بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد تقدم ذكر حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما ان نبي الله صلى الله عليه وسلم قال الاوان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب فالقلب مضغة صغيرة في صدر العبد عظيمة الخطر كبيرة الاثر صلاحه صلاح البدن كله والجوارح جميعها وفساده فساد البدن كله والجوارح جميعها وسميت في الحديث مضغة اشارة الى تصغير هذا العضو لان اصل المضغة قدر ما يمضغه الانسان في فيه فما اعظم خطر هذه المضغة وما اكبر اثرها فكل حركة وسكون تقع من الانسان وكل فعل او ترك فرع عن مراد هذه المضغة بل لا يمكن للجوارح ان تتخلف عن ذلك فاذا كان القلب صالحا بما فيه من الايمان علما وعملا قلبيا لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالايمان المطلق فما احوج العبد الى العناية بهذه المضغة اصلاحا وتنقية وتزكية وتطهيرا ومن الدعوات المأثورة في هذا الباب ما ورد في حديث زيد بن ارقم رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم ات نفسي لتقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها وان اهم ما ينبغي مراعاته في هذا المقام معرفة الغاية التي خلقت القلوب لاجلها واوجدت لتحقيقها الا وهي توحيد الله واخلاص الدين له. ومدى حظه ومدى حظ القلوب منها والقلوب في هذا الامر على قسمين الاول قلب مشغول بالله. عاقل للحق. مفكر في العلم. مجتهد في تحقيق هذه الغاية وهو بهذا يكون قد وضع في موضعه الصحيح وحينئذ يكون له وجهان وجه مقبل على الحق علما وعملا سعيا واذعانا رغبة وطلبا تحقيقا وتطبيقا ووجه معرض عن الباطل منصرف عنه حذرا من الوقوع فيه ويقال له القلب الزكي والقلب الطاهر والقلب السليم لان هذه الاسماء تدل على سلامة القلب من الشر وبعده عن الخبث وخلاصه من الافات الثاني قلب منصرف الى الباطل منحرف عن الغاية التي اوجد لاجلها وخلق لتحقيقها وله وجهان وجه مقبل على الباطل مشغول به ووجه معرض عن الحق غير قابل له وهما في الحقيقة افتان افة الصدود عن الحق وافة الاقبال على الباطل ولكل منهما اظراره الجسيمة ونتائجه الوخيمة والباطل الذي ينشغل به القلب عن هذه الغاية نوعان اولا نوع يشغل القلب عن الحق ويزاحم الخير الذي فيه دون ان يعانده ويصادمه كالافكار والهموم والغموم والاحزان الناشئة عن علائق الدنيا وشهوات النفس ثانيا نوع يعاند الحق الذي في القلب ويصادمه ويصد عنه مثل الاراء والاهواء المرضية من الكفر والنفاق والبدع ونحو ذلك فالاول يزاحم القلب والثاني يصادم ما فيه وعلاج الاول بالعودة بالقلب الى التوحيد الخالص والايمان الصحيح الذي خلق القلب لاجله وعدم شغله بامر اخر ومن الاحاديث الواردة في ذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا اله الا الله العظيم اليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السماوات ورب الارض ورب العرش الكريم متفق عليه وعن اسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الا اعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب او في الكرب الله الله ربي لا اشرك به شيئا. رواه ابو داوود وابن ماجة وعن ابي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال دعوات المكروب اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله الا انت رواه ابو داوود وعن سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فانه لم يدعو بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله له رواه الترمذي وجميع هذه الكلمات الواردة في هذا الحديث كلمات ايمان وتوحيد واخلاص لله عز وجل وبعد عن الشرك كله كبيره وصغيره وفي هذا ابين دلالة على ان اعظم علاج للكرب واصلاح للقلب هو تجديد الايمان وترديد كلمة التوحيد. لا اله الا الله فانه ما زالت عن العبد شدة ولا ارتفع عنه هم وكرب بمثل توحيد الله واخلاص الدين له وتحقيق العبادة التي خلق العبد لاجلها واوجد لتحقيقها فان القلب عندما يعمر بالتوحيد والاخلاص ويشغل بهذا الامر العظيم الذي هو اعظم الامور واجلها على الاطلاق تذهب عنه الكربات وتزول عنه الشدائد والغموم ويسعد غاية السعادة قال ابن القيم رحمه الله التوحيد مفزع اعداءه واوليائه فاما اعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها. فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين. فلما نجاهم الى البر لايذاهم يشركون واما اولياؤه فينجيهم من كربات الدنيا والاخرة وشدائدها ولذلك فزع اليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات وفزع اليه اتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا. وما اعد لهم في الاخرة ولما فزع اليه فرعون عند معاينة الهلاك وادراك الغرق لم ينفعه لان الايمان عند المعاينة لا يقبل. هذه سنة الله في عباده فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب الا فرج الله كربه بالتوحيد فلا يلقي في الكرب العظام الا الشرك ولا ينجي منها الا التوحيد فهو مفزع الخليقة وملجأها وحصنها وغياثها وبالله التوفيق وعلاج الثاني بالهداية لهذا الدين الحنيف والتوفيق للدخول فيه قال الله تعالى افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه وكل منحرف عن هذا الدين منصرف عن الهدى فقلبه مريض ولا شفاء له الا بالدخول في هذا الدين وهو في غاية الظمأ والعطش لا يرويه الا معين هذا الدين الصافي ومنهله العذب قال احد المهتدين لهذا الدين العظيم ان غير المسلمين على اختلاف نحلهم ومللهم ظمأ بل يكادون يهلكون من شدة الظمأ وذلك لانهم لم يجدوا ما يروي ظمأهم في عقيدتهم البالية. محرفة كانت او مؤلفة من ارث عقولهم ويا لله العجب كلما شربوا منها ازدادوا ظمأ وما كنت الا واحدة من هؤلاء ووالله ما ارتويت الا من بعد ان نهلت من نهر هذا الدين العذب الصافي فلله الحمد رب السماوات ورب الارض رب العالمين ومن المعلوم ان الانسان قد يلم به بعض الملمات. وقد تصيبه بعض المصائب وقد يبتلى ببعض الالام التي تكدره وتؤلم قلبه وتعصر فؤاده وربما جلبت له الكثير من الحزن او الهم او الغم وهذه اذا وصلت الى القلب اتعبته وارقته وكدرت صفوه ولا يكون وضعه مع وجودها سويا طبيعيا وعند النظر في طريقة علاجها والسعي في ابعادها وازالتها عن القلب نجد ان الناس يتفاوتون في هذا الباب تفاوتا عظيما وينحون في العلاج مناح شتى. ولكن لا علاج ولا دواء ولا شفاء ولا سلامة من ذلك كله الا بالعودة الصادقة الى الله جل وعلا فبالعودة الى الله وذكره وتعظيمه وعمارة القلب بتوحيده والايمان به واللجوء الصادق اليه والافتقار اليه والذل بين يديه. والانكسار له سبحانه تذهب ولا يبقى منها شيء قال الله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله فاخبر تعالى ووعد من جمع بين الايمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار وسبب ذلك واضح فان المؤمنين بالله الايمان الصحيح المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والاخلاق والدنيا والاخرة معهم اصول واسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من اسباب السرور والابتهاج واسباب القلق والهم والاحزان يترقون المحاب والمسار بقبول لها وشكر عليها واستعمال لها فيما ينفع فاذا استعملوها على هذا الوجه احدث لهم من الابتهاج بها والطمع في بقائها وبركتها ورجاء ثواب امورا عظيمة تفوق بخيراتها وبركاته هذه المسرات التي هذه ثمرتها ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيف والصبر الجميل لما ليس لهم منه بد وبذلك يحصل لهم من اثار المكاره من المقاومة النافعة والتجارب والقوة ومن الصبر واحتساب الاجر والثواب امور عظيمة تظمحل معها المكاره وتحل محلها المسار والامال الطيبة والطمع في فضل الله وثوابه كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح انه قال عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ظراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لاحد الا للمؤمن رواه مسلم فالمؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات اعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره. بحسب حظه من ايماني والعمل الصالح فيتلقى بهما الخير والشر شكرا على النعماء وصبرا على الضر والبلاء فيحدث له السرور والابتهاج وزوال الهم والغم والقلق وضيق الصدر وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار فيجتمع للمؤمن عند النعم والسراء نعمتان نعمة حصول ذلك المحبوب ونعمة التوفيق للشكر الذي هو اعلى من ذلك وبذلك تتم عليه النعمة ويجتمع له عند الظراء ثلاث نعم نعمة تكفير السيئات ونعمة حصول مرتبة الصبر التي هي اعلى من ذلك ونعمة سهولة الضراء عليه لانه متى عرف حصول الاجر والثواب والتمرن على الصبر هانت عليه وطأة المصيبة وخف عليه حملها والايمان ملجأ المؤمنين بكل ما يلم بهم من سرور وحزن وخوف وامن وطاعة ومعصية وغير ذلك من الامور التي لابد لكل احد منها فعند المحاب والسرور يلجأون الى الايمان فيحمدون الله ويثنون عليه ويستعملون النعم فيما يحب المنعم وعند المكاره والاحزان يلجأون الى الايمان من جهات عديدة يتسلون بايمانهم وحلاوته ويتسلون بما يترتب على ذلك من الثواب ويقابلون الاحزان والقلق براحة القلب والرجوع الى الحياة الطيبة المقاومة للاحزان والاتراح ويلجأون الى الايمان عند الخوف فيطمئنون اليه ويزيدهم ايمانا وثباتا وقوة وشجاعة ويضمحل الخوف الذي اصابهم كما قال تعالى عن اخيار الخلق الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء لقد اظمحل الخوف من قلوب هؤلاء الاخيار وخلفه قوة الايمان وحلاوته وقوة التوكل على الله والثقة بوعده ويلجأون الى الايمان عند الامن فلا يبطرهم ولا يحدث لهم الكبرياء بل يتواضعون ويعلمون انه من الله ومن فضله وتيسيره فيشكرون الذي انعم بالسبب والمسبب. الامن واسبابه ويعلمون انه اذا حصل لهم ظفر بالاعداء وعز انه بحول الله وقوته وفضله لا بحولهم وقوتهم ويلجأون الى الايمان عند الطاعة والتوفيق للاعمال الصالحة فيعترفون بنعمة الله عليهم بها وان نعمته عليهم فيها اعظم من نعم العافية والرزق وكذلك يحرصون على تكميلها وعمل كل سبب لقبولها وعدم ردها او نقصها ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها ان يتم عليهم نعمته بقبولها. والذي تفضل عليهم بحصول اصلها ان يتمم لهم منها ما انتقصوه منها ويلجأون الى الايمان اذا ابتلوا بشيء من المعاصي. بالمبادرة الى التوبة منها وعمل ما يقدرون عليه من الحسنات لجبر نقصها قال الله تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجأهم الى الايمان ومفزعهم الى تحقيقه ودفع ما ينافيه ويضاده وذلك من فضل الله عليهم ومنه سبحانه وتعالى وبالله وحده التوفيق والسداد نسأله جل في علاه ان يوفقنا اجمعين لكل خير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته