بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله ان يجدد الايمان في قلوبكم الايمان كما لا يخفى اعظم المطالب واشرف المواهب واجل الغايات وانبل المقاصد وهو الذي به تنال سعادة الدنيا والاخرة من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فبه دخول الجنة والنجاة من النار وبه يشرف العبد برؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة كما قال الله عز وجل وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم انكم سترون ربكم يوم القيامة. اي معاشر اهل الايمان. وكم للايمان من الثمار والاثار العديدة في الدنيا والاخرة والعاقل من يعنى بايمانه ويجعل اهتمامه به في اولى اهتماماته ومقدم اولوياته. كيف لا وهو الغاية العظمى والمطلب الاجل ويتأكد هذا الامر حينما نستشعر ان الايمان بحاجة مستمرة الى تجديد ورعاية لان الصوارف عن الايمان والشواغل عن تتميمه وتكميله في هذه الحياة كثيرة ومتنوعة تأتي للمرء من هنا وهناك فيحتاج المؤمن الى ان يكون دائما متيقنا وذا رعاية وعناية بايمانه يعمل على تجديد ايمانه وتقوية صلته بربه وعلى سلامته من النواقص والقوادح التي تؤثر فيه نقصا وظعفا وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم عن الايمان انه ليخلق في جوف احدنا كما يخلق الثوب فيه تأكيد على اهمية رعاية الايمان ولا سيما الذي في القلب اي هذا الثوب الذي تلبسونه وتعنون بنظافته وتعاهده بين وقت واخر وربما سأل المرء من حوله هل علق بثوبه شيء من الوسخ وخاصة اذا مر بمكان يخشى ان يكون قد علق بثوبه منه شيء ولو اصابه شيء لم يصبر على بقائه فيه. بل يبادر الى ازالته ليبقى ناصعا نقيا ابيظا صافيا سليما من الاوساط فلتكن عنايتكم بتجديد الايمان كذلك بل اعظم من ذلك ووجه المناسبة بينهما ان الثوب لما كان يخلق ويحرص على نظافته فان مقام الايمان اعظم وشأنه اكبر وامره اجل فهو اولى بالعناية واجدر بالاهتمام والتجديد وقوله في جوف احدكم اي القلب وهو الركيزة والاساس الذي يبنى عليه العمل الظاهر الايمان الذي في الجوف اي القلب يخلق وقد يكون في بعض الازمنة قويا ثم يصيبه ما يصيبه فيخلق ويصبح ضعيفا وذلك عندما تتوالى عليه الصوارف والفتن والصواد والملهيات والمشغلات وربما اصبح المرء في بعض احواله مظهرا بلا مخبر وصورة بلا معنى وهذه مصيبة يبوء بها. عندما لا يكون متعاهدا لايمانه حريصا على تجديده ليس هذا فقط بل ربما يزول عن قلبه سئل عبد الرحمن بن عمرو الاوزاعي رحمه الله عن الايمان ايزيد؟ قال نعم حتى يكون كالجبال قيل فينقص؟ قال نعم حتى لا يبقى منه شيء وسئل امام اهل السنة احمد بن حنبل رحمه الله عن الايمان يزيد وينقص فقال يزيد حتى يبلغ اعلى السماوات السبع وينقص حتى يصير الى اسفل السافلين السبع وكان يقول الايمان قول وعمل يزيد وينقص اذا عملت الخير زاد واذا ظيعت نقص ولهذا فالامر يحتاج الى تفقه قال ابو الدرداء رضي الله عنه من فقه العبد ان يعلم امزداد هو او منتقص وان من فقه العبد ان يعلم نزغات الشيطان ان تأتيه. اي من اين تأتيه واما اذا مضى المرء في الحياة لا يتفقه في امر ايمانه ولا يتفقده ربما يفاجأ يوما بان ايمانه واصبح رقيقا ضعيفا واهيا وربما ذهب ايمانه وهو لا يشعر فما اشد حاجة المؤمن الى تجديد ايمانه ولابد في هذا المقام من فزع الى الله ولجوء صادق اليه. لان ايمانك بيد الله وهو هبة من الله جل وعلا يتفضل به على من شاء قال الله تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا. ولكن الله يزكي من وقال تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا وقال عز وجل ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق او العصيان اولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ولهذا صح في الدعاء المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام انه قال اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين فلا يزين قلبك بالايمان الا اذا زينه الله به ولا يعمر قلبك بالايمان الا اذا عمره الله به فانت بحاجة الى ان تلجأ الى الله تعالى صادقا في دعائك ان يجدد الايمان في قلبك كما اوصاك نبيك عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم فاسألوا الله ان الايمان في قلوبكم ثم مع هذا الدعاء تجاهد نفسك على تحقيق ما دعوت الله به والقاعدة عند العلماء في باب الدعاء انك اذا دعوت الله بمطلوب من مصالح دينك او دنياك فاتبع الدعاء ببذل السبب كما قال عليه الصلاة والسلام احرص على ما ينفعك واستعن بالله لا ان يدعو ويبقى مفرطا مقصرا. بل يدعو ويجاهد نفسه على ما يكون به حفظ ايمانه تكميل دينه فيأتيه العون والتسديد والتيسير والتوفيق من الله سبحانه وتعالى وهذا التجديد للايمان ينبغي ان يكون مصاحبا للمسلم في كل يوم من ايامه ببذل الاسباب والوسائل التي هيأها الله سبحانه وقد جاء تبيانها في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه قال ابن القيم رحمه الله في الامثال في القرآن ان الشجرة لا تبقى حية الا بمادة تسقيها وتنميها فاذا انقطع عنها السقي اوشك ان تيبس فهكذا شجرة الاسلام في القلب ان لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعمل النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر والا اوشك ان تيبس ومن اهم ما يكون في هذا الباب ان يكون المسلم يوميا مرتبطا بالعلم الشرعي. لان العلم الشرعي لمن وفقه الله سبحانه وتعالى لتحصيله بنية صالحة يعد صمام امان لحفظ الايمان وتقويته ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال عليه الصلاة والسلام من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة والعلم نور لصاحبه وضياء له في طريقه وفي سيره فبالعلم يميز المرء بين الهدى والضلال والحق والباطل والنور والظلام وبدون العلم تلتبس عليه الامور وتختلط عليه الاشياء ولهذا يحتاج العبد في هذا المقام مقام تجديد الايمان الى علم يهديه الى طريق الحق وكيف يسلك طريق الحق وهو لا علم له به ولا بصيرة وكيف يقوي ايمانه وهو لا يعرف مقويات الايمان وكيف يتقي الامور التي تضعف الايمان وهو لا يعرفها وقد قيل قديما كيف يتقي من لا يدري ما يتقي فاذا كان المرء لا عناية له بالعلم ولا دراية له به. كيف يتقي ما ينبغي ان يتقى وهو لا يدري ما الذي ينبغي ان يتقى واعظم ما يكون في العلم الشرعي العناية بالقرآن الكريم والقرآن الكريم امره عجب في تقوية الايمان وزيادة اليقين وتمتينه في القلب قال الله سبحانه واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون قال عز وجل انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادا عادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم فالقرآن له تأثير بالغ في تقوية الايمان وزيادته في القلوب وتقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى لكن هذا التأثير للقرآن لا ينال بالقراءة المجردة دون تأمل وتدبر وتمعن في المعاني والدلالات ولهذا قال ربنا جل وعلا كتاب انزلناه اليك مبارك ليتدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب وقال جل وعلا افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال جل وعلا افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها وحينئذ يكون القرآن حاجزا لصاحبه عن النكوص والانحراف قال الله سبحانه وتعالى قد كانت اياتي تتلى عليكم. فكنتم على اعقابكم تنكسون. مستكبرين به سامرا تهجرون افلم يتدبروا القول اي لو انهم تدبروا القول لما نكصوا على الاعقاب ولكان تدبرهم للقول حاميا وحافظا وواقيا لهم من هذا النكوس ولهذا لا يكن هم تالي القرآن متى اختم السورة وليكن همه متى اهتدي بالقرآن ومتى انتفع بالقرآن؟ ومتى اكون من اهل القرآن؟ اهل الله وخاصته وايضا كل ما يعينك على الصلة بالله والتعظيم له والاجلال ويأتي في مقدمة ذلك المعرفة بالله وباسمائه وصفاته وافعاله والتأمل في مخلوقاته الدالة على عظمته وجلاله فان هذا يقوي الايمان في القلب تقوية عظيمة ويزيدك خشية لله وحبا وتعظيما واجلالا لله تبارك وتعالى فان من كان بالله اعرف كان منه اخوف ولعبادته اطلب وعن معصيته ابعد ثم ابواب العلم الشرعي التي يزداد بها الايمان واسعة ومن اعظم ذلك دراسة السنة والسيرة النبوية فان معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفة سيرته وهديه من اعظم مقويات الايمان وايضا معرفة سير اصحابه الكرام. ومن اتبعهم باحسان وعندما يكون المسلم مرتبطا بقراءة مستمرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة واخباره العظيمة وسير اصحابه واتباعهم باحسان فان هذه القراءة الدائمة المستمرة تولد في قلبه محبة قوية لهؤلاء القدوات واذا تولدت في القلب هذه المحبة نشأ عن ذلك الاتباع والسير على المنهاج القويم الذي كانوا عليه قال تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان ثمان مقام مجاهدة النفس على الاعمال الصالحة ضروري للغاية في تحقيق الايمان وتنميته. فكما ان الاعمال الصالحة من جهة هي من الايمان وخصاله وشعبه فانها من جهة اخرى تحقق الايمان ولهذا يحتاج العبد الى تعاهد نفسه دائما بالعمل الصالح المقرب الى الله سبحانه وتعالى فان المحافظة على الطاعات من اعظم ما يكون معونة على تقوية الايمان وبقائه وحفظه ومثال ذلك الصلاة فقد قال الله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فكم في الصلاة من تجديد الايمان وكم فيها من تقوية الصلة بالله سبحانه انظر في نفسك عندما تكون محافظا على هذه الصلاة معظما لها معتنيا بها كم لها من الاثر على قلبك في تحقيق الايمان وانظر حال من ابتعد عن هذه الصلاة كيف ان بعده عنها تولد عنه ضعف الايمان في قلبه ولهذا قال السلف رحمهم الله الايمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية الطاعات تزيد الايمان وتقويه. وكلما ازدادت الطاعة والعبادة والتقرب الى الله سبحانه وتعالى كان ذلك من الاسباب والوسائل المعينة على تقوية الايمان وتمكينه ومن هنا شمر المسمرون وتنافس المتنافسون في العناية بالايمان تحقيقا وتكميلا ولما تحقق سلف الامة وصدرها وخيارها ومقدموها بذلك كانت عنايتهم بايمانهم بارزة واهتمامهم به عظيما فكانوا رضي الله عنهم ورحمهم يتعاهدون ايمانهم ويتفقدون اعمالهم ويتواصون بينهم والاثار عنهم لذلك كثيرة فكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول لاصحابه هلموا نزداد ايمانا وفي لفظ تعالوا نزداد ايمانا وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول اجلسوا بنا نزداد ايمانا وكان يقول في دعائه اللهم زدني ايمانا ويقينا وفقها وكان عبدالله بن رواحة رضي الله عنه يأخذ بيد النفر من اصحابه فيقول تعالوا نؤمن ساعة تعالوا فلنذكر الله ونزداد ايمانا بطاعته لعله يذكرنا بمغفرته وكان ابو الدرداء رضي الله عنه يقول من فقه العبد ان يعلم او ازداد هو او منتقص اي من ايمانه وان من فقه العبد ان يعلم نزرات الشيطان انا تأتيه وكان عمير ابن حبيبنا الخطمي رضي الله عنه يقول الايمان يزيد وينقص فقيل ما زيادته ونقصانه قال اذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته واذا غفلنا وظيعنا ونسينا فذلك نقصانه وقال مالك بن دينار رحمه الله الايمان يبدو في القلب ضعيفا ضئيلا كالبقلة فان صاحبه تعاهده فسقاه بالعلوم النافعة والاعمال الصالحة واماط عنه الدغل وما يضعفه ويوهنه اوشك ان ينمو او يزداد ويصير له اصل وفرع وثمرة وظل الى ما لا يتناهى حتى يصير امثال الجبال وان صاحبه اهمله ولم يتعاهده جاءه عنز فتنتفها او صبي فذهب بها او كثر عليها الدغل فاضعفها او اهلكها او ايبسها كذلك الايمان وقال خيثمة ابن عبد الرحمن رحمه الله الايمان يسمن في الخصب ويهزل في الجدب فخصمه العمل الصالح وجذبه الذنوب والمعاصي وللحديث صلة ونسأل الله ان يزيننا اجمعين بزينة الايمان وان يجعلنا هداة مهتدين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته