بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد تقدم ذكر حديث عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب اسأل الله ان يجدد الايمان في قلوبكم. رواه الحاكم والطبراني ومن دلائل هذا الحديث وفوائده ان تجديد الايمان يتطلب من العبد ان يعنى بالاسباب التي تزيد الايمان وتقويه وتنميه وان يتجنب الاسباب التي تنقصه وتضعفه وتوهيه فيجتهد في تحقيق ما يقوي الايمان ويكمله ويحذر من كل ما يضعف الايمان وينقصه وفي معرفة هذه الاسباب فوائد عظيمة ومنافع جمة غفيرة بل ان الضرورة ماسة الى معرفتها والعناية بها معرفة واتصافا وذلك لان الايمان هو كمال العبد وسبيل فلاحه وسعادته وبه ترتفع درجاته في الدنيا والاخرة وهو السبب والطريق لكل خير عاجل واجل ولا يحصل ولا يقوى ولا يتم الا بمعرفة طرقه واسبابه فجدير بالعبد المسلم الناصح لنفسه الحريص على سعادتها ان يجتهد في معرفة هذه الاسباب ويتأملها ثم يطبقها في حياته ليزيد ايمانه ويقوى يقينه وان يبعد نفسه عن اسباب نقص الايمان ويحصنها من الوقوع فيها ليسلم من عواقبها الوخيمة ومغبتها الاليمة ومن وفق لذلك فقد وفق للخير كله يقول العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله فالعبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في امرين احدهما تحقيق اصول الايمان وفروعه والتحقق بها علما وعملا وحالا والثاني السعي في دفع ما ينافيها وينقضها او ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة ويداوي ما قصر فيه من الاول وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح وتدارك الامر قبل فواته فهما امران الكلام عما يكون به تقوية الايمان وقد سبق بيانه والكلام عن حفظه وصيانته. وهو محور الحديث هنا بيان حفظ الايمان من الامور التي تنقصه وتتسبب في ضعفه ووهائه وربما تؤدي الى ذهابه وينبغي للمسلم ان يعلم انه مطلوب منه ان يعرف اسباب زيادة الايمان وقوته ليعمل بها ويحافظ عليها وان يعرف اسباب ضعفه ونقصه ليجتنبها وليكون على حذر منها ومن اهم ما يكون في هذا الباب ان يحذر المرء من نفسه الامارة بالسوء وهي نفس مذمومة توجد في الانسان. تأمره بكل سوء وتدعوه الى المهالك وتهديه الى كل قبيح هذا طبعها وتلك سجيتها الا اذا وفقها الله وثبتها واعانها فما تخلص احد من شر نفسه الا بتوفيق الله كما قال الله تعالى حاكيا عن امرأة العزيز وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي ان ربي غفورا رحيم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم خطبة الحاجة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الاعمال فان خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بشرها وما تقتضيه من سيئات الاعمال وان وفقه واعانه نجاه من ذلك كله فلا اضر على ايمان الشخص ودينه من نفسه الامارة بالسوء التي هذا شأنها وهذا وصفها فهي سبب رئيسي باظعاف الايمان وزعزعته وتوهينه ومن هنا لزم من اراد الحفاظ على ايمانه من النقص والضعف ان يعنى بمحاسبة هذه النفس ومعاتبتها وان يكثر من لومها حتى يسلم من مغبتها وعواقبها الوخيمة كذلك يلزم في هذا الباب الحذر من الشيطان فانه يعد سببا قويا من الاسباب الخارجية التي تؤثر في الايمان بالنقص فالشيطان عدو لدود للمؤمنين يتربص بهم الدوائر لا هم له ولا غاية الا زعزعة الايمان في قلوبهم واضعافه وافساده فمن استسلم لوساوس الشيطان وانقاد لخطراته ولم يلجأ الى الله منه ضعف ايمانه ونقص بل ربما ذهب بالكلية بحسب استجابته لتلك الوساوس والخطرات ولهذا فان الله تعالى حذرنا منه اشد التحذير وبين اخطاره وعواقب اتباعه الوخيمة وانه عدو للمؤمنين وامرهم ان يتخذوه عدوا فيسلم منه ومن وساوسه قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر وقال تعالى ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير وقال تعالى ان الشيطان للانسان عدو مبين وقال تعالى استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر الله. اولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون قال ابن الجوزي رحمه الله فالواجب على العاقل ان يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد ابان عداوته من زمن ادم عليه الصلاة والسلام وقد بذل عمره ونفسه في افساد احوال ابن ادم وقد امر الله بالحذر منه ثم ذكر جملة من هذه النصوص وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله فان الله سبحانه جعل الشيطان عدوا للانسان يقعد له الصراط المستقيم ويأتيه من كل جهة وسبيل. كما اخبر الله تعالى عنه انه قال لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجدوا اكثرهم شاكرين وحذرنا الله عز وجل من متابعته. وامرنا بمعاداته ومخالفته فقال سبحانه ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وقال يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة واخبر بما صنع بابوينا تحذيرا لنا من طاعته وقطعا للعذر في متابعته وامرنا الله سبحانه وتعالى باتباع الصراط المستقيم فالشيطان عدو للانسان همه افساد العقائد وتخريب الايمان فمن لم يحصن نفسه منه بذكر الله واللجأ اليه والاستعاذة به صار مرتعا للشيطان يسول له فعل المعاصي ويرغبه في ارتكاب الملاهي ويؤزه لارتكاب الفواحش ازا فيا ضيعة دينه ويا فساد ايمانه ان استسلم له قال ابن القيم رحمه الله واياك ان تمكن الشيطان من بيت افكارك وارادتك فانه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه ويلقي اليك انواع الوساوس والافكار المضرة ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك وانت الذي اعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك فمن عشى عن ذكر الله واعرض لازمه الشيطان تلك الملازمة. يسول له ويملي حتى يذهب بايمانه قال الله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون. حتى اذا جاءنا قال يا ليت بيني وبين بعد المشرقين فبئس القرين ومن المهم في هذا الباب الحذر من قرناء السوء وخلطاء الفساد فانهم من اضر ما يكون على ايمان الشخص وسلوكه واخلاقه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل رواه احمد وابو داوود والترمذي وهو حديث حسن قال ابن عبد البر رحمه الله وهذا معناه والله اعلم ان المرء يعتاد ما يراه من افعال من صحبه. والدين العادة فلهذا امر الا يصحب الا من يرى منه ما يحل ويجمل فان الخير عادة وفي معنى هذا الحديث قول عدي بن زيد عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن مقتدي وقول ابي العتاهية من ذا الذي يخفى عليك اذا نظرت الى خدينة وهذا كثير جدا والمعنى في ذلك الا يخالط الانسان من يحمله على غير ما يحمد من الافعال والمذاهب واما من يؤمن منه ذلك فلا حرج في صحبته وقال ابو سليمان الخطابي رحمه الله قوله المرء على دين خليله معناه لا تخالل الا من رضيت دينه وامانته فانك اذا خاللته قادك الى دينه ومذهبه ولا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك فتخالل من ليس مرضيا في دينه ومذهبه وفي الصحيحين عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك اما ان يحذيك واما ان تبتاع منه واما ان تجد منه ريحا طيبا ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك واما ان تجد ريحا خبيثة قال النووي رحمه الله فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك والجليس السوء بنافخي الكير وفيه فضيلة مجالسة الصالحين واهل الخير والمروءة ومكارم الاخلاق والورع والعلم والادب والنهي عن مجالسة اهل الشر واهل البدع ومن يغتاب الناس او يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الانواع المذمومة فلهذا لزم المرء ان يختار من القرناء والخلطاء من يكون له في خلطتهم خير ونفع وان يحذر اشد الحذر من قرناء السوء ومما استجد في زماننا وهو داخل في حكم الصاحب بل امره اشد الجلوس الى القنوات الفضائية والمواقع المنحرفة في الشبكة العنكبوتية حيث يخشى وخاصة على الناشئة مما فيها من فتن وسموم ورذائل وحقرات تشكل خطرا عظيما على الايمان وظررا على القلوب وكذلك مما يتأكد في هذا المقام الحذر من الافتتان بالدنيا الزائلة والانهماك في ملذاتها وفتنها ومغرياتها فمتى تعلق قلب العبد بها ضعفت الطاعة عنده ونقص الايمان بحسب ذلك فلا بد لمن اراد لايمانه النمو والقوة واحب له السلامة من الضعف والنقص ان يجاهد نفسه على البعد عن فتن الدنيا ومغرياتها وملهياتها وما اكثرها قال الله سبحانه اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور ولا يتم له ذلك ولا يتحقق الا بعد النظر في امرين. الاول النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها والم المزاحمة عليها والحرص عليها وما في ذلك من الغصص والانكاد واخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والاسف مطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها وهم في حال الظفر بها وغم وحزن بعد فواتها والثاني النظر في الاخرة واقبالها ومجيئها ولا بد ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات والتفاوت الذي بينه وبين ما ها هنا فهي كما قال سبحانه والاخرة خير وابقى فهي خيرات كاملة دائمة وهذه خيالات ناقصة منقطعة مظمحلة والذي يذم من الدنيا هو فعل الجهال والعصيان والاشتغال بها عن الاخرة واستعمال نعيمها في غير مرضات الله تعالى اما نعيم الدنيا من حيث هو فلا يذم مطلقا فان الله قد تمدح به في القرآن في غير موضع فلا يذم من تعامل معه باعتدال وقوام وحقيق بالمسلم في هذه الحياة الدنيا ان يعمل على تجديد ايمانه وصفاء دينه وقوة صلته بربه تبارك وتعالى وان يكون هذا التعاهد مستمرا الى ان يتوفاه الله سبحانه وتعالى غير مغير ولا مبدل قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون امر جل وعلا عباده المؤمنين ان يحققوا تقواه وان يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا الى الممات غير مغيرين ولا مبدلين ومن عاش على شيء مات عليه فمن كان في حال صحته ونشاطه وامكانه مداوما على تقوى الله وطاعته منيبا اليه على الدوام ثبته الله عند موته ورزقه حسن الختام قال الحافظ ابن كثير رحمه الله اي حافظوا على الاسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه فان الكريم قد اجرى عادته بكرمه انه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه وقال الله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. اي الموت اي استمر في جميع الاوقات على التقرب الى الله بانواع العبادات فامتثل صلى الله عليه وسلم امر ربه فلم يزل دائما في العبادة حتى اتاه اليقين من ربه وهكذا ينبغي ان تكون حال المؤمن حفظا للعبادة ومحافظة عليها ورعاية لها الى ان يتوفاه ربه وهو على خير حال والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له وهو الحافظ وحده ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا اخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم احينا مسلمين وتوفنا مسلمين والحقنا بالصالحين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته