بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تناجسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله اخوانا المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا ويشير الى قدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم افاد هذا الحديث ان محل التقوى ومنبعها هو القلب فمتى عمر القلب بها خضعت الجوارح وانقادت لانها تبع له وقد اضاف الله التقوى الى القلوب كما في قوله تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب وانما اظاف التقوى الى القلوب لان حقيقة التقوى تقوى القلوب وتقييد التقوى بالقلوب فيه اشارة الى ان التقوى قسمان تقوى القلوب والمراد بها التقوى الحقيقية الصادقة التي يتصف بها المؤمن الصادق وتقوى الاعضاء والمراد بها التقوى الصورية الكاذبة التي يتصف بها المنافق الذي كثيرا ما تخشع اعضاؤه وقلبه ساه لا قال الله تعالى فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى لان التقوى محلها القلب والله هو المطلع عليه المجازي على ما فيه من بر وتقوى وقال تعالى ان في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والارض لايات لقوم يتقون فخص المتقين بالانتفاع لان التقوى القائمة في قلوبهم تحدث فيها الرغبة في الخير والرهبة من الشر. الناسئين عن الادلة والبراهين وعن العلم واليقين وقال الله تعالى يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا اي مرض شهوة الزنا فانه مفتون يحركه الى المعصية ادنى شهوة لان قلبه غير صحيح فاقل سبب يدعوه الى الحرام يجيب دعوته ولا يتعصى عليك بخلاف القلب الصحيح المتقي لله فانه لما كان ليس فيه شهوة لما حرم الله فانه لا تكاد تميله ولا تحركه الاسباب لصحة قلبه وسلامته من المرظ وقال الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم قال ابن القيم رحمه الله والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرئاسة فسلم من كل افة تبعده عن الله وسلم من كل شبهة تعارض خبره ومن كل شهوة تعارض امره وسلم من كل ارادة تزاحم مراده وسلم من كل قاطع يقطع عن الله فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفي جنة في البرزخ وفي جنة يوم الميعاد ولا تتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة اشياء من شرك يناقض التوحيد وبدعة تخالف السنة وشهوة تخالف الامر وغفلة تناقض الذكر وهوى يناقض التجريد والاخلاص وقال الله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى كرم الخلق عند الله بالتقوى فرب من يحقره الناس لضعفه وقلة حظه من الدنيا وهو اعظم قدرا عند الله تعالى ممن له قدر في الدنيا فان الناس انما يتفاوتون بحسب التقوى كما قال الله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم وسئل النبي صلى الله عليه وسلم من اكرم الناس قال اتقاهم لله عز وجل وفي حديث اخر قال الكرم التقوى والتقوى اصلها في القلب كما قال الله تعالى ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب والله جل وعلا لا ينظر الى الصور والاموال وانما ينظر الى القلوب والاعمال كما في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم وفي القرآن الكريم ايات عديدة في الحث على التقوى وبيان ثمارها وثواب المتقين. قال الله سبحانه ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا وقال تعالى ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا وقال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب فتقوى الله جل وعلا لها شأن عظيم ولها اثار مباركة وكلما جاهد العبد نفسه على تحقيقها وجد التيسير في اموره والرزق الطيب والمخرج الملائم لكل ما يعرض له من مشكلات ونال بذلك تكفير السيئات وغفران الذنوب ورفعة الدرجات والتقوى ليست مجرد كلمة تقال او دعوة تدعى. لان من السهل على كل انسان ان يقول انا من المتقين وليست العبرة بهذا وانما العبرة بتحقيق التقوى وقيامها حقيقة في قلب العبد ومعنى التقوى ان يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية وتقوى العبد لربه ان يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه سبحانه وسخطه وعقابه وقاية تقيه وذلك لا يكون الا بفعل طاعته واجتناب معصيته. فالله تارة يأمر بتقواه. فهو الذي يخشى ويرجى وكل خير يحصل للعباد فهو منه وتارة يأمر سبحانه باتقاء النار. كما قال تعالى فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة وتارة يأمر باتقاء يوم القيامة كما قال الله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون والقرآن الكريم جاء فيه ايات متعددة شارحة معنى التقوى مفسرة مدلولها مبينة صفات اهلها. ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى في اول بسورة البقرة هدى للمتقين ثم ذكر تبارك وتعالى صفاتهم. قال الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون. اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون وقال الله تبارك وتعالى وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين ثم ذكر تبارك وتعالى صفاتهم فقال الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون فذكر من صفاتهم ملازمة الاستغفار وعدم الاصرار على الذنوب ومن الايات العظيمة الجامعة لمعنى التقوى وبيان صفات اهلها قول الله عز وجل في سورة البقرة في الاية التي تعرف عند اهل العلم باية البر قال الله تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب. ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون فذكر عز وجل ان من صفات المتقين صلاح عقيدتهم وصلاح اعمالهم وقد جاء عن السلف الصالح رحمهم الله عبارات عديدة في توضيح التقوى وبيان مدلولها وهي متقاربة قال ابن عباس رضي الله عنهما المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته وقال الحسن رحمه الله المتقون اتقوا ما حرم عليهم وادوا ما افترض عليهم وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك. ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله واداء ما افترض الله وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى اتقوا الله حق تقاته قال ان يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وان يشكر فلا يكفر قال ابن القيم رحمه الله واما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله ايمانا واحتسابا امرا ونهيا فيفعل ما امر الله به ايمانا بالامر وتصديقا بوعده. ويترك ما نهى الله عنه ايمانا بالنهي وخوفا من وعي عيده كما قال الطلق ابن حبيب رحمه الله اذا وقعت الفتنة فاطفئوها بالتقوى. قالوا وما التقوى؟ قال ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله وهذا احسن ما قيل في حد التقوى فان كل عمل لابد له من مبدأ وعاية. فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره وعن الايمان فيكون الباعث عليه هو الايمان المحو لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك بل لا بد ان يكون مبدأه محض الايمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب ولهذا كثيرا ما يقرن بين هذين الاصلين في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم من صام رمظان ايمانا واحتسابا ومن قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا ونظائره فقوله على نور من الله اشارة الى الاصل الاول وهو الايمان الذي هو مصدر العمل والسبب الباعث عليه وقوله ترجو ثواب الله اشارة الى الاصل الثاني وهو الاحتساب وهو الغاية التي لاجلها يوقع العمل ولها يقصد به ان تقوى الله جل وعلا هي الاساس الذي تدور عليه سعادة العبد في الدنيا والاخرة وبها ينال شريف المواهب ورفيع المقامات وجليل المنازل وخير المناقب جاء في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قيل للرسول صلى الله عليه وسلم من اكرم الناس قال اتقاهم وهذا معنى مقرر في كتاب الله جل وعلا قال الله تعالى يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير وروى الامام احمد في مسنده عن ابي نظرة رضي الله عنه قال حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط ايام التشريق فقال يا ايها الناس الا ان ربكم واحد وان اباكم واحد الا لا فضل لعربي على اعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لاحمر على اسود ولا اسود على احمر الا بالتقوى ابلغت؟ قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال عليه الصلاة والسلام اي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال اي شهر هذا؟ قالوا شهر حرام قال ثم قال اي بلد هذا؟ قالوا بلد حرام قال فان الله قد حرم بينكم دماءكم واموالكم واعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهر كم هذا في بلدكم هذا؟ ابلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب وليحذر المرء من ان يخل بهذا المعيار وان تنقلب عنده الموازين فان اساس الرفعة واساس الشرف وعلو الفضيلة والمنقبة انما هو بتقوى الله تبارك وتعالى جاء في المسند وغيره من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل قد اذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالاباء مؤمن تقي وفاجر شقي الناس بنو ادم وادم من تراب جعلنا الله اجمعين من عباده المتقين واولياءه المقربين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته