهدة لها في طاعة الله وهكذا ينبغي ان يكون المؤمن معتنيا بقلبه عاملا على اصلاحه مجتهدا في تزكيته وتنقيه ومن الدعاء المأثور. اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها وجاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لشداد ابن اوس اذا اكتنز الناس الدينار والدرهم فاكتنزوا هؤلاء الكلمات. اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد. واسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك واسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك واسألك قلبا سليما ولسانا صادقا واسألك من خير ما تعلم واعوذ بك من شر ما تعلم واستغفرك لما تعلم انك انت علام الغيوب وهو حديث صحيح اشتمل على جماع الخير وابواب البر وجماع الفضيلة والنبي صلى الله عليه وسلم اكد تأكيدا عظيما على العناية بهذا الدعاء. والعناية بتحقيق ما فيه من المطالب عظيمة والمقاصد الجليلة وبخاصة العناية بسلامة القلب وذلك بتنقيته وتزكيته وتطهيره من كل امر يسخط الله ولا سيما الشرك بالله او الشك في لله او الاصرار على البدع والمعاصي او نحو ذلك من الافات التي تعرض للقلوب وتضر بها اضرارا بالغا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبي محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته