بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اني اعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر اللهم اني اعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم اني اعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم متفق عليه وعن عبد الله ابن ابي اوفى رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهر قلبي من الخطايا كما طهرت الثوب الابيض من الدنس وباعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب رواه مسلم واحمد واللفظ له وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل ان يقرأ فقلت يا رسول الله بابي انت وامي ارأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال اقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من كما ينقى الثوب الابيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد. متفق عليه هذه دعوات عظيمة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وخارجها تكرر فيها سؤال الله سبحانه وتعالى تطهير القلوب وتنقيتها وغسلها من الخطايا بالماء ثلجي والبرد مما يدل على عظيم العناية بطهارة القلوب الطهارة التامة. كما ينقى الثوب الابيض من الدنس قال ابن القيم رحمه الله وسألت شيخ الاسلام عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كيف يطهر الخطايا بذلك وما فائدة التخصيص بذلك وقوله في لفظ اخر والماء البارد والحار ابلغ في الانقاء فقال الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه فان الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه والماء يغسل الخبث ويطفئ النار فان كان باردا اورث الجسم صلابة وقوة فان كان معه ثلج وبرد كان اقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته فكان اذهب لاثر الخطايا والله عز وجل دعا عباده الى ان يطهروا قلوبهم وينقوها من عللها وادوائها لتكون قلوبا طاهرة نقية وقد دل القرآن والسنة على اهمية تطهير القلوب وتنقيتها قال الله تعالى يا ايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر قال ابن القيم رحمه الله وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على ان المراد بالثياب هنا القلب والمراد بالطهارة اصلاح الاعمال والاخلاق وقال الله تعالى اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الاخرة عذاب عظيم قال رحمه الله دلت الاية على ان طهارة القلب موقوفة على ارادة الله تعالى. وانه سبحانه لم ما لم يرد ان يطهر قلوب القائلين بالباطل المحرفين للحق لم يحصل لها الطهارة ودلت الاية على ان من لم يطهر الله قلبه فلا بد ان يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الاخرة بحسب نجاسة قلبه وخبثه ولهذا حرم الله سبحانه الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث ولا يدخلها الا بعد طيبه وطهره فانها دار الطيبين. ولهذا يقال لهم طبتم فادخلوها خالدين. اي ادخلوها بسبب طيبكم والبشارة عند الموت لهؤلاء دون غيرهم. كما قال الله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون واذا كان مطلوبا من العبد العمل على اصلاح قلبه وتطهيره وتنقيته من ادوائه واسقامه فان عليه ان يعرف حقيقة مرض القلب. وكيف يمرض وبما يمرض وانواع مرضه لتكون هذه المعرفة معينا له على اصلاحه وتطهيره وللامام ابن القيم رحمه الله تفاصيل نافعة في هذا الباب حررها في كتابه اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان قال رحمه الله ذكر حقيقة مرض القلب قال الله تعالى عن المنافقين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال تعالى ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض وقال تعالى يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض امرهن الا يلن في كلامهن فيطمع الذي في قلبه مرض الشهوة وقال تعالى لان لم ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم وقال تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين امنوا ايمانا ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا الله بهذا مثلا اخبر الله سبحانه عن الحكمة التي جعل لاجلها عدة الملائكة الموكلين بالنار تسعة عشر فذكر سبحانه خمس حكم فتنة الكافرين فيكون ذلك زيادة في كفرهم وضلالهم وقوة يقين اهل الكتاب فيقوى يقينهم بموافقة الخبر بذلك لما عندهم عن انبيائهم من غير تلقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فتقوم الحجة على معاندهم وينقاد للايمان من يرد الله ان يهديه وزيادة ايمان الذين امنوا بكمال تصديقهم بذلك والاقرار به وانتفاء الريب عن اهل الكتاب لجزمهم بذلك وعن المؤمنين لكمال تصديقهم به وحيرة الكافر ومن في قلبه مرض وعمى قلبه عن المراد بذلك فيقول ماذا اراد الله بهذا مثلا وهذا حال القلوب عند ورود الحق المنزل عليها قلب يفتتن بها كفرا وجحودا وقلب يزداد بها ايمانا وتصديقا وقلب يتيقنه فتقوم عليه به الحجة وقلب يوجب له حيرة وعمى فلا يدري ما يراد به وقال رحمه الله قال تعالى يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في بالصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وهو شفاء لما في الصدور من مرض الجهل والغي فان الجهل مرض شفاؤه العلم والهدى والغي مرض شفاؤه الرشد وقد نزه الله سبحانه نبيه عن هذين الدائين فقال والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما عوى ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم خلفاءه بظدهما فقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وجعل كلامه سبحانه موعظة للناس عامة وهدى ورحمة لمن امن به خاصة وشفاء تاما لما في الصدور فمن استشفى به صح وبرأ من مرضه وقال رحمه الله واذا عرف هذا فالقلب محتاج الى ما يحفظ عليه قوته وهو الايمان واوراد الطاعات والى حمية عن المؤذي الضار وذلك باجتناب الاثام والمعاصي وانواع المخالفات والى استفراغه من كل مادة فاسدة تعرض له. وذلك بالتوبة النصوح واستغفار غفار الخطيئات ومرضه هو نوع فساد يحصل له يفسد به تصوره للحق وارادته له فلا يرى الحق حقا او يراه على خلاف ما هو عليه او ينقص ادراكه له وتفسد به ارادته له فيبغض الحق النافع او يحب الباطل الضار او يجتمعان له وهو الغالب. ولهذا يفسر المرض الذي يعرض له تارة بالشك والريب. كما قال مجاهد وقتادة في قلوبهم مرض اي شك وتارة بشهوة الزنا كما فسر به قوله تعالى فيطمع الذي في قلبه مرض فالاول مرظ الشبهة والثاني مرض الشهوة والصحة تحفظ بالمثل والشبه والمرض يدفع بالضد والخلاف وهو يقوى بمثل سببه. ويزول بضده والصحة تحفظ بمثل سببها وتضعف او تزول بضده ومرض القلب نوعان نوع لا يتألم به صاحبه في الحال. وهو النوع المتقدم كمرض الجهل ومرض الشبهات والشكوك ومرض الشهوات وهذا النوع هو اعظم النوعين الما ولكن لفساد القلب لا يحس بالالم ولانا سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين ادراك الالم. والا فالمه حاظر فيه حاصل له وهو متوار عنه باشتغاله بضده وهذا اخطر المرضين واصعبهما وعلاجه الى الرسل واتباعهم فهم اطباء هذا المرض والنوع الثاني مرض مؤلم له في الحال كالهم والغم والغيظ وهذا المرض قد يزول بادوية طبيعية كازالة اسبابه او بالمداواة بما يظاد تلك الاسباب وما يدفع موجبها مع قيامها وهذا كما ان القلب قد يتألم بما يتألم به البدن ويشقى بما يشقى به البدن فكذلك البدن يتألم كثيرا بما يتألم به القلب ويسقيه ما يسقيه فامراض القلب التي تزول بالادوية الطبيعية من جنس امراض البدن. وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت واما امراضه التي لا تزول الا بالادوية الايمانية النبوية فهي التي توجب له الشقاء والعذاب الدائم ان لم يتداركها بادويتها المضادة لها فاذا استعمل تلك الادوية حصل له الشفاء فالغيظ يؤلم القلب ودواؤه في شفاء غيظه وكذلك الجهل مرض يؤلم القلب فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع ويعتقد انه قد صح من مرضه بتلك العلوم وهي في الحقيقة انما تزيده مرضا الى مرضه لكن اشتغال القلب بها عن ادراك الالم الكامن فيه بسبب جهله بالعلوم النافعة التي هي شرط في صحته وبرؤه قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذين افتوا بالجهل فهلك المستفتي بفتواهم قتلوه قاتلهم الله الا سألوا اذ لم يعلموا فانما شفاء العي السؤال فجعل الجهل مرضا وشفاءه سؤال اهل العلم وكذلك الشاك في الشيء المرتاب فيه يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين وهو كذلك يضيق بالجهل والضلال عن طريق رشده وينشرح بالهدى والعلم قال الله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام. ومن يرد ان يضله يجعل قدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء والمقصود ان من امراض القلوب ما يزول بالادوية الطبيعية ومنها ما لا يزول الا بالادوية الشرعية الايمانية والقلب له حياة وموت ومرض وشفاء وذلك اعظم مما للبدن والقرآن متظمن لادوية القلب وعلاجه من جميع امراضه قال الله تعالى يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وقد تقدم ان جماع امراض القلوب هي امراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول امراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والادراك بحيث يرى الاشياء على ما هي عليه وليس تحت اديم السماء. كتاب متظمن للبراهين والايات على المطالب العالية من التوحيد واثبات الصفات واثبات المعادي والنبوات ورد النحل الباطلة والاراء الفاسدة مثل القرآن فانه كفيل بذلك كله متضمن له على اتم الوجوه واحسنها واقربها الى العقول وافصحها بيانا فهو الشفاء على الحقيقة من ادواء الشبه والسكوك ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه فمن رزقه الله تعالى ذلك ابصر الحق والباطل عيانا بقلبه واما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب تزهيد في الدنيا والترغيب في الاخرة والامثال والقصص التي فيها انواع العبر والاستبصار فيرغب القلب السليم اذا ابصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده ويرغب عما يضره فيصير القلب محبا للرشد مبغضا للغي والمعافى من عوفي من هذين المرضين فحصل له اليقين والايمان والصبر عن كل معصية فرفل في في اثواب العافية اصلح الله قلوبنا اجمعين وهدانا اليه صراطا مستقيما. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله لنبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته