بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد روى الامام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح الذي هو اصح كتاب بعد كتاب الله جل وعلا عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او الى امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه هذا الحديث ساقه البخاري رحمه الله في مواضع عديدة من كتابه الصحيح باسناده رحمه الله الى علقمة ابن وقاص الليثي ففي الموضع الاول منها قال علقمة رحمه الله سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما الاعمال بالنيات وذكر الحديث وفي موضع اخر قال علقمة رحمه الله سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا ايها الناس انما الاعمال بالنية وذكر حديث فهاتان الروايتان لهذا الحديث العظيم وكلتاهما في صحيح الامام البخاري رحمه الله تفيدان ان هذا الحديث العظيم المبارك ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته العامة على منبره صلوات الله وسلامه عليه تنبيها للامة وايقاظا لها واستشعارا لهذا المقام العظيم من مقامات اصلاح القلوب وتأسى به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وخطب به على المنبر مذكرا بمقام النية ومنزلتها العلية ولا يزال دعاة الخير وائمة الصلاح الناصحون لعباد الله يذكرون في كل مقام في المنبر وغيره. باهمية النية ومكانتها العظيمة وانها اعظم ما تستصلح به القلوب ثم ان الامام البخاري رحمه الله صدر كتابه الصحيح بهذا الحديث العظيم فهو اول حديث ذكره في كتابه المبارك وصنع مثل صنيعه جماعة من اهل العلم حيث صدروا بهذا الحديث العظيم مؤلفاتهم وبدأوا به مصنفاتهم تنبيها من هؤلاء الائمة على ان النية يحتاج اليها عبد الله المؤمن حاجة ماسة في طلبه للعلم وفي عباداته كلها فان الاعمال معتبرة بنياتها فلا صلاة معتبرة عند الله ولا صيام ولا حج ولا صدقة ولا بر ولا اي قربة. الا اذا قامت على نية صالحة بحيث يكون قد ابتغي بالعمل وجه الله تعالى فالاعمال معتبرة عند الله جل وعلا بنياتها فاذا كانت النية لله خالصة ويبتغى بالعمل وجه الله جل وعلا قبل الله من العامل عمله وان لم يكن العمل كذلك رد على عامله وان كثر وتعدد وتنوع وقد قال الله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا ويقول جل وعلا وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ويقول جل وعلا الا لله الدين الخالص والايات في هذا المعنى كثيرة شهيرة ولهذا تكاثرت النقول عن اهل العلم تعظيما لهذا الحديث وبيانا لمكانته العلية حتى قال الامام الشافعي وغيره من اهل العلم هذا الحديث اي حديث عمر رضي الله عنه ثلث العلم وجاء عن الشافعي رحمه الله انه قال يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من ابواب الفقه فهو يدخل في الصلاة وفي الصيام وفي الصدقة وفي الحج وفي كل طاعة فكل تلك الطاعات لا تعتبر الا بالنية والنبي عليه الصلاة والسلام ظرب في الحديث مثالا يقاس عليه في كل طاعة قال فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله اي من كانت هجرته الى الله ورسوله نية وقصدا فهجرته الى الله ورسوله ثوابا واجرا فاذا صلحت النية تحقق الثواب وثبت الاجر واذا فسدت النية رد العمل ولم يقبل لان الله عز وجل لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لوجهه جل وعلا وقول الامام الشافعي رحمه الله عن هذا الحديث انه ثلث العلم يوضحه قول الامام احمد رحمه الله اصول الاسلام تدور على ثلاثة احاديث حديث عمر رضي الله عنه انما الاعمال بالنيات وحديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما مشتبهات وبيان ذلك ان دين الله تبارك وتعالى انما هو فعل للمأمورات وترك للمحظورات واتقاء للمتشابهات وجمع ذلك كله في حديث النعمان ولا يتم ذلك الا بامرين ان تكون صورة العمل الظاهرة موافقة للسنة وهذا ما بين في حديث عائشة رضي الله عنها من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وان يكون في باطنه لله خالصا. وهذا ما بين في حديث عمر رضي الله عنه انما الاعمال بالنيات فما احوج العبد الى اصلاح نيته ومعالجة قصده وتصحيح ارادته في جميع اعماله في صلاته وصيامه وحجه وجميع طاعاته بالا يبتغي بشيء من ذلك الا وجه الله لانه ليس شيء من ذلك يكون مقبولا مرضيا مشكورا عند الله تعالى الا اذا كان لله خالصا ولن يدخل معه في قبره من صالح عمله وسديد قوله الا ما قصد به وجه الله تعالى اما تلك الاعمال التي يعملها العامل يريد بها شهرة او يريد بها سمعة او يريد بها مراة او يريد بها دنيا فانية او يريد بها رئاسة زائلة او غير ذلك من الحظوظ فكل ذلك لا يكون عند الله مقبولا ولا يكون عنده جل وعلا مرضيا لان من شرط العمل المقبول ان يكون قد ابتغي به وجه الله جل وعلا قال الله عز وجل ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا واصلاح النية يحتاج الى مجاهدة مستمرة للنفس لان النية تتفلت والصوارف التي تصد العبد عن الاخلاص في الدنيا كثيرة والله تعالى يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ولهذا فان معالجة النية ومجاهدة النفس على الاخلاص لله امر مطلوب من المسلم الى اخر نفس والى اخر لحظة من الحياة لانه لا يزال تأتيه الصوارف والصواد عن الاخلاص من هنا وهناك ويحتاج كل وقت وكل حين الى معالجة نيته واصلاح مقصده واطابة ارادته وقد ورد عن السلف رحمهم الله نقول عظيمة بالتأكيد على النية واصلاحها. والعناية التامة بها وقد نقل جملة منها الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه جامع العلوم والحكمة كم قال رحمه الله عن يحيى ابن ابي كثير قال تعلموا النية فانها ابلغ من العمل وعن زبيد اليامي قال اني لاحب ان تكون لي نية في كل شيء. حتى في الطعام والشراب وعنه انه قال انوي في كل شيء تريده الخير حتى خروجك الى الكناسة وعن داوود الطائي قال رأيت الخير كله انما يجمعه حسن النية وكفاك بها خيرا وان لم تنصب قال داوود والبر همة التقي. ولو تعلق الجميع جوارحه بحب الدنيا لردته يوما نيته الى سلام وعن سفيان الثوري قال ما عالجت شيئا اشد علي من نيتي لانها تتقلب علي وعن يوسف بن اسباط قال تخليص النية من فسادها اشد على العاملين من طول الاجتهاد وعن مطرف بن عبدالله قال صلاح القلب بصلاح العمل وصلاح العمل بصلاح النية وعن بعض السلف قال من سره ان يكمل له عمله فليحسن نيته فان الله عز وجل يأجر العبد اذا حسنت نيته حتى باللقمة وعن ابن المبارك قال رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية وقال ابن عجلان لا يصلح العمل الا بثلاث. التقوى لله والنية الحسنة والاصابة وقال الفضيل ابن عياض انما يريد الله عز وجل منك نيتك وارادتك انتهى ما نقله الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله النية هي مما يخفيه الانسان في نفسه فان كان قصده ابتغاء وجه ربه الاعلى استحق الثواب وان كان قصده رياء الناس استحق العقاب كما قال تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون وقال واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس وفي حديث ابي هريرة الصحيح في الثلاثة الذين اول من تسعر بهم النار بالذي تعلم وعلم ليقال عالم قارئ والذي قاتل ليقال جريء وشجاع والذي تصدق ليقال جواد وكريم فهؤلاء انما كان قصدهم مدح الناس لهم وتعظيمهم لهم وطلب الجاه عندهم لم يقصدوا بذلك وجه الله. وان كانت صور اعمالهم صورا حسنة فهؤلاء اذا حوسبوا كانوا ممن يستحقوا العذاب كما في الحديث من طلب العلم ليباهي به العلماء او ليماري به السفهاء او ليصرف به وجوه الناس اليه فله من عمله النار وفي الحديث الاخر من طلب علما مما يبتغى به وجه الله لا يطلبه الا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد ومن مسيرة خمسمائة عام وفي الجملة القلب هو الاصل كما قال ابو هريرة القلب ملك الاعضاء والاعضاء جنوده فاذا طاب الملك طابت جنوده واذا خبث خبثت جنوده وهذا كما في حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما المتفق عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح لها سائر الجسد واذا فسدت فسد لها سائر الجسد الا وهي القلب وصلاحه وفساده يستلزم صلاح الجسد وفساده فيكون هذا مما ابداه لا مما اخفاه ان الاخلاص لله سبحانه وتعالى هو حقيقة دين الاسلام ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام. قال الله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء وقال سبحانه ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن وحقيقة الاخلاص افراد الرب جل ثناؤه وتقدست اسماؤه وتبارك اسمه وتعالى جده ولا اله غيره بالمحبة والاجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك من التوكل والانابة والرغبة والرهبة فلا يحب سواه وكلما كان يحب غيره فانما يحب تبعا لمحبته وكونه وسيلة الى زيادة محبته ولا يخاف سواه ولا يرجى سواه ولا يتوكل الا عليه. ولا يرغب الا اليه. ولا يرهب الا منه. ولا يحلف الا باسمه ولا انذروا الاله ولا يتاب الا اليه ولا يطاع الا امره ولا يتحسب الا به ولا يستغاث في الشدائد الا به. ولا يلتجأ الا اليه ولا الاله ولا يذبح الاله وباسمه ويجتمع ذلك بحرف واحد وهو الا يعبد الا اياه بجميع انواع العبادة وعلى العبد في هذا المقام ان يجاهد نفسه على السلامة من كل قادح في الاخلاص او ناقض له قال ابن القيم رحمه الله لا يجتمع الاخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس. الا كما يجتمع والنار والضب والحوت فاذا حدثتك نفسك بطلب الاخلاص فاقبل على الطمع اولا فاذبحه بسكين اليأس واقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الاخرة فاذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الاخلاص فان قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح قلت اما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا انه ليس من شيء يطمع فيه الا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكه غيره ولا يؤتي العبد منها شيئا سواه واما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك انه ليس احد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويسين الله وحده كما قال ذلك الاعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم ان مدحي زين وذمي شين فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الله عز وجل ازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشينك ذمه وارغب في مدح من كل الزين في مدحه. وكل الشين في ذمه ولن تقدر على ذلك الا بالصبر واليقين. فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن اراد السفر في البحر في مركب قال تعالى فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون وقال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون الا ما احوجنا الى ان نقرأ مرات وكرات قول نبينا صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله. ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها او الى امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه. لنداوي قلوبنا ونتفقد نياتنا اللهم اصلح نياتنا اجمعين واهدنا اليك صراطا مستقيما ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته