بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فروى ابن ماجة عن النواس ابن سمعان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قلب الا بين اصبعين من اصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك وروى الامام احمد عن ام سلمة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه ان يقول اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قالت قلت يا رسول الله او ان القلوب لتتقلب؟ قال نعم ما من خلق الله من بني ادم من بشر الا ان قلبه بين اصبعين من اصابع الله فان شاء الله عز وجل اقامه وان شاء ازاغه فنسأل الله ربنا الا يزيغ قلوبنا بعد اذ هدانا ونسأله ان يهب لنا من لدنه رحمة انه هو الوهاب جدير بالمسلم مع المواظبة على هذا الدعاء ان يعرف اوصاف القلوب الزائرة واحوالها ليعرف مقدار ما ناله وظفر به من خير وعافية ومقدار ما سلمه الله منه من شر وفساد ليحمد الله على العافية. ويسأله المعافاة الدائمة وان يحفظ له قلبه ويسلمه من الزيغ والانحراف خاصة وان القلب سريع التقلب فعن المقداد ابن الاسود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقلب ابن ادم عندما اشد انقلابا من القدر اذا اجتمعت غليانا. رواه احمد والحاكم وعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان هذا القلب كريشة بفلات من الارض يقيمها الريح ظهرا لبطن. رواه احمد وابن ماجة وذلك لشدة تأثير الفتن على القلوب وقد ذكر الله جل وعلا اوصافا عديدة للقلوب المريضة العليلة في كتابه تحذيرا وانذارا من تلك الحال فمن هذه الاوصاف العمى قال تعالى فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور والمعنى انه معظم العمى واصله. وهو العمى الضار في الدين لانه بسببه لا يبصر الحق ولا يشاهده كما لا يشاهد الاعمى المرئيات وليس المراد نفي العمى الحسي عن البصر كيف وقد قال تعالى ليس على الاعمى حرج. وقال تعالى عبس وتولى ان جاءه الاعمى وانما المراد ان العمى التام في الحقيقة عمى القلب حتى ان عمى البصر بالنسبة اليه كلا عمى حتى انه يصح نفيه بالنسبة الى كماله وقوته وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم انما الربا في النسيئة وقوله انما الماء من الماء وقوله ليس الغنى عن كثرة العرض انما الغنى غنى النفس وقوله ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان انما المسكين الذي لا يجد ما يعينه ولا يفطن له فيتصدق عليه وقوله ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب فلم يرد نفي الاسماء عن هذه المسميات انما اراد ان هؤلاء اولى بهذه الاسماء واحق ممن يسمون بها فهكذا قوله لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ومن اوصافها ما ورد في قوله تعالى ام على قلوب اقفالها اي بل على قلوب اقفالها فهي مطبقة لا يخلص اليها شيء من معانيه قد اغلق على ما فيها من الشر واقفلت فلا يدخلها خير ابدا وكأن القلب بمنزلة الباب المرتج الذي قد ضرب عليه قفل فانه ما لم يفتح القفل لا يمكن فتح الباب والوصول الى ما وراءه وكذلك ما لم يرفع الختم والقفل عن القلب لم يدخل الايمان وكذلك من اوصافها الختم والطبع قال تعالى ختم الله على قلوبهم وقال تعالى طبع الله على قلوبهم والختم والطبع هو التغطية على الشيء والاستيثاق منه فلا يدخله شيء فهما متقاربان في المعنى لكن يختص الطبع بانه ختم يصير سجية وطبيعة فهو تأثير لازم لا يفارق ومن اوصافها ما ورد في قوله تعالى وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم واقرأ وان يروا كل اية لا يؤمن بها وقوله تعالى وجعلنا على قلوبهم اكنة اي يفقهوه وفي اذانهم واقرا واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا وقوله تعالى انا جعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان تدعوهم الى الهدى فلن يهتدوا اذا ابدا وهي جمع كنان كعنان واعنة واصله من الستر والتغطية وقد اقروا على انفسهم بذلك فقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعون اليه وفي اذاننا ووقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون فذكروا غطاء القلب وهي الاكنة وغطاء الاذن وهو الوقر وغطاء العين وهو الحجاب والمعنى لا نفقه كلامك ولا نسمعه ولا نراك والمعنى انا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفقه ما تقول ولا يراك قال ابن عباس رضي الله عنهما قلوبنا في اكنه مثل الكنانة التي في السهام وقال مجاهد رحمه الله كجعبة النبل وقال مقاتل عليها غطاء فلا نفقه ما تقول ومن اوصافها ما جاء في قوله تعالى وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا وهذا يتضمن معنيين احدهما ان اعينهم في غطاء عما تضمنه الذكر من ايات الله وادلة توحيده وعجائب قدرته والثاني ان اعين قلوبهم بغطاء عن فهم القرآن وتدبره والاهتداء به وهذا الغطاء للقلب اولا ثم يسري منه الى العين ومنها ما ورد في قوله تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون وقوله تعالى فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بايات الله وقتلهم الانبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا اي لا تفقه ولا تفهم ما تقول. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة ومجاهد على قلوبنا غشاوة فهي في اوعية فلا تعي ولا تفقه ما تقول وكانهم ادعوا ان قلوبهم خلقت في غلف فهم معذورون في عدم الايمان فاكذبهم الله وقال بل طبع الله عليها بكفرهم وفي الاية الاخرى بل لعنهم الله بكفرهم فاخبر سبحانه ان الطبع والابعاد عن توفيقه وفضله انما كان بكفرهم الذي اختاروه لانفسهم واثروه على الايمان فعاقبهم عليه بالطبع واللعنة والمعنى لم نخلق قلوبهم غلفا اتعي ولا تفقه؟ ثم نأمرهم بالايمان وهم لا يفهمونه ولا يفقهونه. بل اكتسبوا اعمالا عاقبناهم عليها بالطبع على القلوب والختم عليها ومنها الحجاب كما في قوله تعالى حكاية عنهم ومن بيننا وبينك حجاب وقوله واذا قرأت ان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا والمعنى جعلنا بين القرآن اذا قرأته وبينهم حجابا يحول بينهم وبين فهمه وتدبره والايمان به ويبينه قوله تعالى ومنهم من يستمع اليك واجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وهذه الثلاثة هي الثلاثة المذكورة في قوله تعالى وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعون اليه. وفي اذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاخبر سبحانه ان ذلك جعله. فالحجاب يمنع رؤية الحق والاكنة تمنع من فهم والوقر يمنع من سماعه ومنها الران كما في قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون اي غطى عليها بسبب كثرة الذنوب والمعاصي منهم فاحاطت بقلوبهم وهم من اغلظ الحجب على القلب واكثفها. قال مجاهد هو الذنب على الذنب حتى تحيط الذنوب بالقلب وتغشاه فيموت القلب وقال مقاتل غمرت القلوب اعمالهم الخبيثة وفي سنن النسائي والترمذي من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان العبد اذا اخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء فان هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وان زاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال الترمذي هذا حديث صحيح وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كلما اذنب نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود القلب كله فاخبر سبحانه ان ذنوبهم التي اكتسبوها اوجبت لهم رينا على قلوبهم ومنها الصمم والوقر كما في قوله تعالى صم بكم عمي وقوله اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم وقوله سبحانه ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون وقوله والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر وهو عليهم عمى اولئك ينادون من مكان بعيد قال ابن عباس رضي الله عنهما في اذانهم صمم عن استماع القرآن وهو عليهم عمى اعمى الله قلوبهم فلا يفقهون اولئك ينادون من مكان بعيد مثل البهيمة التي لا تفهم الا دعاء ونداء وقال مجاهد بعيد من قلوبهم. والمعنى انهم لا يسمعون ولا يفهمون كما ان من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم ومنها البكم كما قال تعالى صم بكم عم والبكم جمع ابكم. وهو الذي لا ينطق والبكم نوعان بكم القلب وبكم اللسان كما ان النطق نطقان نطق القلب ونطق اللسان واشدهما بكم القلب. كما ان عماه وصممه اشد من عمى العين وصمم الاذن فوصفهم سبحانه بانهم لا يفقهون الحق ولا تنطقوا به السنتهم والعلم يدخل على العبد من ثلاثة ابواب من سمعه وبصره وقلبه وقد سدت عليهم هذه الابواب الثلاثة فسد السمع بالصمم والبصر بالعمى والقلب بالبكم ونظيره قوله تعالى لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها وقد جمع سبحانه بين الثلاثة في قوله واجعلنا لهم سمعا وابصارا وافدة فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بايات الله فاذا اراد سبحانه هداية عبد فتح قلبه وسمعه وبصره واذا اراد ضلاله اصمه واعماه وابكمه ومنها الغشاوة وهي غطاء العين كما قال تعالى وجعل على بصره غشاوة. وهذا الغطاء سرى اليها من غطاء القلب فان ما في القلب يظهر على العين من الخير والشر. فالعين مرآة القلب تظهر ما فيه ومن اوصافها الصد عن السبيل فلا تبصره كما قال تعالى وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل اي صد عن الحق والهدى بسبب الباطل الذي زين له ومنها الشد على القلب كما في قوله تعالى وقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة وامواتا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم قال قد اجيبت دعوتكما فاستقيما. فهذا الشد على القلب هو الصد والمنع ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد امنعها والمعنى قصها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للايمان ومنها الصرف كما قال تعالى واذا ما انزلت سورة نظر بعضهم الى بعض هل يراكم من احد؟ ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بانهم قوم لا يفقهون فاخبر سبحانه ان فعلهم هو الانصراف وان فعله فيهم وهو صرف قلوبهم عن القرآن وتدبره. لانهم ليسوا اهلا له. فالمحل غير صالح ولا قابل فان صلاحية المحل بشيئين حسن فهم وحسن قصد وهؤلاء قلوبهم لا تفقه وقصودهم سيئة ومن اوصافها ازاغتها عن الحق كما قال تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم وقال عن عباده المؤمنين انهم سألوه ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا واصل الزيغ الميل ومنه زاغت الشمس اذا مالت فازاغة القلب امالته. وزيغه ميله عن الهدى الى الضلال ومن اوصافها اماتة القلوب كما في قوله تعالى انك لا تسمع الموتى وقوله او من كان ميتا فاحييناه جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها وقوله لينذر من كان حيا وقوله وما انت بمسمع من في القبور فوصف الكافر بانه ميت وانه بمنزلة اصحاب القبور وذلك ان القلب الحي هو الذي يعرف الحق ويقبله ويحبه ويؤثره على غيره فاذا مات القلب لم يبقى فيه احساس ولا تمييز بين الحق والباطل ولا ارادة للحق وكراهة للباطل. بمنزلة الجسد الميت. نسأل الله العفو والعافية والمعافاة دائمة في الدنيا والاخرة وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته