بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل تجاوز لامتي عما حدثت به انفسها ما لم تعمل او تكلم به متفق عليه ان مبدأ اعمال المرء خيرها وشرها صالحها وفاسدها من خطرات تجول في قلبه وخواطر تدور في نفسه ثم تتحول تلك الخطرات الى ارادات وعزوم ثم تتحول الى اعمال ولهذا من ظبط خواطر نفسه وخطراتها واحسن رعايتها وكان بوابا على قلبه يحوطه ويحرسه من خطرات وخواطر السوء صدا لها وابعادا لها عن قلبه سلم قلبه من الهلكة والعطب ومن ترك خطرات السوء وخواطر الشر تجول في قلبه وتتردد في نفسه ثم اخذ يستجلبها وينميها في قلبه تولد عنها شر عظيم وفساد كبير قال ابن القيم رحمه الله واما الخطرات فشأنها اصعب فانها مبدأ الخير والشر ومنها تتولد الارادات والهمم والعزائم فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له اغلب ومن استهان بالخطرات قادته قهرا الى الهلكات ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطنة كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه له حسابه والله سريع الحساب وانفع ما يكون للعبد في هذا الباب ان يحصر خواطر قلبه في امور اربعة خواطر يستجلب بها منافع دنياه وخواطر يستدفع بها مضار دنيا وخواطر يستجلب بها منافع اخرته وخواطر يستدفع بها مضار اخرته فاذا حصرها في هذه الاربع افلح وانجح وسعد في دنياه واخراه قال ابن القيم رحمه الله فليحصر العبد قطراته وافكاره وهمومه في هذه الاقسام الاربعة فاذا انحصرت له فيها فما امكن اجتماعه منها لم يتركه لغيرها واذا تزاحمت عليه الخطرات كتزاحم متعلقاتها قدم الاهم فالاهم الذي يخشى فوته واخر الذي ليس باهم ولا يخاف فوته بقي قسمان اخران احدهما مهم لا يفوت والثاني غير مهم ولكنه يفوت ففي كل منهما ما يدعو الى تقديمه فهنا يقع التردد والحيرة فان قدم المهم خشي فوات ما دونه وان قدم ما دونه فاته الاشتغال به عن المهم وكذلك يعرض له امران لا يمكن الجمع بينهما. ولا يحصل احدهما الا بتفويت الاخر فهو موضع استعمال العقل والفقه والمعرفة ومن ها هنا ارتفع من ارتفع وانجح من انجح وخاب من خاب فاكثر من ترى ممن يعظم عقله ومعرفته يؤثر غير المهم الذي لا يفوت على المهم الذي يفوت ولا تجد احدا يسلم من ذلك ولكن مستقل ومستكثر والتحكيم في هذا الباب للقاعدة الكبرى التي عليها مدار الشرع والقدر واليها مرجع الخلق والامر وهي ايثار اكبر المصلحتين واعلاهما وان فاتت المصلحة التي هي دونها والدخول في ادنى المفسدتين لدفع ما هو اكبر منها فيفوت مصلحة لتحصيل ما هو اكبر منها ويرتكب مفسدة لدفع ما هو اعظم منها واعلى الخواطر وانفع الفكر ما كان لله تبارك وتعالى والدار الاخرة وما كان كذلك ينحصر في انواع الاول منها فكرة في ايات الله المنزلة كلام الله جل وعلا الذي انزله سبحانه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان انزله هداية للعباد ورشادا وفلاحا وسعادة في الدنيا والاخرة والله عز وجل انما انزل هذا القرآن لتتدبر اياته وليهتدى بهداياته وليعمل ببيناته قال الله تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب انزله سبحانه لذلك الا ان من الناس من جعل حظه من هذا القرآن مجرد التلاوة دون الفهم والعمل بل قال الفضيل رحمه الله انزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس قراءته عملا الثاني فكرة وتأمل في ايات الله المشهودة ومخلوقاته العظيمة وكونه الفسيح فان هذا التأمل في هذه الكائنات وهذه المخلوقات يهدي قلب العبد الى تعظيم من خلقها جل في علاه وتهدي قلب المتفكر الى معرفة الله عز وجل ومحبته ورجائه وخوفه والعمل بما يرضيه قال الله تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار الثالث فكرة وتفكر في نعم الله العظيمة والاءه الجسيمة وعطاياه التي لا تعد ولا تحصى فاذا شغل المرء فكره في ذلك تحول الى عبد شاكر لانعم الله ذاكر لله حامد له مثن عليه جل في علاه والله جل وعلا لما عدد نعمه العظيمة والاءه الكثيرة في سورة النحل التي تعرف بسورة النعم قال في خاتمة عده لها كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون وهذا فيه الماحة واشارة الى ان تبصر العبد وتفكره في نعم الله يهديه الى الاسلام والخضوع لله جل في علاه والرابع من هذه الفكر ان يتفكر المرء في عيوب نفسه وتقصيره في حق ربه وتفريطه في جنب الله جل في علاه يتفكر في ذلك فاذا اعمل فكره في ذلك افضى به الى كسر النفس الامارة بالسوء وافظى ايظا به الى طرد العجب والغرور ونحو ذلك من القلب ليتحول الى قلب منكسر خاضع لله جل في علاه. مدرك تفريطه في حق الله مجتهد في الوصول والبلوغ الى مرضاة الله جل في علاه الخامس من هذه الفكر النافعة الفكرة في واجب الوقت وفريضته فان كثيرا من الناس يسبح فكره في امان باطلة وتمنيات زائفة وينسى يومه منهم من يخطط الى اعمال تمتد الى عشرات السنوات وهو مضيع لواجب اليوم وفريضته وقد قيل قديما الانسان ابن يومه فيتفكر في عمل اليوم وواجبه ويجمع همته وقلبه على ذلك مجاهدا نفسه على الا تغيب شمس يومه الا وقد ادى واجب الله فيه مبتعدا فيه عن كل ما يسخط الله ولا يزال كذلك مع كر الايام ومر الاوقات فتكون الايام تلو الايام زيادة له في الرفعة والعلو عند الله عز وجل وتكون كذلك ايامه زيادة له في كل خير ورفعة عند الله وما سوى هذه الفكر انما هي وساوس في الصدور وامان باطلة وخدع كاذبة. لا ينال منها صاحبها نفعا بل هي وبال ومضرة عليه في دنياه واخراه اصلح الله قلوبنا اجمعين وزكى نفوسنا وهدانا اليه صراطا مستقيما قال ابن القيم رحمه الله واعلم ان الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها الى الفكر فيأخذها الفكر اديها الى التذكر فيأخذها الذكر فيؤديها الى الارادة فتأخذها الارادة فتؤديها الى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة فردها من مبدأها اسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها فانها تهجم عليه هجوم النفس الا ان قوة الايمان والعقل تعينه على قبول احسنها ورضاه به ومساكنته له وعلى دفع وكراهته له ونفرته منه قيل لبعض الحكماء ما سبب الذنب؟ قال الخطرة فان تداركت الخطرة بالرجوع الى الله ذهبت وان لم تفعل تولد عنها الفكرة فان تداركتها بالرجوع الى الله بطلت والا فعند ذلك تخالط الوسوسة الفكرة فتولدوا عنها الشهوة وكل ذلك بعد باطن في القلب لم يظهر على الجوارح فان استدركت الشهوة والا تولد منها الطلب فان تداركت الطلب والا تولد منه الفعل قال ابن الجوزي رحمه الله فان قال قائل كيف اقدر على دفع خطرات تخطر لا املكها فالجواب انها ما لم تكن عزما لا تضر غير انه لا ينبغي ان تؤخر بالخوف ممن يعلم ما تخفي تدور لتشاغل القلب بوظائف بعيدة تلهيه عن الامر الذي خلق له. ومتى كففت جوارحك ولم على الخطايا بقلبك فقد عفي لك عن الوسواس والخواطر فاذا زجرتها بالخوف فقد بالغت في النظافة ومن الدعوات المأثورة عن نبينا عليه الصلاة والسلام اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها وفي هذه الدعوة سؤال الرب جل في علاه ان يزكي القلب وان يطهره وزكاة القلب وطهارته انما تكون بسلامته من خواطر السوء وخطرات الفساد وايرادات الشر وهموم الباطل والسوء فاذا سلم القلب من ذلك وعمر بالطاعة والايمان كان قلبا زكيا طاهرا نقيا. وهو الناجي يوم لقاء الله سبحانه فانما النجاة لمن اتى الله بقلب سليم وهذا المقام يتطلب من العبد في تزكيته لقلبه وصيانته له ان يكثر من دعاء الله فان القلوب بيد الله جل في علاه. وان يجاهد نفسه على صيانة القلب ورعايته واصلاحه وابعاده عنك كل ما يفسده والقلب فساده من الواردات وهي ترد عليه اما من خلال السمع او البصر فاذا صان نفسه وكان بوابا وحارسا لها حفظت باذن الله والحافظ الله وحده جل في علاه قال ابن القيم رحمه الله واعلم ان ورود الخاطر لا يضر وانما يضر استدعاؤه ومحادثته فالخاطر كالمار على الطريق. فان لم تستدعه وتركته مرة وانصرف عنه وان استدعيته سحرك بحديثه وخدعه وغروره وهو اخف شيء على النفس الفارغة البطالة. واثقل شيء على القلب والنفس الشريفة السماوية المطمئنة وقد ركب الله سبحانه في الانسان نفسا امارة ونفسا مطمئنة وهما متعاديتان فكل ما خف على هذه ثقل على هذه وكل ما التذت به هذه تألمت به الاخرى فليس على النفس الامارة اشق من العمل لله وايثار رواه على هواه. وليس لها انفع منه وليس على النفس المطمئنة اشق من العمل لغير الله واجابة داعي الهوى وليس عليها اظر منه والملك مع هذه عن يمنة القلب والشيطان مع تلك عن يسرة القلب والحروب مستمرة لا تضع اوزارها الى ان تستوفي اجلها من الدنيا. والباطل كله يتحيز مع الشيطان والامارة والحق كله يتميز مع الملك والمطمئنة والحروب دول وسجال والنصر مع الصبر ومن صبر وصابر ورابط واتقى الله فله العاقبة في الدنيا والاخرة وقد حكم الله حكما لا يبدل ابدا ان العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين فالقلب لوح فارغ والخواطر نقوش تنقش فيه فكيف يليق بالعاقل ان تكون نقوص لوحه ما بين كذب وغرور وخدع واماني باطلة وسراب لا حقيقة له فاي حكمة وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش واذا اراد ان ينتقص ذلك في لوح قلبه كان بمنزلة كتابة العلم النافع في محل مشغول بكتابة ما لا منفعة فيه فان لم يفرغ القلب من الخواطر الرديئة لم يستقر فيه الخواطر النافعة واسأل الله ان يحفظ علينا قلوبنا واسماعنا وابصارنا وان يصلح لنا شأننا كله. والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته