بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث اصاب ارضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فانبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها اجادب امسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا واصاب طائفة منها اخرى انما هي قيعان. لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي ارسلت به متفق عليه بين النبي صلى الله عليه وسلم ان مثل ما بعثه الله به من الهدى والعلم مثل الغيث الذي تشربه الارض فتخرج فنون الثمرات وتمسكه ارظ لتنتفع به الناس وارض ثالثة لا تنتفعوا بشربه ولا تمسكه لغيرها فتبين ان القلوب تشرب ما ينزله الله من الايمان والقرآن. وذلك شراب لها كما ان المطر شراب للارض والارض تعطش وتروى. وكذلك القلب يعطس الى ما ينزله الله ويروى به وهو سبحانه الذي يطعمه هذا الشراب فيحيا القلب به وحصول العلم في القلب كحصول الطعام في الجسم. فالجسم يحس بالطعام والشراب وكذلك القلوب تحس بما يتنزل اليها من العلوم التي هي طعامها وشرابها قال ابن القيم رحمه الله شبه صلى الله عليه وسلم العلم والهدى الذي جاء به بالغيث لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والمنافع والاغذية والادوية وسائر مصالح بعد فانها بالعلم والمطر وشبه القلوب بالاراضي التي يقع عليها المطر لانها المحل الذي يمسك الماء فينبت سائر انواع النبات النافع كما ان القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته ثم قسم الناس الى ثلاثة اقسام بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه وفهم معانيه. واستنباط احكام واستخراج حكمه وفوائده احدها اهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه واستنبطوا وجوه الاحكام والحكم والفوائد منه فهؤلاء بمنزلة الارض التي قبلت الماء وهذا بمنزلة الحفظ فانبتت الكلأ والعشب الكثير وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط فانه بمنزلة انبات الكلأ والعشب بالماء فهذا مثل الحفاظ الفقهاء اهل الرواية والدراية القسم الثاني اهل الحفظ الذين رزقوا حفظه ونقله وظبطه ولم يرزقوا تفقها في معانيه ولا استنباطا ولا استخراجا لوجوه الحكم والفوائد منه فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه ويراعي حروفه واعرابه ولم يرزق فيه فهما خاصا عن الله كما قال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه الا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله اعظم تفاوت فرب شخص يفهم من النص حكما او حكمين ويفهم منه الاخر مئة او مئتين فهؤلاء بمنزلة الارظ التي امسكت الماء للناس تنتفع به هذا يشرب منه وهذا يسقي وهذا يزرع فهؤلاء القسمان هم السعداء والاولون ارفع درجة واعلى قدرا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم القسم الثالث الذين لا نصيب لهم منه لا حفظا ولا فهما ولا رواية ولا دراية بل هم بمنزلة الارظ التي هي قيعان لا تنبت ولا تمسكوا الماء وهؤلاء هم الاشقياء والقسمان الاولان اشتركا في العلم والتعليم. كل بحسب ما قبله ووصل اليه فهذا يعلم الفاظ القرآن ويحفظها وهذا يعلم معانيه واحكامه وعلومه والقسم الثالث لا علم ولا تعليم فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسا ولم يقبلوه وهؤلاء شر من الانعام وهم وقود النار فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم وعظم موقعه وشقاء من ليس من اهله وذكر اقسام بني ادم بالنسبة فيه الى شقيهم وسعيدهم وتقسيم صعيدهم الى سابق مقرب وصاحب يمين مقتصد وفيه دلالة على ان حاجة العباد الى العلم كحاجتهم الى المطر بل اعظم وانهم اذا فقدوا العلم فهم بمنزلة الارض التي فقدت الغيث قال الامام احمد الناس محتاجون الى العلم اكثر من حاجتهم الى الطعام والشراب لان الطعام والشراب يحتاج اليه في اليوم مرة او مرتين والعلم يحتاج اليه بعدد الانفاس والرب تعالى له الكمال الذي لا يقدر العباد قدره في انواع علمه وحكمته ومحبته وفرحه وغير ذلك مما اخبرت به النصوص النبوية ودلت عليه الدلائل الالهية وهو في كل ذلك غني عن كل ما سواه فهو الذي يجعل في قلوب العباد من انواع الاغذية والاقوات والمسار والفرح والبهجة ما لا يجعله غيره وهو اذا فرح بتوبة التائب فهو الذي جعله تائبا. حتى فرح بتوبته لم يحتج في ذلك الى احد سواه والتعبير بلفظ القوت والطعام والشراب ونحو ذلك عما يقيت القلوب ويغذيها كثير جدا وكثيرا ما توصف القلوب بالعطش والجوع. وتوصف بالري والسبع وفي الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأني اوتيت بقدح فشربت حتى اني لارى الري يخرج من اظفاري ثم ناولت فضل عمر قالوا فما اولته يا رسول الله؟ قال العلم فجعل العلم بمنزلة الشراب الذي يشرب ولهذا شبهت حياة القلوب بعد موتها بحياة الارض بعد موتها وذلك بما ينزله عليها من الماء فيسقيها وتحيا به قال الله تعالى الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون اي الم يجيء الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله الذي هو القرآن وتنقاد لاوامره وزواجره وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله ولما انزله من الكتاب والحكمة وان يتذكر المؤمنون المواعظ الالهية والاحكام الشرعية كل وقت ويحاسبوا انفسهم على ذلك ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد اي ولا يكون كالذين انزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام ثم لم يداوموا عليه ولا ثبتوا بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة فاضمحل ايمانهم وزال ايقانهم فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون. فالقلوب تحتاج في كل وقت الى ان تذكر بما انزله الله وتناطق بالحكمة ولا ينبغي الغفلة عن ذلك فان ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون فان الايات تدل العقول على العلم بالمطالب الالهية والذي احيا الارظ بعد موتها قادر على ان يحيي الاموات بعد موتهم فيجازيهم باعمالهم والذي احيا الارض بعد موتها بماء المطر قادر على ان يحيي القلوب الميتة بما انزله من الحق على رسوله وهذه الاية تدل على انه لا عقل لمن لم يهتدي بايات الله. ولم ينقد لشرائع الله وشبه الله ما انزله على القلوب بالماء الذي ينزله على الارض وجعل القلوب كالاودية في حظها ونصيبها من القرآن والقرآن مورد يرده الخلق كلهم وكل ينال منه على مقدار ما قسم الله له. قال تعالى انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال وهذا مثل ظربه الله سبحانه لما انزل من العلم والايمان والقلوب التي تنال ذلك شبه الايمان بالماء النازل والقلوب بالاودية. فمنها كبار ومنها صغار وبين ان الماء كما يختلط بما يكون في الارض كذلك القلوب فيها شبهات وشهوات تخالط الانسان واخبر ان ذلك الزبد يجفىء جفاء وما ينفع الناس يمكث في الارض كذلك الشبهات تجفوها القلوب وما ينفع يمكث فيها الحاصل ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها للخير والرشاد وشرها اوعاها للبغي والفساد وقد نقل ابن الجوزي رحمه الله في كتابه ذم الهوى عن احمد بن خضرويه قال القلوب اوعية فاذا امتلأت من الحق اظهرت زيادة انوارها على الجوارح واذا امتلأت من الباطل اظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح والعبد لا يزال بخير ما كان مجتهدا في اصلاح قلبه وطهارته وسلامته من الافات وعمارتي بحب الله واجلاله وتعظيمه سبحانه قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ولم يكن اكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وخواص اصحابه بكثرة الصوم والصلاة بل ببر القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله خشية له ومحبة واجلالا وتعظيما ورغبة فيما عنده وزهدا فيما يفنى وفي المسند عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اني اعلمكم بالله واتقاكم له قلبه ان قال ابن مسعود رضي الله عنه لاصحابه انتم اكثر صلاة وصياما من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرا منكم قالوا ولم قال كانوا ازهد منكم في الدنيا وارغب في الاخرة وقال بكر المزني رحمه الله ما سبقهم ابو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره قال بعض العلماء المتقدمين الذي وقر في صدره هو حب الله والنصيحة لخلقه وسئلت فاطمة بنت عبد الملك زوج عمر ابن عبد العزيز بعد وفاته عن عمله فقالت والله ما كان باكثر الناس صلاة ولا باكثرهم صياما. ولكن والله ما رأيت احدا اخوف لله من عمر لقد كان يذكر الله في فراشه فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول ليصبحن الناس ولا خليفة لهم قال بعض السلف ما بلغ من بلغ عندنا بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بسخاوة النفوس وسلامة الصدور النصح للامة ونص كثير من الائمة على ان طلب العلم افضل من صلاة النافلة وكذلك الاشتغال بتطهير القلوب افضل من الاستكثار من الصوم والصلاة مع اغش القلوب ودغلها ومثل من يستكثر من الصوم والصلاة مع دغل القلب وغشه كمثل من بدر بدرا في ارض دغلة كثيرة الشوك فلا يزكو ما ينبت فيها من الزرع بل يمحقه دغل الارض ويفسده فاذا نظفت الارض من دغلها زكى ما ينبت فيها رزقنا الله اجمعين العلم النافع والعمل الصالح واصلح قلوبنا وهدانا اليه صراطا مستقيما وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته