بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اصاب احدا قط هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او انزلته في كتابك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب الله همه وحزنه وابدنه مكانه فرحا قال فقيل يا رسول الله الا نتعلمها؟ فقال بلى ينبغي لمن سمعها ان يتعلمها. رواه احمد ان انشراح الصدر وسلامته من الهموم والغموم مطلب عظيم ومقصد جليل وهو منة عظيمة من رب العالمين والمقصود بانشراح الصدر ارتياحه وطمأنينته. وزوال المنغصات والمكدرات عنه. وبقاؤه اذا في حياة كريمة طيبة واذا من الله سبحانه على عبده به فشرح له صدره ويسر له امره واذهب عنه الهموم والغموم تحققت له مصالحه الدينية والدنيوية. ونال مقاصده واهدافه. فسهلت عليه العبادات وتيسرت له الطاعات وتمكن من رعاية جميع مصالحه بينما اذا ظاق الصدر بكثرة الهموم والغموم فان كثيرا من مصالح العبد تتعطل. فلا قدرة له على عمل ولا نشاط له للولوج في ابواب البر بل لا يزال متنقلا من هم الى اخر ومن غم الى غم وشرح الصدر اعظم معينا للعبد على تحقيق غاياته ونيل مصالحه ولهذا لما امر الله نبيه موسى عليه السلام بالذهاب الى الطاغية فرعون لدعوته وتحذيره من مغبة طغيانه توجه موسى عليه السلام الى الله بالدعاء. قال رب اشرح لي صدري. ويسر لي امري ويقول الله تعالى ممتنا على عبده ورسوله ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم. الم نشرح لك اي فهذه منحة الهية. وعطية ربانية من الله تعالى عليك بها فشرح الصدر من اعظم اسباب الهدى وتظييقه من اسباب الضلال كما ان شرحه من اجل النعم وتضييقه من اعظم النقم ولا يمكن نيل هذا المطلب العظيم الا بالعناية بهذا الدين والقيام به فكلما كان العبد احرص على استقامته على هذا الدين والتزامه بما جاء فيه كان حظه ونصيبه من راح الصدر بحسب ذلك ولهذا يمكن ان تختصر جميع الاسباب المؤدية لانشراح الصدر في امرين يترتب احدهما على الاخر الامر الاول ان انشراح الصدر لا ينال الا بتوفيق الله تعالى واعانته للعبد والامر الثاني ان هذه المنة والهبة من الله تعالى لا تتأتى الا بطاعته ولزوم شرعه فهذان الامران هما جماع هذا الموضوع واساسه اذا القلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء. وهي طوع تدبيره وتسخيره. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن كما قال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام. ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وقال تعالى افمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه وويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال مبين فانشراح الصدر لا ينال الا بتوفيق من الله وحده. لذلك ينبغي ان يكون طلبه منه سبحانه. وعن طريق ووحيه فيجتهد المؤمن بالدعاء وصدق الالتجاء الى الله ليشرح صدره وييسر امره ويكتبه تعالى في عباده السعداء في الدنيا والاخرة وبعد ذلك يتبع المؤمن الدعاء والالتجاء الى الله ببذل الاسباب المؤدية لتحقيق هذه الغاية الجليلة والمقصد العظيم والانشراح الصدر علامات بينة. ودلالات واضحة تظهر على المؤمن. فيحمد بها العاقبة في الدنيا والاخرة وتتلخص في الجملة في امور ثلاثة الاول ان يقبل على دار الخلود والبقاء والثاني ان يتجافى عن دار الزوال والفناء والثالث ان يستعد للموت وما بعده فاذا وجدت هذه الامور الثلاثة في قلب العبد فهو دليل على انشراح صدره وطمأنينة قلبه قال ابن القيم رحمه الله وعلامة هذا انشراح الصدر لمنازل الايمان وانفساحه وطمأنينة القلب لامر الله والانابة الى ذكر الله ومحبته والفرح بلقائه والتجافي عن دار الغرور كما في الاثر المشهور اذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قيل وما علامة ذلك قال التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله وثمة اسباب عظيمة ينال بها العبد انشراح الصدر اورد فيما يلي اهمها. الاول توحيد الله واخلاص الدين له التوحيد واخلاص الدين له يعد اعظم سبب لانشراح الصدر وهو الغاية التي خلق الله الخلق لاجلها واوجدهم لتحقيقها كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وكلما كان العبد اعظم تحقيقا للتوحيد واعظم عناية به ورعاية لحقوقه وواجباته عن نواقضه ونواقصه كان ذلك اتم في انشراح صدره وراحة قلبه وطمأنينة نفسه و في الدنيا والاخرة الثاني النور الذي يقذفه الله تعالى في قلب عبده. قال تعالى افمن شرح الله صدره للاسلام هو على نور من ربه اي فهو على نور امده الله به منة وفضلا. وهذا النور هو نور الايمان. فانه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب فاذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج وصار في اضيق سجن واصعبه فنصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور قال الحافظ ابن رجب رحمه الله فالقلب الذي دخله نور الايمان وانشرح به وانفسح يسكن للحق ويطمئن به ويقبله وينفر عن الباطن ويكرهه ولا يقبله الثالث تحصيل العلم النافع. فكلما زاد تحصيل العبد من العلم الشرعي المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم زاد انشراح صدره وزاد صلاح حاله فالعلم فيه رفعة العبد وسعادته وفلاحه في دنياه واخراه ونور وضياء لطريقه. كما قال تعالى يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات وهو مع ذلك جنة يعيش فيها طالب العلم وروضة مزهرة وبستان مثمر يجد فيه بهجته وانسه وراحته وسعادته ويقطف فيه من اطايب الثمر وصنوف الازهار الرابع الانابة الى الله وحسن الاقبال عليه تلذذ بعبادته وطاعته. فان الطاعة والعبادة راحة ذو القلوب وانس النفوس وقرة العيون وسعادة الصدر قال ابن القيم رحمه الله الانابة الى الله تعالى ومحبته بكل القلب والاقبال عليه بعبادته فلا شيء اشرح لصدر العبد من ذلك حتى انه ليقول احيانا ان كنت في الجنة في مثل هذه الحال فاني اذا في عيش طيب مثال ذلك الصلاة كم فيها من قرة عين وراحة بال وسكون لقلب المؤمن حتى قال نبينا صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فارحنا بالصلاة وفي الحديث الاخر قال جعلت قرة عيني في الصلاة الخامس دوام ذكر الله تعالى. فان مداومة العبد على ذكر الله سبحانه من اعظم الاسباب لنيل طمأنينة القلب وراحة النفس وزوال الهم والغم بل لا تكشف كربة ولا تزول شدة الا بذكر الله وصدق الالتجاء اليه قال الله عز وجل الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب فالذكر قرة عين للذاكر. وراحة لباله واجر وافر مضاعف يلقاه يوم القيامة وفيه من العوائد الحميدة والمنافع العديدة التي تعود على العبد في الدنيا والاخرة. بل ان كل خير وسعادة انس وراحة وطمأنينة في الدنيا والاخرة متوقف على تحقيق ذكر الله جل وعلا السادس الاحسان الى عباد الله. قال الله تعالى واحسنوا ان الله يحب المحسنين والاحسان الى الخلق يكون بامور عديدة حسية ومعنوية سواء بالجاه او بالمال او بالمشورة او غيرها من انواع المساعدات فان العبد المحسن لعباد الله يجازيه الله بشرح صدره وتيسير امره وحسن عاقبته ومآله لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه السابع ابعاد ادواء القلوب واسقامها فادواء القلوب واسقامها وغوائلها كثيرة والقلوب تمرض كما تمرض الابدان بل ان امراض القلب لها تأثير عظيم على صاحبها. كالحسد والغل والحقد وغيرها من الامراض القلبية فان هذه الخصال الذميمة والادواء المشينة اذا دخلت الى القلوب اعطبتها. واذا وصلت الى الصدور اظلمتها وترتب عليها ظيق صدر صاحبها وكآبة حاله وسوء عاقبته ومآله واما من سلم من هذه الامراض وامتلأ قلبه باضدادها كالامانة والوفاء والصدق والايثار فان هذه المعاني تنعكس على صاحبها بالانشراح في صدره والراحة في قلبه والطمأنينة في نفسه الثامن ترك فضول الامور. فمن اسباب انشراح الصدر صيانة اللسان عن فضول الكلام وصيانة الاذن عن فظول الاستماع وصيانة العين عن فظول النظر فان انشغال نفس الانسان وقلبه بالفظول عن الامور المهمة التي تكون بها سعادته وفلاحه وصلاحه في في دنياه واخراه له اثر بالغ على حياة الانسان بالضيق والنكد والحرج بل ان فضول السمع والبصر والكلام سبب لجلب الهموم والغموم ويترتب عليها من العواقب الوخيمة ما لا يحمده الانسان في دنياه وعقباه وكم جر فضول النظر او الكلام او السماع على صاحبه من الويلات والحسرات ولهذا ينبغي للمؤمن ان يجتهد في تهذيب نفسه وان يزمها بالاخلاق الفاضلة والرعاية للاداب والحفظ للنفس والبعد عن كل ما يضرها ويهلكها التاسع حسن اتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. فاتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم نهجه القويم والاقتداء بهديه من اعظم اسباب انشراح الصدر بل هو جماع هذا الباب كله وذلك لانه ائتساء باشرح الناس صدرا صلى الله عليه وسلم واطيبهم خلقا واجملهم سيرة وازكاهم سريرا قد قال الله تعالى الم نشرح لك صدرك وشرح الله تعالى لقلب النبي صلى الله عليه وسلم هو باتساعه وجمعه للفظائل كلها والكمالات والاداب بانواعها ولذلك كلما كان العبد اكثر اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واقتداء بهديه الكريم كان ذلك احظى للعبد بشرح الصدر وراحة البال وطمأنينة القلب قال ابن القيم رحمه الله والمقصود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرة العين وحياة الروح فهو اكمل الخلق في هذا الشرح والحياة وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي واكمل الخلق متابعة له اكملهم انشراحا ولذة وقرة عين وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال فهو صلى الله عليه وسلم في ذروة الكمال منشرح الصدر ورفع الذكر ووضع الوزر ولاتباعه من ذلك بحسب فبنصيبهم من اتباعه والله المستعان اللهم اشرح صدورنا ويسر امورنا واعنا على سلوك الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم من نبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته