بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من احصاها دخل الجنة متفق عليه وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اصاب احدا قط هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او انزلته في كتابك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب الله همه وحزنه وابدله مكانه فرحا قال فقيل يا رسول الله الا نتعلمها؟ فقال بلى ينبغي لمن سمعها ان يتعلمها. رواه احمد وعن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لاصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله احد فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لاي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لانها صفة الرحمن فانا احب ان اقرأ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروه ان الله يحبه متفق عليه وفي لفظ اخر قال له صلى الله عليه وسلم حبك اياها ادخلك الجنة ففيه ان من احب صفات الله احبه الله وادخله الجنة ان معرفة اسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة والتي تدل على كمال الله المطلق من كافة الوجوه لمن اعظم ابواب اصلاح القلوب وذهاب همومها وغمومها واسقامها وذلك لان الاشتغال بمعرفتها وفهمها والبحث التام عنها مشتمل على فوائد كثيرة وعظيمة منها اولا ان علم توحيد الاسماء والصفات اشرف العلوم واجلها على الاطلاق فالاشتغال بفهمه والبحث عنه اشتغال باعلى المطالب وحصوله للعبد من اشرف المواهب ثانيا ان معرفة الله تدعو الى محبته وخشيته وخوفه ورجائه واخلاص العمل له وهذا عين سعادة العبد ولا سبيل الى معرفة الله الا بمعرفة اسمائه وصفاته والتفقه في فهم معانيها ثالثا ان الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه وهذا هو الغاية المطلوبة منهم فالاشتغال بذلك اشتغال بما خلق له العبد وتركه وتضييعه اهمال لما خلق له وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة وفضله عليه عظيم من كل وجه ان يكون جاهلا بربه معرضا عن معرفته رابعا ان احد اركان الايمان بل افضلها واصلها الايمان بالله وليس الايمان به مجرد قوله امنت بالله من غير معرفته بربه بل حقيقة الايمان ان يعرف الذي يؤمن به ويبذل جهده في معرفة اسمائه وصفاته حتى يبلغ درجة ذات اليقين وبحسب معرفته بربه يكون ايمانه. فكلما ازداد معرفة بربه ازداد ايمانه وكلما نقص نقص واقرب طريق يوصله الى ذلك تدبر صفاته واسمائه سبحانه خامسا ان العلم به تعالى اصل الاشياء كلها. حتى ان العارف به حقيقة المعرفة يستدل بما عرف من صفاته وافعاله على ما يفعله وعلى ما يشرعه من الاحكام لانه لا يفعل الا ما هو مقتضى اسمائه وصفاته فافعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة ولذلك لا يشرع ما يشرعه من الاحكام الا على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله فاخباره كلها حق وصدق واوامره ونواهيه عدل وحكمة ومن هذه الفوائد ان معرفة الاسماء الحسنى والصفات العليا مقتضية لاثارها من العبودية والخضوع فلكل صفة عبودية خاصة هي من مقتضياتها وموجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع انواع العبودية التي على القلب والجوارح وبيان ذلك ان العبد اذا علم بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والاحياء والاماتة فان ذلك يثمر له عبودية التوكل عليه باطنا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا واذا علم بان الله سميع بصير عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض وانه يعلم السر واخفى ويعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور فان هذا يثمر له حفظ اللسان والجوارح وخطرات القلب عن كل ما لا يرضي الله وان يجعل تعلقات هذه الاعضاء بما يحبه الله ويرضاه واذا علم بان الله غني كريم بر رحيم واسع الاحسان فان هذا يوجب له قوة الرجاء والرجاء يثمر انواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه واذا علم بكمال الله وجماله اوجب له هذا محبة خاصة وشوقا عظيما الى لقاء الله وهذا يثمر انواعا كثيرة من العبادة وبهذا يعلم ان العبودية كلها راجعة الى مقتضيات الاسماء والصفات فاذا عرف العبد ربه المعرفة الحقيقية المطلوبة السالمة من طرق اهل الزيغ في معرفة الله والتي على تحريف الاسماء والصفات او تعطيلها او تكييفها او تشبيهها فمن سلم من هذه المناهج الكلامية الباطلة التي هي في الحقيقة اعظم ما يحول بين العبد وبين معرفة ربه واعظم ما ينقص الايمان ويضعفه وعرف ربه باسمائه الحسنى وصفاته العلى التي تعرف بها الى خلقه والتي وردت في الكتاب والسنة وفهمها على منهج السلف الصالح فقد وفق لاعظم اسباب زيادة الايمان وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة فيه حث على احصاء هذا العدد من اسماء الله وليس المراد بالاحصاء عدها فقط وانما المراد العمل بما تقتضيه. فلا بد من فهم معاني الاسماء والصفات ومعرفة ما تدل عليه حتى يتسنى الاستفادة التامة بها قال ابو عمر الطلمنكي رحمه الله من تمام المعرفة باسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة بالاسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد وتدل عليه من الحقائق ومن لم يعلم ذلك لم يكن كن عالما لمعاني الاسماء ولا مستفيدا بذكرها ما تدل عليه من المعاني وقد ذكر ابن القيم رحمه الله لاحصائها ثلاث مراتب المرتبة الاولى احصاء الفاظها وعددها المرتبة الثانية فهم معانيها ومدلولاتها المرتبة الثالثة دعاء الله بها وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله مبينا معنى احصاها الواردة في حديث ابي هريرة المتقدم قال اي من حفظها وفهم معانيها واعتقدها وتعبد الله بها دخل الجنة والجنة لا يدخلها الا المؤمنون فعلم ان ذلك اعظم ينبوع ومادة لحصول الايمان وقوته وثباته ومعرفة الاسماء الحسنى هي اصل الايمان والايمان يرجع اليها فمن عرف الله هذه المعرفة كان من اقوى الناس ايمانا واشدهم طاعة وتعبدا واعظمهم خوفا ومراقبة لله سبحانه قال الله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الاية يقول تعالى ذكره انما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء بقدرته على ما يشاء من شيء وانه يفعل ما يريد لان من علم ذلك ايقن بعقابه على معصيته فخافه ورهبه خشية منه ان يعاقبه وقال ابن كثير رحمه الله اي انما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به لانه كلما كانت المعرفة للعظيم العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالاسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به اتم والعلم به اكمل كانت الخشية له اعظم واكثر قد جمع هذا المعنى احد السلف في عبارة مختصرة فقال من كان بالله اعرف كان من الله اخوف قال ابن القيم رحمه الله وليست حاجة الارواح قط الى شيء اعظم منها الى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به وطلب الوسيلة اليه والزلفة عنده ولا سبيل الى هذا الا بمعرفة اوصافه واسمائه فكلما كان العبد بها اعلم كان بالله اعرف وله اطلب واليه اقرب وكلما كان لها انكر كان بالله اجهل واليه اكره ومنه ابعد والله ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه فمعرفة الله عز وجل تقوي جانب الخوف والمراقبة وتعظم الرجاء في القلب وتزيد في ايمان العبد وتثمر انواعا كثيرة من العبادة ولا سبيل الى هذه المعرفة ولا طريق اليها الا تدبر كتاب الله وما تعرف به سبحانه الى عباده على السنة رسله من اسمائه وصفاته وافعاله وما نزه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه وتدبر ايامه وافعاله في اوليائه واعدائه. التي قصها على عباده واشهدهم اياها. ليستدلوا بها على انه الههم الحق المبين. الذي لا تنبغي العبادة الاله ويستدل بها على انه على كل شيء قدير وانه بكل شيء عليم وانه شديد العقاب وانه غفور رحيم وانه العزيز الحكيم وانه الفعال لما يريد. وانه الذي وسع كل شيء رحمة وعلما وان افعاله كلها دائرة بين الحكمة والرحمة والعدل والمصلحة. لا يخرج شيء منها عن ذلك وهذه الثمرة لا سبيل الى تحصيلها الا بتدبر كلامه والنظر في اثار افعاله وقد ذكر ابن القيم رحمه الله فمن كانت معرفته لله كذلك وتفقه في هذه البصيرة كان من اقوى الناس ايمانا واحسنهم اجلالا وتعظيما ومراقبة لله عز وجل واكثرهم طاعة وتقربا اليه والناس في ذلك متفاوتون فمقل ومستكثر رزقنا الله اجمعين حسن الايمان باسمائه وصفاته والتحقيق لتوحيده وتعظيمه انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته