بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول ربي اعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي وانصرني على من بغى علي ربي اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطواعا لك مخبتا اليك اواها منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي واجب دعوتي وثبت حجتي وسدد لساني واهد قلبي واسلل سخيمة صدري رواه احمد واهل السنن بهذا الحديث ان هداية القلوب منة الهية وعطية ربانية يهدي من يشاء الى صراط مستقيم فضلا منه ومنا كما قال الله تعالى ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ولنتأمل هذا السياق العظيم من سورة الحجرات ببيان شأن الهداية وانها بيد الله سبحانه يهدي من يشاء ويحبب الايمان الى قلوب من يشاء. ويزينه في قلوب من يشاء ويكره لقلوب عباده واوليائه واصفيائه الكفر والفسوق والعصيان ومن كان شأنه كذلك فهو الراشد اولئك هم الراشدون قال ابن القيم رحمه الله فتحبيبه سبحانه الايمان الى عباده المؤمنين هو القاء محبته في قلوبهم وهذا لا يقدر عليه سواه واما تحبيب العبد الشيء الى غيره فانما هو بتزيينه وذكر اوصافه. وما يدعو الى محبته فاخبر سبحانه انه جعل في قلوب عباده المؤمنين الامرين. حبه وحسنه الداعي الى حبه والقى في قلوبهم كراهة ضده من الكفر والفسوق والعصيان وان ذلك محض فضله ومنته عليهم حيث لم يكلهم الى انفسهم بل تولى هو سبحانه هذا التحبيب والتزيين وتكريها ضده اجاد عليهم به فضلا منه ونعمة. والله حليم بمواقع فضله ومن يصلح له ومن لا يصلح حكيم بجعله في مواضعه ان المعرفة بان هذه الهداية للقلوب هبة من الله سبحانه وعطية منه جل وعلا ومنة تولد في العبد انواعا من الاعمال التي تستوجبها هذه المعرفة واول ذلك حمد الله جل في علاه. وشكره على نعمائه والاعتراف بان الفضل فضله جل وعلا. وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يوم الاحزاب يحمل التراب مع اصحابه رضي الله عنهم اجمعين. ويقول والله لولا الله ما اهتدينا ولا فصمنا ولا صلينا فالفضل فضله والمنه جل في علاه قال ابن القيم رحمه الله ومن فوائده انه يضيف الحمد الى وليه ومستحقه فلا يشهد لنفسه حمدا بل يشهده كله لله. كما يشهد النعمة كلها منه والفضل كله له والخير كله في يده وهذا من تمام التوحيد فلا يستقر قدمه في مقام التوحيد الا بعلم ذلك وشهوده فاذا علمه ورسخ فيه صار له مشهدا. واذا صار لقلبه مشهدا اثمر له من المحبة والانس الله والشوق الى لقائه والتنعم بذكره وطاعته ما لا نسبة بينه وبين اعلى نعيم الدنيا البتة وثاني هذه الامور ان يقبل العبد على الله جل وعلا داعيا سائلا راجيا طامعا فان الامر بيده عز وجل والهداية منته وفضله جل في علاه ومن دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام ما جاء في المسند وغيره عن رفاعة الزراقي رضي الله عنه قال لما كان يوم احد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استووا حتى اثني على ربي فصاروا خلفه صفوفا فقال اللهم لك الحمد كله. اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لما اظللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما اعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك الى ان قال اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين واحيينا مسلمين والحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين وهي دعوة عظيمة جدير بالمسلم ان يجعلها من جملة دعائه الذي يدعو الله جل وعلا به وكان من اكثر دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ولما قال له علي رضي الله عنه علمني دعاء ادعو الله به قال قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهداية هدايتك الطريق والسداد سداد السهم رواه مسلم ثالث هذه الامور ان يستشعر العبد ضعفه وقلة حيلته وانه لا حول له ولا قوة الا بالله جاء عن التابعي الجليل مطرف بن عبدالله بن الشخير رحمه الله قال لو اخرج قلبي فجعل في يدي هذه اليسار. وجيء بالخير كله وجعل في يدي اليمين لم استطع ان اجعل شيئا من الخير في قلبي. الا ان يكون الله هو الذي يضعه سبحانه. رواه ابو نعيم في الحلية فالعبد لا حول له ولا قوة الا بالله. ولا صلاح لقلبه ولا زكاء الا اذا اصلحه الله ورابع هذه الامور ان هذا الاستشعار لهذه المنة والعطية يبعد عن العبد عجبه وغروره بنفسه لان الانسان ربما اصابه عجب بعمله من صيام او صلاة او صدقة او طلب للعلم او غير ذلك فاذا استحضر هذه المنة كان ذلك اعظم قارد للعجب. ومبعد له عن النفس لان العبد يستشعر ان هذه الهداية بتفاصيلها وجميع جوانبها انما هي محض منة الله عليه وفضله جل في علاه قال ابن القيم رحمه الله فالمنة لله وحده بان جعل عبده قائما بطاعته وكان هذا من اعظم نعمه عليه قال تعالى وما بكم من نعمة فمن الله وقال تعالى ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون وهذا المشهد من اعظم المشاهد وانفعها للعبد وكلما كان العبد اعظم توحيدا كان حظه من هذا المشهد اتم وفيه من الفوائد انه يحول بين القلب وبين العجب بالعمل ورؤيته فانه اذا شهد ان الله سبحانه هو المان به الموفق له الهادي اليه شغله شهود ذلك عن رؤيته والاعجاب به وان يصول به على الناس فيرفع من قلبه فلا يعجب به. ومن لسانه فلا يمن به ولا يتكثر به. وهذا شأن العمل المرفوع ولهذا فان دواء العجب كما في القرآن ان تقول ما شاء الله لا قوة الا بالله وان العبد ينبغي له اذا اعجبه شيء من ماله او ولده او عمله ان يضيف النعمة الى موليها ومسديها قال الله تعالى ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله. ان ترني انا اقل منك مالا وولده فتذكر نعمة الله عليك وان الامور كلها بمشيئته. وانه لا قوة لك الا بالله سبحانه وتعالى. وان الفضل بيده يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم وانه سبحانه وتعالى المعطي المانع الرافع الخافض القابض الباسط والامر كله وبتدبيره ومنه وفضله جل وعلا خامس هذه الامور ان يجد العبد مجاهدا نفسه على نيل هذه الهداية ببذل اسبابها قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين فالمقام يتطلب من العبد مجاهدة لنفسه واخذا باسباب الهداية كما قال عليه الصلاة والسلام احرص على ما ينفعك واستعن بالله وليحذر من مسالك طرق الزيغ والضلال وابواب الفتن والشر. ولينأى بنفسه عنها وليبتعد عن مسالكها حفظا لايمانه وطلبا لهداية قلبه فان الله جل وعلا يقول فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم قال ابن القيم رحمه الله وملاك هذا الشأن اربعة امور نية صحيحة وقوة عالية يقارنهما رغبة ورهبة فهذه الاربعة هي قواعد هذا الشأن ومهما دخل على العبد من النقص في ايمانه واحواله وظاهره وباطنه فهو من نقص هذه الاربعة او نقصان بعضها فليتأمل اللبيب هذه الاربعة الاشياء وليجعلها سيره وسلوكه ويبني عليها علومه واعماله واقواله واحواله فما نتج من نتج الا منها ولا تخلف من تخلف الا من فقدها قوله ملاك هذا الشأن اي جماع ذلك. وما ينتظم به هذا الامر ومثل هذا التعبير ورد في السنة في حديث معاذ رضي الله عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل ادخله الجنة ويباعده من النار فذكر له عليه الصلاة والسلام مباني الاسلام. ثم قال عليه الصلاة والسلام الا اخبرك برأس الامر وعموده و ذروة سنامه ثم اخبره بذلك ثم قال عليه الصلاة والسلام الا اخبرك بملاك ذلك كله فقلت له بلى يا نبي الله فاخذ بلسانه فقال كف عليك هذا فقلت يا رسول الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك امك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم او قال على مناخرهم الا حصائد السنتهم فملاك الامر جماعه واساسه الذي ان وفاه تحققت المصالح الاخرى وان ضيعه ضاعت طالح كلها فلا يجتمع للمرء امره ولا تنتظم مصالحه الا اذا اجتمعت له هذه الامور الاربعة فهي محركات واسس ودعائم. ان وجدت اتى ما بعدها تبعا لها وان لم توجد ظاعت على الانسان مصالحه وانفرط عليه امره وكلها تتعلق بالقلب. وبهذا يعلم مكانة القلب ومنزلته وانه هو المحرك للسان والبدن. وانه اذا طاب طاب اللسان وطابت الاعضاء. واذا خاب خاب اللسان وخابت الاعضاء كما قال عليه الصلاة والسلام الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب واول هذه الامور الاربعة النية الصحيحة والنية بين العبد وبين الله وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى النية هي اساس الدين وقاعدته التي عليها يبنى ولهذا من اهم واولى ما ينبغي ان يعتني به المسلم في سيره الى الله سبحانه وتعالى في صلاته وصيامه وحجه وجميع طاعاته اصلاح النية والاعمال ليست معتبرة الا اذا قامت على النية الصالحة بان يقصد العبد بعمله وجه الله وطلب مرضاته لا غرض له في اعماله وقراباته وطاعاته الا نيل رضا الله سبحانه. يريد ثواب الله واجره ورحمته ولهو النجاة من عقابه وسخطه وقد قال الله تعالى ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا فلا يشكر جل وعلا عمل العامل ولا يرضاه الا اذا قام على نية صحيحة والامر الثاني قوة عالية اي قوة في القلب بان يكون القلب مع هذه النية الصالحة قويا في الاقبال على الطاعات ليس فاترا ولا متوانيا ولا متراخيا وهذه القوة العالية في القلب هي التي ترقيه في دروب الكمال والفضائل فالمقصود قوة القلب وليس قوة البدن. لان قوة القلب هي التي تحمل العبد على حسن الطاعة. الست ترى بعض بعض كبار السن يعاني من ضعف في القوة والبدن ولين العظام وارتخاء الاعصاب وربما يحس بالام واوجاع ثم اذا نودي للصلاة تحامل على نفسه ونهض بجسمه الضعيف وعظامه الواهية لا يستطيع النهوض الا بمشقة عظيمة ثم يتوضأ ويذهب متكئا على عصاه ويخطو خطوات ثقيلة الى ان يصل الى المسجد بجهد جهيد ثم يقف في الصف وتقر عينه بهذا الوقوف فيه فما الذي حمله على القيام لهذه الصلاة الا قوة قلبه بخلاف بعض الاقوياء بدنيا ينادون للصلاة ولا يستجيبون مع علمهم بمكانة الصلاة وفضلها وثوابها وعظم اثارها لضعف قوتهم القلبية روى البيهقي في شعب الايمان عن شميط ابن عجلان رحمه الله قال ان الله عز وجل جعل قوة المؤمن في قلبه. ولم يجعلها في اعضائه الا ترون الشيخ يكون ضعيفا يصوم الهواجر ويقوم الليل والشباب يعجز عن ذلك نعم قد يتعجب المرء وهو يرى بعض كبار السن بابدانهم الضعيفة يتحامل الواحد منهم على نفسه على عصاه يجر قدميه لا يتخلف عن الصلوات الخمس في بيوت الله لكن يزول عنه هذا العجب اذا علم ان هذا عائد الى ما اتاهم الله من قوة ايمان في قلوبهم خلاف ظعيف الايمان. لا يتمكن الواحد منهم من النهوض الى الصلاة. ولو كان من اقوى الناس بدنا واصح بهم جسما والامر الثالث والرابع الرغبة والرهبة. وهاتان الخصلتان وهما من صفات القلوب من اعظم المحركات التي يملك العبد للاقبال على الفضائل والتخلي عن القبائح والرذائل وكلما قويت في القلب الرغبة والرهبة قوي اقباله على الفضائل واجتنابه للرذائل فاذا عظم رجاء العبد فيما عند الله سبحانه حركه هذا الرجاء العظيم الى ان يقبل على الطاعات وان يستكثر من الحسنات والاعمال المقربة الى الله راجيا بتلك الاعمال ثواب الله واذا قوي في قلبه الخوف من الله ومن عقابه ومن ناره ومن سخطه سبحانه حجزه عن الرذائل ومنعه وعن المحرمات خشية من الله سبحانه فالرجاء قائد يقود العبد الى الفضائل الصلاة وعموم الطاعات وانواع القربات والخوف سائق وزاجر فاذا حدثت المرأة نفسه بارتكاب معصية جاء هذا الزاجر وردعه ومنعه وحال بينه وبين المعصية اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه اسأل الله جل في علاه ان يحفظ قلوبنا اجمعين وان يحبب الينا الايمان وان يزينه في قلوبنا وان يجعلنا هداة مهتدين وان يجعلنا اجمعين من الراشدين. منا منه وفضلا. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد اله وصحبه اجمعين