بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد روى الامام احمد والترمذي عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وان ما اخطأه لم يكن ليصيبه وعن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه قال ان احدكم لن يخلص الايمان الى قلبه حتى يستيقن يقينا غير ظن ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وانما اخطأه لم يكن ليصيبه ويقر بالقدر كله. رواه البيهقي هذا اصل عظيم من اصول الايمان وركن جليل من اركانه العظام ان يؤمن العبد بالقضاء والقدر ومحل هذا الايمان القلب ومن المعلوم ان الايمان الذي خلقنا الله عز وجل لاجله واوجدنا لتحقيقه يقوم على اركان ستة وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والايمان بالقدر خيره وشره وقد جمعها عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الايمان قال اخبرني عن الايمان قال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وان تؤمن بالقدر خيره وشره وقد جاء ذكر هذا الاصل اعني الايمان بالقدر في القرآن الكريم في مواضع عديدة منه منها قول الله سبحانه وكان امر الله قدرا مقدورا. وقول الله عز وجل ان كل شيء خلقناه بقدر وقوله سبحانه سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى وقوله جل وعلا ثم جئت على قدر يا موسى وقوله جل وعلا ان الله على كل شيء قدير وقوله جل وعلا لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين والايات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله عز وجل وقد جاء في السنة احاديث كثيرة تبين مكانة الايمان بالقدر العظيمة ومنزلته العلية الشريفة روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كل شيء بقدر حتى العجز والكيس قال الحافظ ابن حجر رحمه الله والكيس بفتح الكاف ضد العجز ومعناه الحزق في الامور ويتناول امور الدنيا والاخرة ومعناه ان كل شيء لا يقع في الوجود الا وقد سبق به علم الله ومشيئته وانما جعلهما في الحديث غاية لذلك للاشارة الى ان افعالنا وان كانت معلومة لنا ومرادة منا فلا تقع مع ذلك منا الا بمشيئة الله ولهذا شرع لنا في الدعاء ان نقول اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل لان الذي يعيذ من العجز والكسل هو الذي بيده ازمة الامور ومقاليد السماوات والارض فلا يسلم عبد من الكسل ولا من العجز الا اذا سلمه الله لان الامور بيد الله عز وجل فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبد حتى يؤمن باربع يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر وروى الامام احمد والترمذي وغيرهما عن الوليد بن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال دخلت على عبادة وهو مريض اتخايل فيه الموت فقلت يا ابتاه اوصني واجتهد لي فقال اجلسوني قال يا بني انك لن تطعم طعم الايمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره قال قلت يا ابتاه فكيف لي ان اعلم ما خير القدر وشره قال تعلم ان ما اخطأك لم يكن ليصيبك وما اصابك لم يكن ليخطئك يا بني اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان اول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم ثم قال اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة يا بني ان مت ولست على ذلك دخلت النار وقول عبادة رضي الله عنه لن تطعم طعم الايمان ولن تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر يبين ان الذي لا يؤمن بالقدر ما عرف الله سبحانه ولا عرف عظمة الله ولا قدر الله سبحانه حق قدره وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قال الامام احمد رحمه الله القدر قدرة الله قال ابن القيم رحمه الله واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جدا وقال هذا يدل على دقة علم احمد وتبحره في معرفة اصول الدين وهو كما قال ابو الوفاء فان انكار القدر انكار لقدرة الرب على خلق اعمال العباد وكتابتها وتقديرها فالذي لا يؤمن بالقدر هو في الحقيقة لا يعرف الله ولا يؤمن به ولا يستقيم توحيده ولهذا جاء عن الصحابي الجليل عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما انه قال القدر نظام التوحيد فمن امن بالله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده اي انه بتكذيبه بالقدر ينتقض توحيده فلا يكون مؤمنا بالله واذا كان الايمان بالقدر نظام التوحيد فان التوحيد نفسه نظام الحياة فحياة الانسان لا تنتظم الا بتوحيد الله ومن لم يوحد الله سبحانه تكون حياته وشؤونه كلها فرطا. كما قال الله سبحانه وتعالى ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا فاذا انهدم التوحيد انفرطت الحياة وضاع الزمام وانفلت الخطام وتبددت الامور وعاش الانسان في ظياع واصبحت حياته كلها تباب لا قيمة لها فلا تنتظم الحياة الا بتوحيد الله ولا ينتظم توحيد الله الا بالايمان بقدره وان الامور كلها بتقديره عز وجل. وان الامور كلها بمشيئته وان ما شاء جل وعلا كان وما لم يشأ لم يكن والايمان بالقدر لا يكون الا بالايمان بمراتبه. وهي اربعة مراتب المرتبة الاولى الايمان بعلم الله عز وجل الشامل المحيط الواسع وان الله عز وجل احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا علم ما كان وعلم ما سيكون وعلم ما لم يكن ان لو كان كيف يكون قال الله تعالى الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلجوا في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين وقال تعالى هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير المرتبة الثانية الايمان بالكتابة وان الله سبحانه كتب كل ما هو كائن في اللوح المحفوظ قال تعالى ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير وقال جل وعلا وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستقر وقال جل وعلا انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض امسينا الف سنة قال وعرشه على الماء المرتبة الثالثة الايمان بمشيئة الله جل وعلا النافذة وقدرته الشاملة. قال الله تعالى ان الله على كل شيء قدير وقال تعالى لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين وقال تعالى ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا وما تشاؤون الا ان يشاء الله ان الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين اعد لهم عذابا اليما المرتبة الرابعة الايمان بان الله خالق كل شيء وان جميع ما وجد ويوجد فالله خالقه. قال تعالى والله خلقكم وما تعملون وقال جل وعلا الحمد لله رب العالمين وقال تعالى الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ان من الجميل بالمؤمن ان يكون ايمانه بالقدر حاضرا معه في كل تقلباته. وجميع احواله مستشعرا انه طوع تدبير سيده ومولاه يقضي فيه بما يشاء ويحكم فيه بما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه ولنتأمل في هذا دعاء الاستخارة الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم امته توطينا لهم على الرضا بقضاء الله والتسليم لما يقدر بان يفوض العبد الامر اليه سبحانه ان يختار له ما فيه الخير له في دينه ودنياه وعاقبة امره وان يصرف عنه ذلك الامر ان كان فيه شر له وان يقدر له الخير حيث كان. ايمانا من العبد ان الامور كلها بقدر الله روى البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الامور كما يعلمنا السورة من القرآن. يقول اذا هم احدكم بالامر فليركع ركعتين من غير الفريضة. ثم ليقل اللهم اني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك واسألك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا اعلم وانت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم ان هذا الامر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري او قال عاجل امري واجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وان كنت تعلم ان هذا الامر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري او قال في عاجل امري واجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. قال ويسمي حاجته وارشد عليه الصلاة والسلام المكروب ان يستحضر الايمان بالقدر وان يدفع قدر الله بقدر الله. ملتجئا الى الله متوسلا اليه بايمانه بقدره ان يكشف كربته ويذهب عنه حزنه ويبدله فرحا روى الامام احمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اصاب احدا قط هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او انزلته في كتابك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهابا همي الا اذهب الله همه وحزنه وابدله مكانه فرحا قال فقيل يا رسول الله الا نتعلمها فقال بلى ينبغي لمن سمعها ان يتعلمها والايمان بالقدر يفيد العبد فوائد عظيمة فهو يعطي القلب قوة ويزيد العبد معرفة بالله سبحانه ويدلل له الصعاب ويرزقه الله بايمانه بالقدر السلوان في المصائب فاذا اصيب المؤمن بمصاب سلاه ايمانه بالقدر كما قال الله تعالى ما اصاب من مصيبة الا باذن الله. ومن يؤمن بالله يهدي قلبه. قال علقمة الله هو المؤمن تصيبه المصيبة في علم انها من عند الله فيرضى ويسلم يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه. وانما اخطأه لم يكن ليصيبه ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي وهذه ميزة عظيمة للايمان بالقدر. يقول عليه الصلاة والسلام عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذاك لاحد الا للمؤمن. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له فالمؤمن في سرائه شاكر وفي ضراءه صابر في سرائه يفوز بثواب الشاكرين وفي ضراءه يفوز بثواب الصابرين فهو فائز رابح غانم في كل احواله قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله جعل الله سبحانه عباده المؤمنين بكل منزلة خيرا منه فهم دائما في نعمة من ربهم اصابهم ما يحبون او اصابهم ما يكرهون وجعل اقضيته واقداره التي يقضيها لهم ويقدرها عليهم متاجر يربحون بها عليه وطرقا يصلون منها اليه كما ثبت في الصحيح عن امامهم ومتبوعهم الذي اذا دعي يوم القيامة كل اناس بامامهم دعوا به صلوات الله وسلامه عليه انه قال عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير ما يقضي الله له من قضاء الا كان خيرا له ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له فهذا الحديث يعم جميع اقضيته لعبده المؤمن وانها خير له اذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها قال ابن ناصر الدين رحمه الله يجري القضاء وفيه الخير نافلة لمؤمن واثق بالله لا لاهي ان جاءه فرح او نابه ترح في الحالتين يقول الحمد لله وبحمده سبحانه نختم فله الحمد اولا واخرا وله الشكر ظاهرا وباطنا. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته