بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد تقدم حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذكر مجيء جبريل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم على صورة اعرابي يسأل وهو يريد تعليم الناس دينهم ومن هذه الاسئلة قوله فاخبرني عن الاحسان قال ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك والاحسان هو اعلى مراتب الدين وارفعها واهلها هم المستكملون لمراتب الدين السابقون بالخيرات المقربون في علو الدرجات وهو لب الايمان وروحه وكماله والمراد به الاجادة والاتقان ايقاع العمل والعبادة على اكمل الوجوه واحسن الاحوال في الظاهر والباطن والسر والعلن المحسنون من عباد الله هم الذين اتقنوا العبادة بحيث اتوا بها ووقعت منهم كاملة من جميع الوجوه ظاهرا وباطنا سرا وعلنا وذلك لصلاح قلوبهم التام ولعظم مراقبتهم لله سبحانه في عبادتهم وتقربهم لله فحالهم في عبادة الله انهم يعبدون الله كأنهم يرون الله وهذا فيه انهم بلغوا الرتبة العلية في المراقبة مراقبة الله في اعمالهم بحيث تكون قلوبهم حاضرة وشاهدة بعيدة عن الغفلة وقد جاء ذكر الاحسان في القرآن في مواضع كثيرة تارة مقترنا بالايمان وتارة بالتقوى وتارة بهما معا وتارة بالجهاد وتارة بالانفاق في سبيل الله وتارة بالاسلام وتارة بالعمل الصالح مطلقا قال الله تبارك وتعالى ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وامنوا ثم اتقوا واحسنوا والله يحب المحسنين وقال تعالى ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقال تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع اجر من احسن عملا وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين وقال تعالى بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقال تعالى ومن يسلم وجهه الى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وقال تعالى وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا لا يستطيعه من المخلوقين احد غيره صلى الله عليه وسلم لما اعطاه الله تعالى من جوامع الكلم فقال صلى الله عليه وسلم الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فاخبر صلى الله عليه وسلم ان مرتبة الاحسان على درجتين. وان للمحسنين في الاحسان مقامين المقام الاول وهو اعلاهما ان تعبد الله كانك تراه. وهذا مقام المشاهدة وهو ان يعمل العبد على مقتضى مشاهدة الله عز وجل بقلبه وهو ان يتنور القلب بالايمان وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان فمن عبد الله عز وجل على استحضار قربه منه واقباله عليه وانه بين يديه كأنه يراه اوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم المقام الثاني مقام الاخلاص وهو ان يعمل العبد على استحضار مشاهدة اللهية واطلاعه عليه وقربه منه فاذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله لان استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات الى غير الله وارادته بالعمل وهذا المقام هو الوسيلة الموصلة الى المقام الاول ولهذا اتى به النبي صلى الله عليه وسلم تعليلا للاول فقال فان لم تكن تراه فانه يراك وفي بعض الفاظ الحديث فانك الا تكن تراه فانه يراك فاذا تحقق في عبادته بان الله تعالى يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره ولا يخفى عليه شيء من امره فحينئذ يسهل عليه الانتقال الى المقام الثاني وهو دوام التحقيق بالبصيرة الى قرب الله تعالى من عبده ومعيته حتى كأنه يراه وقد ذكر الله تبارك وتعالى هذا المعنى في غير ما موضع من القرآن كما قال تعالى وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم وقال تبارك وتعالى واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون وقال تعالى وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين. انه هو السميع العليم وغير ذلك من الايات فاولياء الله المتقون المحسنون هم الذين امنوا بالله عز وجل وبالهيته وربوبيته واسمائه وصفاته وافردوه بالعبادة محبة وتذللا وانقيادا وخوفا ورجاء ورغبة ورهبة وخشية وخشوعا ومهابة وتعظيما وتوكلا عليه وافتقارا اليه واستغناء به عما سواه واتقوه بامتثال اوامره ومحبة مرضاته وترك مناهيه وموجبات سخطه سرا وعلنا وظاهرا وباطنا قولا وعملا واعتقادا واستشعرت قلوبهم ونفوسهم احاطة الله عز وجل بهم علما وقدرة ولطفا وخبرة باقوالهم ونياتهم واسرارهم بهم وعلانيتهم وحركاتهم وسكناتهم وجميع احوالهم كيف عملوا واين عملوا؟ ومتى عملوا فكان عملهم خالصا لله موافقا لشرعه مناطا بما جاءت به رسله ونطقت به كتبه مستحضرين ذلك بقلوبهم نافذة فيه بصائرهم. فاخلصوا لله العمل وراقبوه مراقبة من ينظر الى ربه لكمال علمهم بان الله ينظر اليهم ويرى حالهم ويسمع مقالهم فطرحوا النفوس بين يديه واقبلوا بكليتهم عليه والتجأوا منه اليه وعادوا به منه واحبوه من كل قلوبهم. فامتلأت بنور معرفته فلم تتسع لغيره فبه يبصرون وبه يسمعون وبه يبطشون وبه يمشون كما في الحديث عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وان سألني لاعطينه ولئن عاد بي لاعيذنه وما ترددت عن شيء انا فاعله ترددي النفس عبدي المؤمن. يكره الموت وانا اكره مساءته رواه البخاري واعظم معينا على تحقيق مقام الاحسان الاهتداء بهدايات القرآن قال الله تعالى وما تكونوا في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم اذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين قال الحافظ ابن كثير رحمه الله يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم انه يعلم جميع احواله واحوال امته وجميع الخلق في كل ساعة وان ولحظة وانه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السماوات ولا في الارض ولا اصغر منها ولا اكبر الا في كتاب مبين كقوله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين فاخبر تعالى انه يعلم حركات الاشجار وغيرها من الجمادات وكذلك الدواب السارحة في قوله وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون وقال تعالى وما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب بن مبين واذا كان هذا علمه بحركات هذه الاشياء فكيف بعلمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة كما قال تعالى وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ولهذا قال تعالى وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه اي اذ تأخذون في ذلك الشيء نحن مشاهدون لكم راؤون سامعون وقال تعالى وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين انه هو السميع العليم. اي الذي ينظر اليك ويطلع عليك ولا تخفى عليه منك خافية. حين تقوم لله خاشعا خاضعا مناجيا سائلا راغبا طامعا. يراك في في هذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة وقت قيامك وتقلبك راكعا وساجدا خصها بالذكر لفضلها وشرفها ولان من استحضر فيها قرب ربه خشع وذل واكملها وبتكميلها يكمل سائر عمله ويستعين بها على جميع اموره انه هو السميع اي لسائر الاصوات على اختلافها وتشتتها وتنوعها العليم الذي احاط بالظواهر والبواطن والغيب والشهادة فاستحضار العبد رؤية الله له في جميع احواله وسمعه لكل ما ينطق به وعلمه بما ينطوي عليه قلبه من الهم والعزم والنيات مما يعينه على منزلة الاحسان وكم في القرآن الكريم من ايات عظيمة جاءت مشتملة على بيان سعة علم الله واحاطته واطلاعه مذكرة بسعة اطلاع الله جل وعلا وشمول علمه وانه سبحانه احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا وانه عز وجل يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن ان لو كان كيف يكون وانه عز وجل يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور يعلم جل في علاه الخوافي والمعلنات والغيب والشهادة لا تخفى عليه خافية قال الله عز وجل والله بكل شيء عليم وقال والله سميع عليم وقال واللهم تعملون عليم وقال والله عليم بالمتقين وقال ان الله عليم بذات الصدور وقال ان الله عليم بما يفعلون وقال والله عليم بما يعملون وقال والله بما تعملون عليم وقال سبحانه ان الله عليم بما يصنعون وقال وهو بكل خلق عليم وقال جل وعلا ان الله خبير بما تعملون. وقال اولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون ما يعلنون وقال والله يعلم وانتم لا تعلمون وقال يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وقال سبحانه واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم فاحذروه وقال جل وعلا والله يعلم ما تبدون وما تكتمون وقال والله يعلم ما تسرون وما تعلنون وقال والله يعلم ما تصنعون وقال والله يعلم ما في قلوبكم وقال والله يعلم متقلبكم ومثواكم وقال والله يعلم ما لكم؟ وقال انه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون فتأمل هذه الايات ونظائرها والوقوف عند مضامينها ودلالاتها وهداياتها يعين العبد باذن الله على صلاح قلبه والترقي لبلوغ مرتبة الاحسان في عبادة الله والاتقان في طاعته والتقرب اليه سبحانه في الاوقات كلها والاحوال جميعها في الغيب والشهادة والسر والعلانية جعلنا الله من عباده المحسنين واولياءه المتقين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته