بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفكروا في الاء الله ولا تتفكروا في الله. رواه الطبراني في معجمه والبيهقي في الشعب التفكر عبادة قلبية عظيمة النفع كبيرة الاثر لها من العوائد والفوائد ما لا حد له وفي القرآن ايات عديدة مشتملة على الحث على التفكر وبيان عظيم شأنه وجليل قدره وكبير عوائده وفوائده وفيها ثناء الله على اهله وبيان علو مقامهم ورفعة شأنهم يقول الله سبحانه كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون ويقول سبحانه ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ويقول جل وعلا ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون ويقول جل وعلا او لم يتفكروا في انفسهم ويقول سبحانه كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون ويقول جل وعلا وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون والايات في هذا المعنى كثيرة ويقول الله عز وجل في الثناء على اوليائه المقربين اولي الالباب مبينا عظيم مقامهم وعلو شأنهم وجمال تفكرهم ان في خلق السماوات والارض اختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وهذا التفكر العظيم الذي دعا الله عز وجل عباده اليه وحثهم عليه ورغبهم فيه مفتاح كل خير واساس كل فلاح وصلاح ومنبع كل فضيلة وهو من عبوديات القلب العظيمة الجليلة وهو ينقل الانسان من الغفلة الى اليقظة ومن المعصية الى الطاعة ومن المهانة الى المعزة وينقله من الحقرات والدناءات وخسيس الامور وحقيرها الى معالي الامور ورفيعها وعليها ولهذا كان شأن السلف رحمهم الله تعالى مع هذه العبودية شأن عظيم وكلماتهم في بيان مقام التفكر وعظيم شأنه وجليل قدره كثيرة ومتعددة ومن ذلك قول عبدالرحمن بن زيد بن اسلم رحمه الله قال ما رأس هذا الدين وصلاحه الا التفكر وقال الحسن البصري رحمه الله الفكر ابو كل بر وامه ومفتاح خلال الخير كله وقال رحمه الله التفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك وقال قتادة رحمه الله من تفكر في نفسه عرف انما لينت مفاصله للعبادة وقال سهل سمعت الفضيل بن عياض رحمه الله يقول تفكروا واعلموا من قبل ان تندموا ولا تغتروا بالدنيا فان صحيحها يسقم وجديدها يبلى ونعيمها يفنى وشبابها يهرم الا ان الناس قد تابعوا بين الدراهم والدنانير وليس لامرئ من شيء خير مما نوى وقدم وقال سفيان بن عيينة رحمه الله التفكر مفتاح الرحمة الا ترى انه يتفكر فيتوب وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله الفكرة في نعم الله من افضل العبادات والنقول عنهم في هذا المعنى كثيرة لانهم ادركوا مقام التفكر وعلو شأنه ورفعة منزلته وعظم نفعه للقلوب يقظة وصلاحا فمن تفكر في عظمة الله وانه عز وجل مطلع على العباد لا تخفى عليه منهم خافية سميع بصير عليم قدير فان هذا التفكر يمنعه من الوقوع في معصية الله عز وجل وقد قال الله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء ومن تفكر في الاخرة وانها ارتحلت مقبلة وانها هي الحيوان وتفكر في نعيمها وما اعد الله سبحانه وتعالى فيها لاوليائه من عظيم المآبي وجميل الثواب فان ذلك يحفزه ويدفعه لحسن التهيؤ وتمام الاستعداد ليوم المعاد ومن تفكر في هوان الدنيا وحقارتها وسرعة زوالها وتصرمها فانه لن يجعلها اكبر همه ولا مبلغ علمه ومن تفكر في الذنوب وعظم خطورتها وسوء عواقبها على اهلها في الدنيا والاخرة فانه يحاذر من الوقوع فيها ويتجنبها ومن يتفكر في العبادات وانه انما خلق في هذه الحياة للقيام بها وتحقيقها فانه يجاهد نفسه على القيام بها على اتم وجه واحسن حال ومن يتفكر في هذه المخلوقات وما فيها من جمال وايات باهرات وحجج ساطعات وبراهين واضحات ادخلت الى قلبه العبرة والعظة والتفكر في الاء الله سبحانه ونعمه عبودية عظيمة تجعل القلب يقبل على الله خضوعا وذلا وايمانا بكمال الخالق وعظمة المبدع سبحانه فها هم اولوا الالباب وقد مر معنا ثناء الله عليهم يتفكرون في خلق السماوات والارض ويثمر هذا التفكر تلك الدعوات العظيمات ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ومن لم يشغل قلبه بالافكار النافعات والتفكير الذي يعود عليه بالخير في دنياه واخراه انشغل قلبه بافكار رديئة وتفكر مذموم في امور منحطة واعمال خسيسة حقيرة ولهذا يشبه بعض اهل العلم النفس البشرية بان مثلها كمثل الرحى التي هي دائمة الدوران تطحن كل ما القي فيها فمن وضع في هذه الرحى قمحا وشعيرا وجد طحينا ينتفع به ومن وضع في تلك الرحى قدرا او حجرا او حصى او رملا او زجاجا فلن يحصل منه طحينا ينتفع به وهكذا نفس الانسان تدور بافكار وافكار ثم ينبع عن تلك الافكار ايرادات وعزوم فمن كانت افكاره وتفكره فيما ينفعه في معاشه ومعاده فانه سيمضي في هذه الحياة على خير حال ومن كانت افكاره في امور حقيرة واعمال دنيئة ويخطط في افكاره كيف يعصي وكيف يرتكب الاثام؟ وكيف يقع في الذنوب وهكذا دواليك في افكار عديدة خسيسة حقيرة كيف ستكون حال من كان هذا تفكره رأى عبدالله ابن مبارك رحمه الله تعالى احد رفقائه مفكرا فقال له اين بلغت قال بلغت الصراط فشتان بين من يرتحل بافكاره الى التفكر فيما ينفعه في معاده ومعاشه يتفكر في وقوفه بين بين يدي الله ينظر في غده وحساب الله تعالى له. كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد شتان بين من افكاره تصل به الى الصراط خوفا واشفاقا وبين من افكاره تسبح في اوحال الذنوب وحقرات المعاصي سفولا واغراقا نعم ما احوجنا الى ان نعالج افكارنا وان نصحح مسارنا وان نجاهد انفسنا على الواردات النافعة والافكار القويمة التي تعود علينا بالنفع العظيم والخير العميم في الدنيا والاخرة قال ابن القيم رحمه الله شجرة الاسلام في القلب ان لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر والا اوشكت ان تيبس وما اعظم الخسران واشد الحرمان لمن اسلم بيت افكاره الى الشيطان يصب فيه وساوسه ويملي له الشر املاء ويؤزه الى المعاصي ازا ويدفعه اليها دفعا فهو مستسلم للشيطان ومقاد لوساوسه وافكاره توصف بانها افكار شيطانية الما اسوأ هذه الحال وما اقبحها وما اشنعها ان التفكر كما امر الله سبحانه به ودعا اليه عبودية عظيمة الشأن جليلة القدر وحتى يحقق العبد هذا المقام يحتاج الى امرين اولا الى استعانة بالله عز وجل وثانيا الى مجاهدة للنفس بابعادها عن كل باب ومنفذ يجلب الى قلبه افكارا رديئة وتصورات سيئة ويحرص على كل المنافذ والابواب التي تجلب لقلبه ما ينفعه ويعود عليه بالخير والفائدة في دينه ودنياه ارأيتم لو ان شخصا اسلم بصره ونظره وسمعه الى مشاهدات محرمة وصور نهي عن النظر اليها ومشاهدتها وسماعات محرمة كيف ينشد مع ذلك لقلبه صفاء ونقاء وزكاء وقد اوسع لنفسه المنافذ التي تجلب على قلبه واردات السوء وتجلب له امور الشر فمن جاهد نفسه واستعان بربه وفق لكل خير وقد اوسع لنفسه المنافذ التي تجلب على قلبه واردات السوء وتجلب له امور الشر اما من جاهد نفسه واستعان بربه سبحانه فانه يوفق لكل خير كم هو جميل بالمسلم في هذا المقام ان يستحذر ما ينفعه من تفكر سليم وتأمل قويم واتعاظ اعتبار وادكار وهذا مقام يطول شرحه لكن اشير الى مثال واحد والامثلة على ذلك كثيرة وقد مر شيء منها ارأيتم لو ان انسانا جائعا اشتد به الجوع ثم وضع بين يديه طعام شهي واكل لذيذ يحبه ونفسه تميل اليه ثم لما مد يده الى ذلك الطعام قيل له ان هذا الطعام مسموم ان اكلت منه مت من ساعتك ارأيتم وقد ايقن بان ذلك الطعام مسموم وان فيه هلكته فيضع يده في ذلك الطعام او يكفها سبحان الله كيف يتجنب الانسان طعاما خوف مضرته ولا يتجنب الذنوب خوفا معرتها يوم لقاء الله سبحانه وتعالى واعلى الفكر واجلها وانفعها ما كان لله والدار الاخرة. وهو انواع احدها الفكرة في اياته المنزلة وتعقلها وفهمها وفهم مراده منها ولذلك انزلها الله تعالى لا لمجرد تلاوتها بل تلاوة وسيلة الثاني الفكرة في اياته المشهودة والاعتبار بها والاستدلال بها على اسمائه وصفاته وحكمته واحسانه بره وجوده وقد حظ الله سبحانه عباده على التفكر في اياته وتدبرها وتعقلها وذم الغافل عن ذلك الثالث الفكرة في الائه واحسانه وانعامه على خلقه باصناف النعم وسعة رحمته ومغفرته وحلمه الرابع الفكرة في عيوب النفس وافاتها وفي عيوب العمل وهذه الفكرة عظيمة النفع وهذا باب لكل خير وتأثيره في كسر النفس الامارة بالسوء ومتى كسرت عاشت النفس المطمئنة وانبعثت وصار الحكم لها فحي القلب ودارت كلمته في مملكته وبث امراءه وجنوده في مصالحه الخامس الفكرة في واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه فالعارف ابن وقته فان اضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها فجميع المصالح انما تنشأ من الوقت وان ضيعه لم يستدركه ابدا فمثل هذا التفكر والتأمل ينفع الانسان نفعا عظيما في صلاح قلبه وفي اقدامه واحجامه وحبه وبغضه وعطائه ومنعه وجميع اموره اللهم اصلح قلوبنا اجمعين اللهم ات نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته